14-أغسطس-2024
(الصورة: عربي بوست)

(الصورة: عربي بوست)

فريق التحرير- الترا جزائر 

توفي اليوم الأربعاء، المؤرّخ الجزائري، لمنور مروش، المتخصّص في الحقبة العثمانية، في باريس عن عمر يناهز 92 سنة، بعد مسيرة بحثية ثرية وعطاءٍ أكاديميٍّ حافل.

لمّا اندلعت الثورة التحريرية سنة 1954 كان لمنور مروش خلالها طالبًا بجامعة القاهرة وقد قرّر الانضمام لها مبكّرًا

بعد العقد التاسع من عُمره، انتهت المسيرة لباحث كبير في الدراسات العثمانية، رغم أنّ الأضواء لم تسلّط عليهِ كثيرًا، كشخصٍ تارةً وكباحث منظّر لمنهجية خاصّة في أحد الحقول الإنسانية والاجتماعية، تارةً أخرى، فالتاريخ في نظره "تتبّع لظواهر والالتزام بالجمع بين العلاقات التي تربط بين أحداثها، وتسجيل للحظة من خلال الأرشيف وملاحقتها في الميدان".

يرحل بعض الكتاب والمثقفين، ولكن رحلة أخرى تستمر بعدهم، إذ يُمكن للنصوص الجيّدة أن تُسافر زمانيًا ومكانيًا، كما فعلت سيرة هذا المؤرّخ كأحد أبرز الأسماء الجزائرية التي تركت بصمتها في حقل التاريخ عمومًا وتاريخ الجزائر في المرحلة العثمانية، بصفة خاصّة من خلال إسهاماته المتينة والغزيرة والجادّة.

برج بوعريريج 

وُلد الدكتور لمنور مروش بقرية أولاد لعياضي ببلدية برج الغدير ولاية برج بوعريريج شرق الجزائر، إذ نشأ وسط أسرة محافظة حرِصت على تعليمه، فتدرّج بذلك في مدرسة التهذيب التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فحاز الشهادة الابتدائية سنة 1947، ثم تحصل لمنور مروش على إجازة من قبل الجمعية للدراسة في جامع الزيتونة بتونس، وقد نشرت جريدة البصائر حينها اسمه ضمن الطلبة المتفوّقين.

وبتونس درس لمنور مروش مدّة ثلاث سنوات (1947-1951م) حاز خلالها على شهادة التحصيل العلمي لينتقل لمصر سنة 1952، وهناك قرّر إكمال مشواره العلمي بجامعة القاهرة في شعبة التاريخ.

لمّا اندلعت الثورة التحريرية سنة 1954 كان لمنور مروش خلالها طالبًا بجامعة القاهرة وقد قرّر الانضمام لها مبكّرًا، وكانت بداية نضاله بانخراطه في جمعية الطلبة الجزائريين والتي ترأس فرعها بالقاهرة بين (1955-1957م)، ليجنّد بعدها في صفوف جيش التحرير ويحوّل إلى الجبهة الليبية.

 وفي سنة 1958 تم تحويل مروش لقطاع الإعلام عضوًا في هيئة تحرير جريدة المجاهد، حيث اشتغل بها لمدة أربع سنوات (1958-1962م) قبل أن يعيّن مديرًا لها مباشرة بعد الاستقلال.

في سنة 1965 توجّه إلى فرنسا من أجل إكمال مشواره العلمي الجامعي، حيث سجل بجامعة السربون ونال منها على شهادة الدكتوراه سنة 1976.

العودة..

قرّر المؤرخ العودة للجزائر وانضم لهيئة التدريس بجامعة الجزائر، والتي اشتغل بها لغاية تقاعده سنة 1992.

شارك الراحل في ملتقيات وطنية ودولية، وتزودت المكتبة الجزائرية والجامعية بعدد من مؤلفاته فضلًا عن عديد الدراسات الأكاديمية والمقالات التي أنجزها، لكنّ أشهر أعماله على الإطلاق موسوعته في تاريخ الجزائر العثمانية، خصص الجزء الأول منها لـ (العملة الأسعار والمداخيل)، تناول فيها تفاصيل دقيقة عن تطور العملة الجزائرية خلال العهد العثماني.

أمّا الجزء الثاني فخصّصه لـ (القرصنة الأساطير والواقع) تناول فيه ظاهرة القرصنة بين النشأة والتطور، مفندًا فيها إلصاق هذه الظاهرة برياس البحر، معتمدًا على وثائق أرشيفية مهمّة.

غائب عن الواجهة حاضر في "التاريخ"

رغم أنه كان غائبًا عن الواجهة في الجامعة، وحتى بعد تقاعده، ظلّ بعيدًا عن الأضواء، إلا أنه حظي باحترام العارفين بالمنتج الأكاديمي والصدقية البحثية، إذ علق باحثون متخصصون على دراساته، بالإجماع: "إنّها مجهود جبار من حيث المنهجية الأكاديمية والرصانة العلمية".

وأثناء دراسة نقدية لكتابه (العملة الأسعار والمداخيل) اشتغلت عليها الباحثة فاطمة الزهراء قشي، نشرتها سنة 2003 بمجلة "إنسانيات"، قالت في الخاتمة: "يعد هذا الكتاب الثّري موسوعة للقارئ الفضولي الذي يبحث عن معلومات تفصيلية حول مختلف المسائل وهو في ذات الوقت وهو درس منهجي في كل فقرة وفي كل فصل، ومجهود جبّار كرس به لمنور مروش مساره العلمي، لقد استعمل المصادر في تقاطع وموازاة وتكامل رغم اختلافها".

كما "ينم الكتاب عن إلمام موسوعي بكل ما نشر حول الجزائر العثمانية وقراءة دقيقة للمصادر الأرشيفية وظف فيها تحكّمه في اللغة العربية والفرنسية على حدٍّ سواء، كما ثمّن هذه المعرفة الحميمة بالموضوع بموقف منهجي ونقدي صارم".