29-أغسطس-2020

الوزير الأوّل عبد العزيز جراد (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

لا أحد توقّع أن يكون خليفة الوزير الأوّل بالنّيابة صبري بوقادوم يوم 28 كانون الثّاني/ ديسمبر 2019 هو عبد العزيز جرّاد (1954). ذلك أنّه كان متفرّغًا للتّدريس الجامعيّ وبعيدًا عن السّياسة والظّهور في المنابر الإعلاميّة. 

فجأةً بات الوزير الأول في الحكومة وفي الصّمت حاضرًا بقوّة في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك

حافظ الرّجل على هدوئه وزهده في التّصريح والأضواء؛ فكان منسجمًا مع أكبر ملفٍّ تكفّلت به حكومته الثّانية؛ بعد التّعديل الحكوميّ الذّي أجراه الرّئيس عبد المجيد تبّون يوم 23 حزيران/جوان الماضي، هو تنمية مناطق الظّل أي المناطق المهمّشة والفقيرة. 

اقرأ/ي أيضًا: جراد: الحكومة تتابع الوضع في ميلة ولم نسجّل أيّة خسائر بشرية

فجأةً بات الوزير الأول في الحكومة وفي الصّمت حاضرًا بقوّة في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، بعد تداول فيديو سأل فيه الصّحفيّين: "هل تعرفون معنى تسمية جبال "البيريني" في أوروبّا؟". ثمّ أجاب: "رآها الفاتحون المسلمون متوّجة بالثّلج؛ فشبّهوها بالبرانيس البيضاء. كلمة البيريني منسوبة لكلمة البرانيس". 

قام التّناول الفيسبوكيّ لفيديو عبد العزيز جرّاد على الرّوح السّاخرة والطريفة معًا؛ "فهو لم يكن مطالبًا بأن يصرّح بذلك، في مجمع صحفيّ ينتظر منه الإجابة على أسئلة تتعلّق بانشغالات ملحّة، مثل انعدام السّيولة في المؤسّسات الماليّة؛ وحيثيات الدّخول الاجتماعيّ". يقول الجامعيّ والنّاشط الثقافيّ عبد الرّحمن هيلول.

ويضيف محدّث "الترا جزائر": "حتّى لو كان السّياق يستدعي ما قال؛ فإنّ السّيّد جرّاد قاله بطريقة شعبويّة استعراضيّة ذكّرت الجزائريّين بخرجات مسؤولين لفظهم الحراك، مثل نظيره عبد المالك سلّال الذّي كان يقارب مسائل علميّة وتاريخيّة بنبرة أمّية؛ بما يميِّع العلم والتّاريخ معًا".

 ويختم عبد الرّحمن هيلول بالقول: "على المسؤول الحكوميّ الذّي جاء بعد مرحلة بوتفليقة أن يحسب حسابًا لنباهة الشّارع، ويحسن تسيير صورته، وإلّا تحوّل إلى مسخرة شعبيّة".

في سياق غفلة المسؤول الحكوميّ عن تسيير صورته؛ يقول أستاذ علم الاجتماع السّياسيّ في جامعة عنّابة عبد السّلام فيلالي، إنّ الظّاهرة مرتبطة بعدم القدرة على الخروج من الشّخصية الرّسميّة إلى الشّخصيّة العادية، "فالكلفة التّي تميّز بعض التّصريحات تجعلها لا تتواءم مع الموقف.

شخصية المسؤول

هذا العجز في أن يكون المسؤول "طبيعيًّا" مردّه الاصطناع في أداء المهمّة، في حين أنّها عمل كما كلّ الأعمال. بحيث يعجز المسؤول عن الانتقال من وضع إلى وضع، في حين أنّه يجب أن يكون دقيقًا في اختيار الخطاب المناسب للموقف الذّي هو بصدد التّعامل معه". ثمّ يستدرك صاحب كتاب "الجزائر: الدّولة والمجتمع": "لا ضير في أن تحضر روح النّكتة والمزاح في تصريحات المسؤولين الرّسميّين، لكن من دون الإضرار بالمهمّة وهيبتها".



تجلّيات السّخريّة

طفى على منشورات قطاع واسع من الفسابكة الجزائريّين سؤال "هل تعلم أصل كلمة كذا؟"، على غرار سؤال الوزير الأوّل. وراحوا يتسابقون في اقتراح صيغ طريفة هي أقرب إلى النّكت.

كتب المدوّن عماد حنّاشي أنّ المصادر التّاريخيّة تقول إنّه عند وصول الفاتحين الى أمريكا اللّاتينية، اتخذوا طبّاخًا من السّكّان الأصليّين للقارّة. "وذات يوم قام هذا الخادم بتحضير شواء غزالة فوق النّار مثبّتة على وتد يقوم الخادم بتدويره دون توقف. 

ولمّا تأخّر العشاء صرخ الفاتحون: أين الشّواء؟ 

فأجاب الخادم: الشّواء يدور. 

وظلّ يردّد : الشّواء يدور.

ولمّا كان الحرف ch ينطق عند السّكّان الأصليّين كافًا سمِّي ذلك البلد الإكوادور".

من جهته كتب النّاشط عبد الرّزّاق نايت صغير: "أصل تسمية سلسلة جبال الألب الأوروبيّة، جبال "القلب". وسمّاها أجدادنا الفاطميّون "الألب" تأثّرًا باللّهجة المصريّة، بعد هجرتهم إلى مصر".

ووجّه الباحث حميد زنّاز رسالة إلى السيّد جرّاد جاء فيها: "ليست فقط جبال البيريني أصلها البرنوس.  الإنترنت أيضًا أصلها عين أرنات"؛ يقصد إحدى مدن ولاية سطيف في الشّرق الجزائري.

في السّياق السّاخر والطّريف ذاته، سأل رسّام الكاريكاتير سعد بن خليف: "ما هو أصل كلمة هيمالايا؟". ثمّ يجيب: "هي امرأة جزائريّة قالت لزوجها "هيمالايا". ويُعقّب: "هذه هي الجزائر الجديدة؟".

الجزائريون ليسوا مستعدّين لتقبّل الميوعة التّي كانت تطبع تصريحات وتصرّفات المرحلة السابقة

يبدو أنّ الجزائريّين إن تقبّلوا بعض الوجوه والاتجاهات القادمة من المرحلة البوتفليقيّة التّي ثاروا عليها؛ فهم ليسوا مستعدّين لتقبّل الميوعة التّي كانت تطبع تصريحات وتصرّفات تلك المرحلة. فهل سيعي جرّاد ومحيطه الرّسالة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

جراد: نقص السيولة وانقطاع الماء وحرائق الغابات مؤامرة مدبّرة

جراد: لوبيات سياسية بالخارج تحرّض الجزائريين على الخروج دون كمامة