رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أبرز الانتهاكات الحقوقية التي شهدتها الجزائر سنة 2019، في تقرير مطوّل لها، تناول بالتفصيل الأشخاص الذين تمت إدانتهم والمواد القانونية التي اعتمدت السلطات عليها.
أبرز التقرير، أن الجزائر شهدت في 2019 أكبر وأطول مظاهرات مناوئة للحكومة منذ استقلالها في 1962
وأبرز التقرير، أن الجزائر شهدت في 2019 أكبر وأطول مظاهرات مناوئة للحكومة منذ استقلالها في 1962، حيث دأب الجزائريون منذ 22 شبّاط/فيفري الماضي، على النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن.
اقرأ/ي أيضًا: الرئاسيات في الجزائر.. حملة انتخابية أم حملة اعتقالات؟
وذكر التقرير أنّ السلطات، ردّا على الاحتجاجات المستمرّة، عمدت إلى تفريق المظاهرات السلمية، واعتقال المتظاهرين تعسفًا، ومنع الاجتماعات التي تنظّمها المجموعات السياسية والحقوقية، وحبس المنتقدين.
وفيما يلي أبرز ملاحظات المنظمة الحقوقية غير الحكومية، التي غالبًا ما تلقى تقاريرها رفضًا من السلطات الجزائرية:
حرية التجمّع
في الوقت الذي انتظمت فيه احتجاجات أسبوعية كبيرة مناوئة للحكومة، انتشرت قوّات الشرطة، بشكلٍ مكثّفٍ في شوارع العاصمة وساحاتها وعند نقاط التفتيش، مما حدّ فعليًا من أعداد الناس الذين تمكّنوا من الالتحاق بالمسيرات، وسيطرت بشكلٍ كبيرٍ على كل الذين نجحوا في ذلك. اعتقلت السلطات مئات المتظاهرين السلميين، ثم أفرجت عن أغلبهم دون تهمٍ بعد ساعات قليلة، لكنها في الوقت نفسه حاكمت وحبست العشرات.
بحسب "اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين"، اعتقلت السلطات ووجّهت تهمًا إلى 86 شخصا بين حزيران/جوان وتشرين الأوّل/أكتوبر. واجهوا جميعا تهمة "المساس بسلامة وحدة الوطن"، بما في ذلك بسبب رفع الراية التي ترمز إلى سكان القبائل. بموجب المادة 79 من قانون العقوبات، يُمكن أن تؤدي هذه التهمة إلى الحبس عشر سنوات.
حتّى تشرين الأوّل/أكتوبر، تمّت محاكمة وتبرئة ستة منهم، وأٌفرِج عن أحدهم في انتظار المحاكمة، بينما مازال 79 آخرون في السجن بانتظار المحاكمة.
حرية التعبير
في 7 شبّاط/فيفري، حُكم على الناشط الحقوقي حاج غرمول (37 عامًا) بالحبس عشرة أشهر بتهمة "إهانة مؤسّسات الدولة"، بعد أن نشر صورة لنفسه وهو يحمل لافتة قرب مدينة معسكر شمال غرب البلاد، تعبيرًا عن معارضته للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة. قالت السلطات المحليّة إنه كان مخمورًا لما اعتُقل، وأهان قوّات الشرطة.
في 9 تمّوز/جويلية، حكمت محكمة ابتدائية بالقرب من الجزائر، على موفق سردوك (40 عامًا)، وهو مشجّع للمنتخب الجزائري لكرة القدم، بالحبس لمدّة عام بتهمة "عرض أوراق على أنظار الجمهور، من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية". قبل محاكمته وإصدار العقوبة في حقّه، كان قد رُحّل من مصر لوقوفه بالقرب من ملعب كرة قدم في القاهرة كان يلعب فيه الفريق الجزائري، حاملًا لافتة تطالب برحيل المسؤولين في الجزائر.
