09-فبراير-2024
 (الصورة: Getty) رابح سعدان، مدرب سابق للمنتخب الجزائري

(الصورة: Getty) رابح سعدان، مدرب سابق للمنتخب الجزائري

في هذا الحوار يعود شيخ المدربين رابح سعدان الذي يتابع مباريات كأس أفريقيا باهتمام، للحديث عن الأسباب التقنية التي كانت وراء الاقصاء المبكر للفريق الوطني من كان كوت ديفوار 2023، مقدمًا بعض الملاحظات الدقيقة حول مستقبل الفريق الوطني، بعد تعيينه ضمن طاقم لاختيار مدرّب جديد بعد رحيل بلماضي،وورقة عمل للنهوض بواقع كرة القدم الجزائرية التي لا تزال بعيدة عن تحقيق نتائج كبيرة على الصعيد القاري والمستوى العالمي. 

رابح سعدان لـ "الترا جزائر": لا يحق لنا  أن ننسى فضائل رياض محرز الذي رفع رأس الجزائريين وكان مصدر فخرهم وفرحتهم

يتحدث الناخب الوطني السابق، عن هجومات تعرض لها لاعبو المنتخب الجزائري بعد خسارتهم في كأس أفريقيا، ويدعو جماهير كرة القدم والصحافة الجزائري إلى تقبل الخسارة مثل تقبل الفوز، مستشهدًا بعدد من الأندية الأوروبية التي خسرت ألقابًا كبيرة، دون أن تتعرض لما وصفه بالضغط السلبي من طرف جماهيرها.

  • ماهي الفرق التي لفتت نظرك خلال هذا الكان؟

بالنسبة لي المنتخب الذي أعجبني كثيرًا هو فريق " كابو فردي"، أو الرأس الأخضر. رأيته فريقًا متوازنًا من الجوانب الدفاعية والهجومية، كما يتمتّع بتنشيط هجومٍ كبيرٍ، وكان بإمكانه الذهاب بعيدًا في هذه المنافسة، لكن من سوء حظه أنه اصطدم بفريق جنوب أفريقيا الذي شهد تطورًا تدريجيًا رغم صعوبات واجهته في بداية المنافسة.

لا ننسى أيضًا أن هذا الفريق خرج بركلات الترجيح، حيث برز الحارس المذهل ويليامز الذي صدّ أربع ضربات جزاءٍ ومنح جنوب أفريقيا التأهّل علمًا أنه أنقذها من هدف محقّق في آخر دقائق اللقاء لإجهاضه هدفًا قاتلًا ارتطم بيده والعارضة الأفقية.

كوت ديفوار بدأ بطريقة سيئة لكنه تحسّن وهو في النهائي رفقة نيجريا، كما لا يجب أن نغفل جنوب أفريقيا، هذه الفرق لفتت انتباهي من الناحية التقنية والبدنية والتكتيكية، وجلّ هذه المنتخبات تحسنت تدريجيًا من أول مباراة ما يعني أن المنافسات المجمعة تحتاج أحيانا لتحرر اللاعبين نفسيًا. الحالة البسيكولوجية مهمة كثيرًا للتقدم في المنافسة والفوز بالمباريات والبطولات.  

  • هل كنت تتوقّع الخروج الصادم للجزائر من الدور الأوّل؟

صراحة لم أكن أتوقع ذلك، بخاصة أن العبور للدور الثاني لم يكن يقتصر على أوّل وثاني المجموعة فقط، بل كان متاحًا لأحسن ست ثوالث، كان يكفينا لنا الحلول في الرتبة الثالثة، وحقا كان الأمر مخيبًا للغاية ومحبطًا لنا جميعًا، لكن هذه هي كرة القدم. في النهاية علينا أن نتحلى بالهدوء. بالتحليل النهائي هناك عدة عوامل معروفة، فالبطولة الأفريقية صعبة ومرهقة لعوامل مناخية صرفه مثل الحرارة والرطوبة، وأيضًا هناك عوامل أخرى مثل التحكيم الذي يتحسن تدريجيا مقارنة بالأعوام السابقة.

