14-يونيو-2024

يحرص الجزائريون في عيد الأضحى المبارك على تأدية الشعيرة الدينية، بممارسة طقوس وعادات لا تخلو من أجواء الفرحة بهذه المناسبة، علاوة على "تكريم الأضحية" وذلك عبر تقسيمها بناءً على تعاليم الدين الإسلامي، إذ للفقراء نصيب أوفر مما تتصدق به العائلات، غير أن الجزائريين يخصصون أجزاء معينة من أضحية عيد الأضحى موجّهة للصدقات، قد تختلف باختلاف التقاليد المتوارثة والثقافات من منطقة إلى أخرى.

تقوم قسمة أضحية العيد في الجزائر على خلفية مجتمعية، وغالبًا ما ترتبط بعادات توارثتها الأسر والعائلات

تتقيد هذه العملية، بالتدابير الإسلامية في تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أقسام وهي: الثلث الأول للمضحّي ولأهل بيته، أمّا الثلث الثاني فهو من نصيب الأقارب، فيما يوزّع الثلث الثالث من القسمة لفائدة الفقراء، ولكن ما هو الجزء المخصص من الثلث، وهل تكون القسمة بناءً على عملية عشوائية أم تعارف عليها الناس مسبقًا.

تقوم قسمة أضحية العيد في الجزائر على خلفية مجتمعية، وغالبًا ما ترتبط بعادات توارثتها الأسر والعائلات، ما جعلها تميز اليوم الأول من العيد عن بقية الأيام الأخرى، فماهي الأجزاء التي يحتفظ بها الجزائريون من كبش الأضحية وما هي الأجزاء التي يتصدّقون بها؟

الكبد والأحشاء

جرى الاتفاق على أن الأضحية هي تقرب العائلات من الله ومن غير الجائز بيع جزءٍ منها، لذا فـ "تكريمها واجب"، لكن لكل منطقة في الجزائر وثقافتها في طريقة القسمة، ففي  اليوم الأول من عيد الأضحى هناك تقاليد تقوم بها العائلات الجزائرية، فمباشرة بعد الذبح وتنقية أعضاء الأضحية، تعكف النساء على تحضير غداء ذلك اليوم، وقوامه قلي الكبد والقلب والطحال، فضلًا عن تحضير أنواع من السلطة الخضراء، برفقة العصير، غير أن كثيرين يحرصون على تقسيم كل المكونات السابقة وتقديمها للجيران من الفقراء ومشاركتهم مذاقها اللذيذ.  

وفي هذا الإطار، يقول (س. رميتة) من منطقة العنصر بولاية جيجل شرق البلاد لـ" الترا جزائر" إن اليوم الأول هو مخصص لتناول الكبد والأحشاء والرأس، بينما يتصدّق كثيرون بأجزاء منها، في الوقت نفسه، خصوصًا على أقرب جار لم ينحر أضحية في العيد.

رأس الأضحية هي أيضًا مهمٌّ في نوعية الأكلات التقليدية التي تقوم النساء بتحضيرها في وجبة العشاء، لذا يحرص البعض على تقديم جزءٍ منه بشكلٍ جاهز كنصيب للفقراء، أو عابري السبيل، أو حتى لفائدة جار لم يتمكّن من التضحية هذه السنة.

وإذا كان اليوم الثاني من أيام عيد الأضحى مخصّص للشواء وهي عادة أغلب العائلات الجزائرية، إلا أن كثيرين يستيقظون مع صلاة الفجر، لتقسيم الأضحية، فمنها الكتف الذي إما يقدم هدية للفقير، أو يتم طهيه ووضعه أمام باب الدار، ولكل من يمرّ يتذوق منه، إذ يضيف السيد رميتة، بأن هذه العادة اندثرت في منطقته، ويبقى الكتف، من الأجزاء المهمة التي يتصدق بها الجزائريون، يليها اللحم الصافي أو قليل الدهون، ليعود بالنفع على المتصدق عليه، وربما ليتمكن من إعداد أطباق شهية أو يوجهه إلى الشواء على الفحم، على حدّ قوله.

وهناك أيضا طريقة لتقسيم اللحوم وتسليمها للمحتاجين، إذ تصرّ نصيرة عوفي وهي أستاذة رياضيات، بأنّ "المنح يجب أن يكون ممّا نحبّ"، مشددة على أن "اللحم الطازج الخالي من الدهون والصالح للشواء"، إذ ترى أن ذلك "أهم ما يشتهيه البعض في هذه المناسبة الدينية".

والثابت أن كثيرًا من الناس يرغبون في تناول أحشاء الأضحية، بعد إعدادها وطهيها بأشكال متنوع ومذاق مختلف، لذا لفتت محدثة "الترا جزائر" إلى ضرورة اعتبارها كنصيب إضافي للفقراء، وليس حقّهم من الأضحية، مشددة أيضًا على أهمية تغليف المكونات بطريقة جيدة، ووضعه في أكياس تُخفي ما بداخلها، وتقديمها لمحتاجها بفرحة.

عقب الذبح مباشرة

عكفت العائلات الجزائرية على تأمين حقّ الفقراء في عيد الأضحى، ومشاركتهم الفرحة؛ إذ تزيد من التواصل والتلاحم والتكافل الذي يوصي به الدين الإسلامي فيي مثل هذه المناسبات.

والملاحظة المهمة في عيد أضحى 2024، أن الآلاف من العائلات لم تتمكّن من شراء الأضحية، وذلك راجع أساسًا إلى غلاء أسعار الأضاحي، لذا استحسن البعض أن تقدم أجزاء من الأضحية كهدية، بناءً على القسمية الشرعية، كما يقول محمد سعدون لـ" الترا جزائر"، مشيرًا إلى أنّ كثيرًا من الجيران ينتظرون حقهم من الأضحية، ولكن "بشكل يحفظ لهم كرامتهم وماء وجههم".

لذا يرى سعدون بأن توزيع لحم الأضحية، تكون عقب الذّبح حتى تكون طازجة، وكأقصى تقدير في اليوم الثاني من العيد، مضيفًا أن الفقير ينتظر تلك الفرصة والفرحة ليتناول اللحم.

الأضحية كاملة

مازال البعض يحافظ على طرق تقسيم وتوزيع جزء من الأضحية، والتي توارثها الكثيرون عن الآباء والأجداد، إذ تقول نعيمة قماس من منطقة سطيف لـ" الترا جزائر" أنه من العادة أن تترك العائلة الجزائرية " الكنف الأيمن وبعض الضلوع من الأضحية للعائلة، والباقي منه يتم توزيعه على الأقارب والمحتاجين.

وكمثال عن الكرم، هناك من يوجه أضحية كاملة للصدقة، وذلك ما يُسهم في ترابط العائلة الواحدة، بينما تفضل بعض العائلات تقطيع الأضحية وتقسيمها بالتساوي في أكياس مخصصة لذلك، وتوزيعها على بنسب متكافئة على بعض الأقارب الذين لم تسمح ظروفهم المادية بشراء أضحية، ثم المحتاجين.

يبقى الكتف من الأجزاء المهمة التي يتصدق بها الجزائريون، يليها اللحم الصافي أو قليل الدهون

وفي هذا الإطار، يقول سعيد والي لـ"الترا جزائر" بأنه لا يمكنه أن يتناول لحم الأضحية وأكل أشهى الأطباق، إلا بعد أن يتم تقسيمها على مستحقيها ومن تجب علينا وصلهم".