مليكة بن دودة، أستاذة الفلسفة السياسية بجامعة تيبازة، ومقدمة البرنامج الفلسفي "Philo Talk" الذي يبث بإحدى القنوات الجزائرية الخائصة، لها مؤلفات في الفلسفة والتنظير السياسي.
بن دودة: ارتفاع سقف مطالب الحراك يعود لعامل نفسي مهم، يتمثل في عودة الأمل للجميع، وعلى كافة الأصعدة
في هذا الحوار الذي أجراه "الترا جزائر" مع مليكة بن دودة، تتحدث حول مطالب الحراك الشعبي وواقعيتها، والحل الدستوري الذي تصر عليه المؤسسة العسكرية.
- للأسبوع التاسع يصر الشارع الجزائري على رحيل كل رموز النظام، فيما يعتبره البعض مطلبًا تعجيزيًا، فهل حقًا يمكن ترحيل الجميع؟
لا أراه مطلبًا تعجيزيًا أبدًا، وخاصة أن من يرأس المرحلة الانتقالية هو من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل والغضب والفاقدة للمصداقية والثقة، فكيف يمكن للعقل القادر على التمييز أن يثق في قيادة عبد القادر بن صالح، وهو من أكثر الشخصيات وفاءً لنظام بوتفليقة؟
اقرأ/ي أيضًا: مصطفى بوشاشي محاضرًا: بوتفليقة فخّخ مستقبل الجزائر
إنه من أكثر الشخصيات السلبية والفاقدة لقوة الاقتراح والمبادرة. الكل يذكر فشله في إدارة المشاورات التي كلفه بها الرئيس بوتفليقة في 2012، وها هو اليوم يستدعي شخصية منبوذة من الجزائريين لتشارك في الحوار، قصد رئيس اتحاد العمال الجزائريين. إن بقاء بن صالح من أكثر العوائق اليوم للخروج من عنق الزجاجة.
- الشعارات بدأت برفض العهدة الخامسة، والآن أصبحت تطالب برحيل جميع رموز النظام. كيف تفسرين ارتفاع سقف مطالب الجماهير مع التنازلات التي تقدمها السلطة؟
وجدت الجموع التي خرجت منذ 22 شباط/فبراير، أن في خروجها الكثيف فرصة للتغيير الحقيقي والانتقال السياسي نحو الديمقراطية.
ارتفع سقف الطموحات بارتفاع سقف الوعي، ونحن نعلم أن الثورة تبدأ بعفوية وتستقر وتستمر بفضل انتشار الوعي وانضمام عناصر جديدة كانت تبحث عن فرصة التغيير الجذري.
كما أن ارتفاع سقف المطالب يعود كذلك لعامل نفسي مهم، يتمثل في عودة الأمل للجميع، وعلى كافة الأصعدة: للشباب وللطلبة وللمثقفين، وحتى لأولئك الذين كانوا يُحضرون أنفسهم لركوب قوارب الموت، فقد عاد الأمل في صنع جزائر بمستوى أحلام وتطلعات الشباب.
لقد عاد الأمل بعدما كانت العهدة الخامسة شبه محسومة في رؤوس الكثير من الجزائريين، وقدرًا محتومًا كان سيُصيب الجزائر، خاصة أن العهدة الرابعة مرّت بسلام رغم احتجاج بعض النخب السياسية والثقافية، والرفض الكبير للكثير من الجزائريين.
- المؤسسة العسكرية تصر على الحل الدستوري، فيما ترفض الجماهير ذلك والعديد من الأحزاب والشخصيات السياسية، فهل حقًا يمكن أن يكون الدستور حلًا للأزمة؟
المفروض أن المؤسسة العسكرية لا تنطق في السياسة ولا تتدخل في آلياتها. كما أن فترة العهدات الأربعة، عملت على تحييد المؤسسة العسكرية، خاصة بعد فصلها من أقوى أجهزتها وأكثره تدخلًا في السياسة، وهو جهاز مديرية المخابرات.
لذلك فإن النظام البوتفليقي، بعمق تجذره، لا يزال يملك الآليات التي تسمح له بالمقاومة، وبالتالي فليست مهمّة الجيش بالسهلة لكسر حواجز الصمت أولًا، وكسر بقايا النظام بعمقه وعرضه.
عندما تنطق المؤسسة العسكرية بالحل السياسي، فهذا يعني أن بإمكانها قلب الطاولة على البوتفلقيين وأذنابهم، وهذا ما أستبعده الآن، لهذا فهي لا تملك إلا أن تؤكد على الحل الدستوري، في انتظار ما تسفر عنه الأيام المُقبلة من تصدعات داخل الجماعة الحاكمة. عندها يمكن الحديث عن إمكانية الحل السياسي.
- هل يكفي تغيير رموز النظام لتحقيق الديمقراطية المنشودة، أم يجب إعادة الرؤية في نظام الحكم ككل؟
طبعا المرحلة غير مواتية لذلك، فهناك صراع كبير بين القوى الرافضة للتغيير، والشعب المنتفض والمؤسسة العسكرية كذلك. العجلة لم تُكمل دورتها بعد لنتحدث عن فرصة التغيير.
كل ما حدث لحد الآن، هو أن النظام تخلصّ من نقطة ضعفه الكبيرة، وهي الرئيس المريض، الذي يمكن تعويضه بشخصية أكثر صحة وأكثر قوة كذلك.
سيحدث الحوار فقط عند التحرر من حتمية الحل الدستوري إلى فترة انتقالية بقيادة توافقية وطنية، عندها تكون فترة التحضير للانتخابات فرصة لفتح الحوار الحقيقي على مستوى وسائل الإعلام المختلفة، لطرح الأفكار المناسبة للتغيير الحقيقي والجاد للنظام.
- أتعتقدين أن الحراك سيحقق أهدافه ويؤسس لجمهورية جديدة؟
أتمنى ذلك طبعًا، كما يتمنى كل الوطنيين الغيورين على هذا البلد. وأعتقد أنه سيحقق ذلك إذا كُسر ظهر هذا النظام، وتحلّى الجزائريون بالصبر الكافي على بعضهم البعض.
بن دودة: سيحدث الحوار حول نظام الحكم في الجزائر، عندما نخرج من حتمية الحل الدستوري إلى فترة انتقالية بقيادة وطنية توافقية
على الجزائريين أن يتفطنوا لكل قوى التفرقة التي تحاول أن تُحيدهم عن المطلب الأساسي لثورتهم السلمية، ألا وهو التأسيس لعالم سياسي جزائري حقيقي يقوم على الحرية والعدالة.
اقرأ/ي أيضًا:
هشام قاوة.. الموسطاش يرسم الحراكَ الشعبي بألوان الـ"بوب آرت"