رابح سعدان لـ "الترا جزائر": البطولة الأفريقية صعبة ومرهقة لعوامل مناخية صرفه مثل الحرارة والرطوبة

أما من الناحية التقنية التي تخصّ الفريق الوطني الجزائري، فأظن أن المنتخب الجزائري افتقد اللعب الجماعي الذي رأيناه في عام 2019 في القاهرة، وكانت أهم خاصية نجاحه في تلك الدورة، وحتى بعد ذلك بقليل، ناهيك على أن الفريق يشهد مرحلة انتقالية بإدماج لاعبين جدد. لم يكن هناك وقت كبير للمدرب جمال بلماضي لرؤية ثمرة التحول وتكوين فريق متناسق جماعيًا، لأنه كانت مقابلات مرتبطة بتواريخ "فيفا" هي مباريات رسمية، لذا خانه الوقت للوصول للتوليفة المناسبة لمنتخب "الخضر" من حيث الأداء الجماعي الحاسم في مثل هذه البطولات المجمعة.

كما أني لاحظت عدم استقرار في التشكيلة الأساسية خلال المباريات الثلاث، وسجلت ضعفًا ملحوظًا في استغلال الكرات الثابتة سواءً الآتية من المخالفات أو الركنيات، وهذه كانت إحدى أسلحتنا خلال مراحي سابقة في البطولات الأفريقية أو كأس العالم. أعتقد أن جمال بلماضي اشتغل أيضًا على هذا الجانب لكن من سوء الحظ لم نسجّل من الكرات الثابتة ولم يترجمها اللاعبون لأهدافٍ، كانت كفيلة للدور الثاني، وكان بإمكاننا أن نرى فريقًا آخر خلال أدوار خروج المغلوب لأن تلك المرحلة تختلف عن الدور الأول.

  • الخروج المبكر واللغط الذي واكبه ألا يمكنان أن يؤثرا في نتائج المواعيد القادمة؟

أولًا يجب على الجمهور الرياضي والصحافة الوطنية أن تهدئ اللعب قليلًا مثلما نقول في عالم التدريب، بمعنى أن ندرك أن المنتخب الجزائري يمرّ بمرحلة انتقالية، لاعبون كبار في السن، ربما سيغادرون كما سيجيئ آخرون، لذا من الأفضل تخفيف الضغط ومساعدة الفريق على تجاوز المرحلة الصعبة، لدينا مباريتين مهمتين في تصفيات مونديال 2026، فيجب أن نحقق نتائج إيجابية فيهما بعدما فاز بلماضي بمباراتين، للحفاظ على رأس المجموعة، في انتظار تحسن "الخضر" في المرحلة التي تليها، خصوصًا خلال العام خلال العام القادم حتى نكون جاهزين للمباريات الحاسمة و الصعبة سواءً في تصفيات المونديال أو كأس أفريقيا 2025.

علينا أن نلتزم الهدوء والصبر لأن أمر اكتساب التوليفة الجماعية والانسجام يتطلبان وقتًا ولا تأتي هكذا. أقول هذا الكلام لأن هناك أطرافًا عدة لا تحب المنتخب الجزائري وهذا أمر مؤسف جدًا. وبالمحصلة ثمرة العمل تظهر نتائجها بالشكل المطلوب في مناخ صحي ينبني على الهدوء والرزانة.

رابح سعدان لـ "الترا جزائر":  هناك عدة أطرف لا تحب الفريق الوطني وهذا أمر مؤسف جدًا

  • بخصوص العوامل الخارجية ألاّ ترون أن الضغط الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي أثرت نفسيًا على المنتخب؟

قد لا تؤثر على الجميع، بيد أنها تؤثر على بعض اللاعبين الحساسين، مثل ما وقع لنجمنا الكبير رياض محرز، الذي تعرض لزلزلة نفسية لم يحسن ربما التعامل معها، لكن لا يجب على وسائل التواصل أن تؤثر على اللاعبين، من الطبيعي أن كل لاعب يمر بمرحلة فراغ وعلينا أن نسير ذلك برزانة بالـتحفيز الإيجابي. هناك أمثلة كثيرة فلاعبون كبار مثل بن زيمة مر بفترات صعبة خلال موسم كامل مع الريال قبل سنوات ثم انفجر في مواسم أخرى ونال جائزة أحسن لاعب في العالم، أمامنا أيضًا بونجاح الذي مر بفترة فراغ قبل أن يسترجع مستواه، ويعود من جديد لسكة التهديف، أيضًا المدرب إنسان وهو يطمح لتحقيق نتائج مع "الخضر" لكن ذلك لا يحدث أحيانًا.

