للمرّة الأولى منذ انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، يطرح قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح فكرة التنازلات المتبادلة، للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، وحثّ نائب وزير الدفاع على تقديم تنازلات بهدف إيجاد توافق بين مختلف الأطياف السياسية والشخصيات الفاعلة في الجزائر، وصولًا إلى مُخرجات دستورية وصولًا إلى تنظيم انتخابات رئاسية.
الحوار في فترة معقدة
دعا قائد الأركان الجزائري، إلى حوار وطني يتّسم بالصدق والموضوعية تتشارك فيه "شخصيات ونخب وطنية، تكون وفيّة للوطن ولمصلحته العليا المقدّسة"
كما ألحّ قايد صالح، في خطاب أمام القيادات العسكرية، خلال زيارته يومي الثلاثاء والأربعاء إلى منطقة تمنراست أقصى جنوبي الجزائر، على أن يتمّ خلال الحوار تقدير الظروف التي تمرّ بها البلاد، والتنازل المتبادل من أجل الوطن، موضحًا أن هذا الخيار"يُعدّ سبيلًا لمحو الفوارق بين الآراء المختلفة، أو على الأقل تقليص المسافة بين وجهات النظر المتباينة والمتباعدة".
اقرأ/ي أيضًا: رسائل الإبراهيمي.. مبادرات تلقي بالكرة في ملعب الجيش
ورفع قائد الأركان اعتراضًا ضدّ مقترح بدء مرحلة انتقالية في البلاد، طرحتها قوى المعارضة السياسية، داعيًا إلى حوار توافقي يُفضي إلى تنظيم انتخابات رئاسية ضمن الإطار الدستوري.
كما عزا الجيش رفضه لمرحلة انتقالية إلى انزلاقات خطيرة لا تؤتمن عواقبها قد تضرب البلاد مستقبلًا، معتبرًا أن الوضع في الجزائر لا يمكنه أن يتحمّل المزيد من التأخير والتسويف، فالحلّ بين أيدي الجزائريين الأوفياء لوطنهم، وهم من سيجد هذا الحل على حدّ قوله.
وقال المتحدّث إن "الأولوية الآن، هي أن يُؤمن الجميع بأهميّة المضي قُدمًا نحو حوارٍ مثمر يُخرج بلادنا من هذه الفترة المعقّدة نسبيًا، ويضمن بذلك الطريق نحو بلوغ إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أسرع وقت ممكن".
بالرغم من أن خطاب قايد صالح لم يحدّد الجهة التي ستدعو إلى حوار سياسي، في مقابل صوت الشارع الذي لازال يرفض إجراء أي حوار مع رئيس الدولة المؤقّت عبد القادر بن صالح، إلا أنه أشار إلى أن خارطة طريق هذا الحوار، سـتـتجلّى معالمها وتتّضح أكثر من خلال جديّة المبادرات، ومن خلال عقلانية طرحها، ومن خلال جدّية التوجّه نحو إيجاد الحلول الضرورية لهذه الأزمة المستفحلة، وذلك في أقرب الآجال ودون تأخير على حدّ تعبيره.
فاتورة غالية
وعرّج قايد صالح، إلى الأزمة الأمنية التي عاشها الجزائريون في التسعينيات قائلًا إن "الشعب الجزائري المدرك لأهميّة الإسراع في بلوغ الحلول الملائمة لهذه الأزمة، لا يريد تكرار تجارب مريرة سابقة كان قد كابد ويلاتها وعانى من آثارها أشدّ المعاناة، إنه لا ينسى ولا يريد أن ينسى تلك الفترة الصعبة التي مرّ بها خلال التسعينيات".
كما ردّ قائد الأركان على تحذيرات من السيناريو المصري، وأن يكون له طموحات سياسية مجدّدًا نفيه لأيّ طموح سياسي.
في هذا السياق، اعتبر الأستاذ في العلوم السياسية زهير بوعمامة أن هناك تحولًا واضحًا في خطاب المؤسّسة العسكرية، وهو مؤشّر قويّ على الانتقال إلى منهجية ومقاربة مغايرة في التعاطي مع المأزق الحالي على حدّ قوله.
وأضاف بوعمامة في حديث إلى "ألترا الجزائر" بأن القيادة العسكرية تبتعد عن الخيارات الأحادية وتسعى للبحث عن مخارج توافقية يُتيحها حوار جاد ومسؤول إذا توفّرت الإرادة السياسية بحسب المتحدّث.
انفراج قريب؟
من جانبها تفاعلت القوى السياسية في الجزائر من الموالاة والمعارضة، مع طروحات قائد الجيش ودعوته إلى حوار "الجميع مع الجميع"، ورحّبت حركة مجتمع السلم، إحدى التيّارات الإسلامية في الجزائر بدعوة المؤسّسة العسكرية إلى الحوار، واعتبرت أنه أصبح حتمية أكثر من أيّ وقت مضى بعد سقوط مشروع انتخابات الرابع يوليو/ تمّوز المقبل، لكنها طرحت في المقابل اشتراطات سياسية تتعلّق بضرورة استبدال رئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح برئيس دولة جديد مقبول من الحراك وغير متورّط في الفساد والتزوير، يتولّى وإنشاء الهيئة الوطنية المستقلّة لتنظيم الانتخابات بالتوافق، ثم الذهاب لانتخابات رئاسية قبل نهاية السنة بحسب ما جاء في البيان.
وبرغم الملاحقة القضائية المتعلّقة برئيسها وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس بتهم الفساد، إلا أن الحركة الشعبية الجزائرية -حزب تقدّمي- أعلنت موافقتها على دعوة الجيش إلى الحوار، وأعلنت الحركة في بيان لها عن جاهزيتها للمشاركة في هذا الحوار بين الجزائريين، وهذا من جهة لأجل الخروج في أسرع وقت من هذه الأزمة آخذين بعين الاعتبار التجارب المريرة السابقة التي عاشها الشعب الجزائري بحسب بيانها. واعتبرت أن الحوار البنّاء بين مختلف الشركاء السياسيين هو "السبيل الوحيد المؤدّي إلى حلول توافقية بهدف حل المشاكل الوطنية بطريقة سياسية و سلمية".
يعتقد متابعون، أن خطاب قائد الجيش الأخير، يُسجّل فيه تطور على صعيد الموقف، ويشير إلى إمكانية مشاركة الجيش ومرافقته لحوار وطني
وقال في حديث إلى" الترا جزائر"، إنه يعتقد أن الوضع تجاوز مرحلة جسّ النبض وتحسّس النوايا، وبناء الثقة بين طرفي المشهد والثقل في المشهد الجزائري، بين الحراك والمعارضة من جهة، والجيش من جهة ثانية، وهذا يعني أن الجزائر دخلت الآن مرحلة التنازلات الصعبة، وسيكون على كل طرف تقديم التنازلات الممكنة، موضحًا أن هذه التنازلات قد تخصّ قبول الحراك والمعارضة ببقاء رئيس الدولة بن صالح، مقابل تنازل الجيش وقبوله برحيل حكومة بدوي وتنصيب حكومة ومستقلة تقودها شخصية يقبل بها الحراك والمعارضة، يضيف المتحدّث.
اقرأ/ي أيضًا:
الحراك يمنح البريد المركزي تاريخًا جديدًا.. والسلطات تصادره من الشعب
بعد الجمعة الـ13.. هل يضم الحراك الشعبي قايد صالح لـ"العصابة"؟