22-ديسمبر-2022
هدم البنايات

صور لهدم البنايات دون ترخيص في الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

أثار قرار هدم البنايات غير المرخصة في الجزائر، جدلًا واسعًا وسط الجزائريين، حيث تناقلوا صورًا من عدّة مواقع في البلاد تُظهر جرافات تباشر عمليات هدم لبنايات شاهقة شيّدت حديثًا، وتباينت ردود الأفعال بين مرحب بالقرار، وبين منتقد لسياسة التغاضي عن كثيرين في مثل هذه الحالات واقتصار تطبيق القانون على مواطنين لا يملكون نفوذًا.

قرار هدم البنايات غير القانونية في السابق لم يشمل المساكن الفارهة التي شيدت دون رخصة من قبل شخصيات نافذة في فترة الأزمة الأمنية ودفعوا الحكومة إلى إقرار قانون تسوية الأراضي في سنة 2016

في هذا السياق،باشرت السلطات المحلية في عدة ولايات في الفترة الأخيرة عمليات هدم متواصلة لبنايات "فوضوية" شيدت دون رخصة بناء، وذلك بعد سنوات من التغاضي عن عمليات التعمير غير القانونية، والتي تتسبب أحيانًا في سقوط ضحايا، الأمر الذي جعل البعض يتساءل إن كانت هذه الحملة بداية "حرب حقيقية" ضد  فوضى العمران أم هي مجرد عملية تفتيش عابرة ستصبح أمرًا من الماضي بعد أيام.

ورغم  تشديد مختلف المسؤولين على مكافحة البناء غير القانوني بكل أشكاله، سواء كان على أراض عمومية أو خاصة، إلا أن ظاهرة البناء الفوضوي لا تزال مستمرة في عدة مناطق بالبلاد، ليبقى هذا المشكل هو الامتحان الذي تفشل السلطات المحلية في كل مرة عند اجتيازه.

حملة متواصلة

يوم الخميس الماضي، أعلنت المقاطعة الإدارية للرويبة شرق العاصمة الجزائر أنها قامت بالتنسيق مع المصالح الأمنية، بعملية هدم بنايات مشيدة على أرض فلاحية وبطريقة فوضوية دون رخصة قانونية بحي أولاد العربي على مستوى بلدية هراوة.

وتستنجد السلطات المحلية على الدوام بقوات الأمن أو الدرك لتهديم البنايات الفوضية، بالنظر لمقابلة قرار الهدم في أغلب الحالات بمقاومة واحتجاجات من أصحاب هذه البنايات الفوضوية، وبالخصوصحين تكون مبنية في منطقة معروفة بوجود منازل غير قانونية أخرى.

 ولا تعد حالة بلدية هراوة الوحيدة، فقبل أيام تداول الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لهدم بنايات على وشك الانتهاء من إنجازها ببلدية برج الكيفان.

وأوضحت وقتها المقاطعة الإدارية للدار البيضاء أنه "في إطار محاربة البنايات الفوضوية بدون رخصة بناء من طرف الترقيات العقارية الوهمية، و نظرًا لعدم احترام قواعد التعمير والبناء، و حفاظًا على سلامة السكان، تتم عملية هدم واسعة بإقليم بلدية برج الكيفان مست البنايات المنجزة بطريقة مخالفة لقواعد التعمير لترقيات عقارية وهمية تعمل بطريقة غير قانونية والعملية متواصلة إلى غاية إنهائها".

وبداية الشهر الجاري، عاشت ولاية ميلة شرقي الجزائر على وقع احتجاجات  بحي الخربة، بعد أن أصر الوالي على تنفيذ قرار هدم متوسطة و ابتدائية، وعدة بنايات المصنفة صنفتها الفرق التقنية ضمن الخانة الحمراء والآيلة للسقوط، بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة في أغسطس/آب 2020، وأدى إلى تسرب كميات من المياه إلى طبقات التربة التحتية، وتسببت في انزلاقها.

وكانت هذه العملية تتم في السنوات الماضية في فترات معينة، فعلى سبيل المثال، فقد تم في 26 تشرين الثاني/نوفمبر من 2020  ببلدية بوسفر بوهران هدم 30 بناء فوضويًا تم تشييده بشاطئ كوراليز، إلا أن العلمية شهدت في الفترة الأخيرة، وبالخصوص بالعاصمة استمرارًا في محاربة البناء دون رخصة، إذ نفذت عمليات أخرى على سبيل المثال ببلديتي بئر خادم والدار البيضاء.

تشريعات  جديدة

تتزامن الحملة التي تقوم بها السلطات المحلية لمحاربة البناء دون رخصة، وبالخصوص ذلك الذي يقام على أراض تابعة للدولة مع تحضير الحكومة مشروع قانون جديد للتقليص من هذه الظاهرة.

وأمر الرئيس تبون في اجتماع مجلس الوزراء الأخير المنعقد بتاريخ 11 كانون الأول ديسمبر الجاري بإثراء مشروع قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، وذلك بأن يهدف إلى تشديد الحماية على أراضي الدولة والأراضي المسترجعة في البلديات، لاسيما الأوعية العقارية التي تُسترجع من عمليات الترحيل المختلفة.