 لا يجب علينا ممارسة الضغط السلبي، جراء تعثر ما، فحتى السينغال وهو فريق ممتاز أقصي ربما بجزئية بسيطة، علينا أن نحلّل أسباب الإخفاق بهدوء لتحسين الأداء، وتجنب الضغط السلبي، لأنّ ذلك مكلف معنويًا على اللاعبين الذين يعانون في مراحل من التراجع البدني والذهني والبدني، وهم في مسيس الحاجة في تلك الفترات للتشجيع والتصفيق بدل السب والإهانة والشماتة والتشكيك، وذلك مهم بالنسبة لهم إذ يعينهم على استرجاع الثقة بأنفسهم، أما العكس فهو يذبحهم تمامًا.

على الجمهور والصحافة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تغيير طريقة التعامل، وتغيير العقلية جذريًا، نحن نعاين فرقًا وطنية كبيرة في أوروبا وغيرها من الدول المتقدمة وهي تخسر ألقابًا كبيرة، فلا نشاهد ضغطًا ولا نسمع كلاما بذيئًا أو قذفًا أو شتائم. على الصحافة في المقام الأول أن تقود الرأي العام بطريقة إيجابية.

في بعض الأحيان أسمع هجومات على اللاعبين المغتربين والمحترفين وتشكيكًا في وطنيتهم في وقت هم ربما أكثر وطنية من منتقديهم، مثلًا لا يحقلنا  أن ننسى فضائل رياض محرز الذي رفع رأس الجزائريين وكان مصدر فخرهم وفرحتهم في الملاعب العالمية وحمل راية البلاد لسنوات طويلة في الدوري الإنجليزي وكأس أفريقيا والشومبيونس ليغ. علينا أن نتعلم الاحترام وتقبل الخسارة مثلما نتقبل الفوز. أعجبني تصريح المدرب السينغالي أليو سيسي بعد الخروج من البطولة، حيث قال للاعبيه " هذه كرة القدم وهي لعبة نتعلم فيها تحمل الفوز كما الخسارة".

  • عيّنتم مؤخرًا في لجنة دراسة ملفات اختيار مدرب جديد في نظرك ما هي المواصفات المطلوبة؟

قبل ذلك أود أن أوضح نقطة مهمة هذه اللجنة ليس من صلاحيتها اختيار المدرب الوطني، مهمتها تقديم الملاحظات الخاصة بكل مدرب أجنبي أو محلي مترشّح، لكن الاتحادية الجزائرية هي التي ستختار بناء على تلك الملاحظات لأن الأمر مرتبط بشق مالي هو الأجرة المترتبة على العقد الموقع بين الطرفين. وهذه ليست من صلاحياتنا.

وطبعًا فإن عمل اللجنة التي تعمل بطريقة ديمقراطية لا تخضع لرأي واحد أو لطريقة الإجماع، لأن هذا مستحيل بل سيتم التوافق على الرأي الغالب، حول الشروط المطلوبة وطرق التقييم المتعلقة بكل مدرب ومواصفاته الراجحة.

سنساهم بكل قوة في تقديم الآراء التي تخدم المصلحة العامة للفريق الوطني. كذلك نحن نعمل على اختيار طاقم محلي من مدربين لمساعدة المدرب الرئيسي والعمل معه، لنستعيد طريقة مهمة تضمن استمرار المنتخبات، في السابق كان هناك مدربون مساعدون يعملون رفقة المدرب الرئيسي الأجنبي، هذا يسمح لهم بالتعلم واكتساب الخبرة ومعرفة دقائق الفريق، للتمكن من تسييره في المراحل الاضطرارية، مثل التي تواجهنا اليوم، فقد ذهب بلماضي دون أن يكون له مساعد يتولى تسيير الأمور أو يكون مطلعًا بدقة على وضعية الفريق واللاعبين.