في 30 حزيران/جوان، اعتقلت الشرطة لخضر بورقعة (87 عامًا)، وهو محارب قديم بارز في حرب التحرير الجزائرية، من منزله بالجزائر العاصمة، بعد أربعة أيّام من قوله في اجتماع عام، بُث لاحقًا على يوتيوب، إنّ الجيش الجزائري عبارة عن مجموعة من "الميليشيات". فتح قاضي التحقيق تحقيقًا ضدّه بتهمة "إضعاف معنويات الجيش"، وهي تهمة قد تؤدّي إلى الحبس لمدّة تصل إلى عشر سنوات.
في 11 أيلول/سبتمبر، اعتقلت السلطات كريم طابو، المتحدّث باسم "حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي" المعارض، أمام منزله في الدويرة، ووجّهت له تهمة "المشاركة في إضعاف معنويات الجيش"، بعد أن وجّه انتقادات علنية لقايد صالح. أفرجت عنه السلطات في 25 أيلول/سبتمبر، ثم أعادت اعتقاله صباح اليوم الموالي. في الـ 2 تشرين الأوّل/أكتوبر، فتح قاضي تحقيق في العاصمة تحقيقًا ضد طابو بتهم "التحريض على العنف" و"المساس بسلامة وحدة الوطن عبر نشر بيانات وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي". إذا ما أدين بهذه التهم، سيواجه الحبس والحرمان من حقوقه المدنية، بما في ذلك حقّ الترشّح.
في 25 أيلول/سبتمبر، حكمت محكمة عسكرية في البليدة على لويزة حنون، زعيمة "حزب العمال"، بالحبس 15 سنة بتهمة "المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضدّ سلطة الدولة". حوكمت إلى جانب سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الأسبق، والفريق محمد مدين، الرئيس السابق لأقوى جهاز استخبارات جزائري. تحظر المعايير الدولية لحقوق الإنسان محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
وجهت السلطات لصلاح دبوز، الرئيس الأسبق لـ "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" تهمة "إهانة القضاء"، بسبب تعليقات نشرها على فيسبوك انتقد فيها محاكمة أعضاء من أقليّة الميزابيين العرقية. أُطلق سراح دبوز مؤقتًا يوم 7 نيسان/أفريل، لكنّه أُلزم بتسجيل حضوره ثلاث مرّات في الأسبوع لدى السلطات في غرداية، التي تبعد 600 كيلومتر عن منزله في الجزائر العاصمة. ألغت السلطات هذا الشرط يوم 24 تمّوز/جويلية، وهو ينتظر المحاكمة حتّى كتابة هذا الملخّص. في 9 أيلول/سبتمبر، هاجمه رجل مجهول بسكين في غرداية، فأصابه بجروح في كلتا ذراعيه.
في 28 أيّار/ماي، توفّي كمال الدين فخار، ناشط بارز مدافع عن حقوق أقلية الميزابيين في الجزائر، بعد إضراب مطوّل عن الطعام في السجن. كانت السلطات قد اعتقلته يوم 31 آذار/مارس ووضعته في الحبس الاحتياطي، بتهمة "تقويض" مؤسّسات الدولة. قبل ذلك، كان فخّار قد أنهى عقوبته بتهمٍ شملت العنف ضدّ مسؤولي الدولة، والتحريض على العنف والكراهية والتمييز، وتوزيع مواد من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، والتشهير بمؤسّسات الدولة، على إثر صدامات عرقية بين الميزابيين والعرب في غرداية بين 2013 و2015.
حرية الدين
يعاقب قانون العقوبات الجزائري بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات و/أو بغرامة كل من "أساء إلى الرسول (صلى االله عليه وسلم)، أو بقية الأنبياء أو استهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة، أو بأيّة شعيرة من شعائر الإسلام، عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية وسيلة أخرى". استخدمت السلطات هذه المادّة لفرض عقوبات على أعضاء الطائفة الأحمدية، التي تمارس شعائر إسلامية مختلفة عن الشعائر المتعارف عليها رسميًا.
صدر عام 2006، مرسومٌ يميّز ضدّ غير المسلمين من خلال إخضاعهم لقيود لا تنطبق على المسلمين. لا يمكن تنظيم عبادة جماعية لغير المسلمين، إلا من طرف منظمات دينية مرخّصة من الحكومة. قالت الكنيسة البروتستانتية الجزائرية، إن السلطات أغلقت حتى السنة المنتهية في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، تسعة كنائس بسبب عدم حصولها على تراخيص، أو عدم جاهزيتها لاستقبال الجمهور.