وأسدى الرئيس تبون تعليمات بـ"مراجعة قانون التعمير، وفق تخطيط عمراني حقيقي، للقضاء على مظاهر الفوضى جذريًا، حتى تكون كل عمليات البناء والتشييد مستقبلًا، خاضعة لتأطير قانوني ومضبوطة بصرامة، بالأخص في المدن".

وشدد تبون على أن "يتضمن مشروع مراجعة القانون جانبا ردعيًا، يسلط أقصى العقوبات على حالات التواطؤ ومن يثبت تقاعسه أو تساهله من المسؤولين على كل المستويات، في استمرار تشويه البناء والتعمير، مع التمييز بين البناءات الخاضعة للبرامج الخاصة، بحالات إعادة الإسكان وحالات البناءات التي تشملها ضرورة التسوية، وفق قانون التعمير."

وكان مجلس الحكومة قد درس شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مشروع قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها الذي يقر عقوبات تصل إلى 20 سنة سجنًا وفرض غرامة بمبلغ مليوني دينار على كل تعد على أراضي الدولة أو أفعال تؤدي إلى تدهور قيمتها أو تغيير وضعها أو طابعها.

ويشير مشروع القانون الجديد إلى تدابير تسمح بمكافحة الأبنية غير القانونية المنجزة على أراضي الدولة، بشكل فعّال، وتعزيز مسؤولية مسيريها وضمان الاستغلال الأمثل لأراضي الدولة، كما يحظر أي مساس أو استيلاء على الأراضي المملوكة للدولة، سواء كان لغرض البناء عليها أو استغلالها في أغراض أخرى.

وبسبب الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، تم الاستيلاء على العديد من الأراضي العمومية، واستطاعت الحكومة بعد ذلك استرجاع بعضها بترحيل قاطني البيوت القصديرية المقامة على أراضي الدولة، فقد رفع الرئيس تبون لما كان وزيرًا للسكن شعار "عاصمة دون قصدير"، واستطاعت الحكومة من خلال هذا البرنامج إزاحة العديد من الأحياء الفوضوية بالعاصمة والمدن الكبرى، إلا أن القرار لم يشمل المساكن الفارهة التي شيدت دون رخصة من قبل شخصيات نافذة ومسؤولين استغلوا الوضع الأمني لنهب البلاد، واستطاعوا بعدها دفع الحكومة إلى إقرار قانون تسوية الأراضي في 2016.

أكثر من القانون

بالنسبة للعديد من الخبراء المهتمين بقطاع السكن، فإن فوضى العمران والبناء دون سكن لا تعود إلى ضعف القوانين الموجودة، إنما إلى مدى جدية السلطات في محاربة البناء دون رخصة.

وحسب تصريحات رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين عبد الحميد بوداود، فإن الجزائر تحصي 1.2 مليون بناية فوضوية شيدت من دون رخصة بناء، مضيفًا أن حتى بعض البنايات التي شيدت برخص تم التلاعب فيها، بالنظر لتقاعس الجهات المعنية بالمراقبة في احترام القوانين، لذلك قد تجد هيئات عمومية مشيدة في مناطق غير مسموح البناء فيها.

وسبق لرئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم أن تحدث في أكثر من مرة،  منها في تصريح لـ "الترا جزائر" عن بناء أحياء ومدن في مناطق زلزالية أو معرضة للفيضانات، مثلما هو الحال في العاصمة الجزائر، إذ بنيت مدن حيدرة وبئر مراد رايس في مجرى أودية، وهو ما يجعلها معرضة للخطر في أي وقت يمكن أن تعود فيه هذه الوديان للظهور، لذلك يربط شلغوم القضاء على ظاهرة البناء دون رخصة واحترام معايير البناء بجدية السلطات في تطبيق القوانين الحالية أو المنتظر صدورها.

وينصف الواقع رأي البروفيسور شلغوم وغيره من الخبراء، إذ تتضمن التشريعات الحالية نصوصًا تمنع وتعاقب كل من لا يحترم قانون البناء التي حددها المشرع، حيث جاء في المادة 19 من القانون رقم 04/20  أنه "يمنع البناء منعًا باتًا بسبب الخطر الكبير في المناطق ذات الصدع الزلزالي الذي يعتبر نشيطًا، والأراضي ذات الخطر الجيولوجي والأراضي المعرضة للفيضان وجاري الأودية والمناطق الواقعة أسفل السدود، ومساحات حماية المناطق الصناعية والوحدات الصناعية ذات الخطورة أو كل منشأة صناعية أو منشأة للطاقة تنطوي على خطر كبير، وأراضي امتداد قنوات المحروقات أو الماء أو جلب الطاقة التي قد ينجز عن إتلافها أو قطعها خطر كبير".

الجزائر تحصي 1.2 مليون بناية فوضوية شيدت من دون رخصة بناء

حملة محاربة البنايات الفوضوية التي باشرتها السلطات بعدة ولايات وجدت تفاعلًا على مواقع التواصل الاجتماعي واستحسانًا لدى كثيرين، إلا أن ذلك يبقى مرتبطًا بجدية هذه الحملة ومدى قدرة المسؤولين مهما اختلفت درجاتهم في تطبيقها على الجميع، بهدف عدم تكرار قضايا الفساد التي وقعت في العقدين الماضيين وجرت وزراء ومسؤولين أمنين وولاة إلى المحاكم بتهم البناء دون رخصة والاستيلاء على العقار العمومي.