رابح سعدان لـ "الترا جزائر": رحل بلماضي دون أن يكون له مساعد يتولى تسيير الأمور أو يكون مطلعًا بدقة على وضعية الفريق واللاعبين.

 وطبعًا أقول هذا بناء على تجربتي الشخصية التي مررت بها سابقًا حيث عملّت في طواقم مدربين أجانب خلال نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ما سمح لي بقيادة فريق 1986، وفتح ذلك لي الطريق للإشراف على المنتخب الجزائري في بطولات أفريقية وكأس العالم لاحقًا. من الواجب أيضًا العمل مستقبلًا على الاهتمام باللاعبين المحليين الذين تم نسيناهم لفترة طويلة، من المفيد الشروع في عمليات اختيار أحسنهم لتدعيم التشكيلة ذات التوليفة الجامعة بين أحسن المحليين بالبطولة الوطنية والمحترفين بالدوريات الأوروبية ونظيرتها بالقارات الأخرى.

  • على ذكر البطولة الوطنية كيف تقيم مستوى الكرة الجزائرية حاليًا؟

صرحة بطولتنا في تقهقر كبير لأنها بطولة غير محترفة، فهي تعاني من عدة إشكالات، لذا من الضروري تطويرها ووضعها على سكة الاحتراف الحقيقي، وأول شيء هو إحداث عدالة وتوازن بين الفرق فيما يتعلق بالتمويل الممنوح لها من طرف الشركات الوطنية أو غيرها. لا يعقل أن تستفيد فرق من مساعدات كبيرة فيما لا تستفيد أخرى من أي دعم ملحوظ. هذه نقطة ضرورية في حاجة إلى مبدأ العدل أولا ثم تطبيق ميكانيزمات الرقابة المالية والتقنية والإدارية لمواكبة التطوير، وتتبع مسار خطة العمل المرتبطة بأهداف. الأمر لا يتعلق بكرة القدم بل بكل الرياضات الأخرى التي كنا متطورين فيها في الماضي، وفقدنا معالمنا فيها في الوقت الراهن لا بل دخلنا مرحلة " الجهل" لذا صرنا جاهلين بما يجب أن نفعله.

ينبغي أن نستفيق من السبات العميق لأن العالم يتطور. يجب أن نرسخ مفاهيم الاستقرار والتخطيط، كثير من الجزائريين يطلبون النتائج العاجلة لكن الأمور، لا تسير هكذا، أو كما قلت البعض يتعامل مع الأوضاع كما لو أن معالجتها  تتطلب" سحّارًا" يصنع النتائج بضربة حظ، بدل الاستقرار والتخطيط، البعض يتساءل غاضبًا لماذا ليس لنا رجال في "الكاف" أو "الفيفا"، بيد أن هذا، أيضًا، يتطلب استقرارًا يبدأ باتخاذ القرارات المدروسة و تفادي التغييرات الفجائية مثلما وقع لجهيد زفزاف الذي كان يملك خبرة ناجمة عن سنوات عمل بينها مشاركاته في عدة تظاهرات مثل كأس العالم 2010.

رابح سعدان لـ "الترا جزائر":  اللجنة التي عُينت فيها ليس من صلاحيتها اختيار المدرب الوطني

كل مسؤول يحتاج لوقت لتكوين علاقات وبناء شبكات تقود في النهاية إلى صناعة علاقات تفتح أبواب الوصول لهذه الهيئات، لذا لا أدري لماذا تمت تنحيته؟ لا بد أن يكون هناك استقرار على مستوى الاتحادية لأن ذلك مفيد للمسؤولين والتقنيين والمدراء والموظفين في الاطلاع على دقائق تسيير الفرق الوطنية ويضمن الاستمرارية. دون الاستقرار لن تكون نتائج ولا تحكم في الاستمرارية، الأمر شبيه بسلسلة تحتاج لترابط بين الحلقات، وانكسار حلقة يعني انتهاء السلسلة.