المهاجرون
منذ كانون الأوّل/ ديسمبر 2016 على الأقل، اعتقلت الجزائر وطردت آلاف المهاجرين من جنوب الصحراء بشكلٍ جماعي، منهم نساء وأطفال. ذكرت تقارير أن السلطات الجزائرية طردت خمسة آلاف شخص تقريبًا، في النصف الأوّل من 2019، أغلبهم من نيجيريا.
حقوق النساء والتوجّه الجنسي
رغم أن القانون الجزائري لسنة 2015، جرّم بعض أشكال العنف الأسري، إلا أنه تضمّن ثغرات تسمح بإسقاط الإدانات أو تخفيف العقوبات، في حال سامحت الضحيّة الجاني. كما أن القانون لم يحدّد أيّة إجراءات أخرى لمنع الاعتداءات وحماية الناجيات. تسمح المادة 326 من قانون العقوبات، لكل من يختطف قاصرًا بالإفلات من المحاكمة إذا تزوّج من ضحيّته.
يسمح قانون الأسرة الجزائري للرجال بالطلاق من جهة واحدة دون تفسير، بينما يفرض على النساء تقديم طلب طلاق إلى المحاكم لأسباب محدّدة.
بموجب المادّة 338 من قانون العقوبات، تُعاقب العلاقات الجنسية المثلية بالحبس لفترة تصل إلى عامين.
إجراءات ضدّ منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية
في 19 آب/أوت، رحلت السلطات أحمد بن شمسي، المسؤول في "هيومن رايتس ووتش". صادرت السلطات جوازي سفر بن شمسي لمدّة عشرة أيام بعد أن اعتقلته يوم 9 آب/أوت قرب مظاهرة في الجزائر، واحتجزته عشر ساعات. صادرت السلطات هاتفه الخلوي وحاسوبه المحمول، وأعادتهما له عند ترحيله. كان بن شمسي في زيارة للجزائر لرصد أوضاع حقوق الإنسان.
طردت السلطات العديد من الصحافيين الدوليين الذين كانوا يغطّون الاحتجاجات. في 31 آذار/مارس، طرد طارق عمارة، صحافي في "رويترز" يحمل الجنسية التونسية، بعد أن احتُجز بسبب تغطيته لاحتجاجات 29 آذار/مارس ضدّ بوتفليقة. كما أُجبر آيمريك فانسينو، مدير مكتب "وكالة فرانس برس"، على مغادرة البلاد يوم 9 نيسان/أفريل، بعد أن رفضت السلطات تجديد أوراق اعتماده.
الأطراف الدولية الرئيسية
في 2 تشرين الأوّل/أكتوبر، رحّلت السلطات الجزائرية، البرلمانية الفرنسية ماتيلد بانو، وثلاثة مواطنين فرنسيين آخرين بعد أن قدموا إلى بجاية للتعبير عن مساندتهم للمتظاهرين. أدانت السلطات "التدخّل الأجنبي والتعدّي على السيادة الجزائرية".
توفّي كمال الدين فخار، ناشط بارز مدافع عن حقوق أقلية الميزابيين في الجزائر، بعد إضراب مطوّل عن الطعام في السجن
في 13 أيلول/سبتمبر، أدانت ماري أرينا، رئيسة "اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي" "الاعتقالات التعسفية"، وطالبت بالإفراج عن "السجناء السياسيين" في الجزائر. وفي 30 أيلول/سبتمبر، أصدر البرلمان الأوروبي بيانًا سلط فيه الضوء على "أهميّة ضمان حرية التعبير والتجمع" للجزائريين، دون أن يدين موجة الاعتقالات وقمع المعارضين بصفة عامّة.
اقرأ/ي أيضًا:
إيداع كريم طابو الحبس المؤقّت.. هل سيكون مصيره مثل بورقعة؟
اعتقال سمير بلعربي.. حملة التوقيفات ما زالت مستمرّة