29-ديسمبر-2020

الحراك الشعبي معلق بسبب الأزمة الوبائية في الجزائر (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

 

لم تكن 2020 سنة سياسية بامتياز، وإن كان الرئيس عبد المجيد تبون والسلطة السياسية الجديدة تريدها كذلك، لكن الظّروف الطارئة ببروز معطى الأزمة الوبائية وانتشار فيروس كورونا، حَوَّل السنة والمجهود السياسي من اتّجاهه إلى منعطف آخر، لا يقلّ أهميّة عن الورشات السياسية التي وعد بها الرئيس قبل انتخابه نهاية العام 2019، وهو معالجة الأزمة الصحيّة المستجدة وإحكام السيطرة على الوضع، لكن رغم ذلك لم يخلُ العام من محطّات سياسية هامّة، حقّقت فيها السّلطة إنجازها الكبير بتمرير الدستور الجديد، الذي أثار الكثير من القلاقل والجدل، وحقّقت فيها مكوّنات الحراك الشعبي في المقابل، أكبر مقاطعة شعبية للاستفتاء حول الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

كانت سنة 2020 اختبارًا حقيقيًا للسلطتين السياسية والقضائية على حدٍّ سواء

رئيس جديد

مع بداية سنة 2020 كان الرئيس تبّون قد استلم السّلطة، وبدأ يطرح خطّته لتنفيذ أفكاره المتعلقة بالإصلاح السياسي  المنشود تحت مسمّى "بناء الجزائر الجديدة"، إذ أعلن الرئيس في الخامس كانون الثاني/جانفي، أوّل حكومة له بقيادة الأستاذ الجامعي عبد العزيز جرّاد، والتي بدأت تنفيذ خطة انعاش اقتصادي واجتماعي تركّز على الاقتصاديات المحليّة والزراعة في الجنوب وتحسين أوضاع سكان الريف، لكن الأزمة الوبائية التي برزت في شهر آذار/مارس الماضي، حوّلت ورشات المعركة إلى مجالات أخرى كقطاع الصحّة، والانتباه إلى دور المجتمع المدني في التحسيس لخطورة الوضع الوبائي.

اقرأ/ي أيضًا: 2020.. عام المحاكمات وملفّات الفساد

ليس من الخافي على أحد، أن انتشار كورونا منع استمرار المسيرات الشعبية التي وصلت إلى أسبوعها الـ 54، منذ انطلاقها في الـ 22 شباط/ فيفري 2019، هذا المعطى المفاجئ الذي وصفه متابعون للشّأن السياسي في الجزائر، بالفاعل السلبي الذي لعِب دور المنقِذ للسلطة السياسية التي كانت تُواجه زخم الحشود الرافضة لها في الشارع، رغم إشارات الطمأنة التي أطلقها الرئيس تبون لجموع "الحراك المبارك" على حدّ تعبيره، في أول مؤتمر صحافي عقب نتائج الرئاسيات.

هنا، يرى الناشط السياسي المحامي فاروق زتيلي، أن هذا العامل أي كورونا، مكّن السلطة من التقاط أنفاسها على حد تعبيره لـ "الترا جزائر"، و"ترتيب أوراقها وتوجيه الرأي العام نحو الالتفاف الشّعبي والسياسي لمعالجة أزمة مستجدّة".

حراك مؤجّل

وبعيدًا عن نظرية "ربّ ضارة نافعة"، فتح المستجد الوبائي أعين الجميع على معطيات كانت خافية، أو كانت مغيّبة من المشهد السياسي، كما وصف الأستاذ زتيلي، إذ ظلت الساحة لسنوات تحكمها سياسة ردّ الفعل، أي أن "العامل السياسي كان الأهم في أجندة السلطة الحاكمة لعقدين من الزمن، مستبعدة من أولوياتها واهتماماتها: "عمليات تأهيل وتمتين المعرفة والعلوم وتوزيع الأغلفة المالية للاكتشافات وتدعيم البِنى الطبية".

وبذلك، فاجأت الأزمة الصحية الكادر الحكومي والجهاز الطبّي بسبب الحِمل الثقيل الذي ورثته "الجزائر الجديدة" عن المنظومة السياسية السابقة، بنقائص كبرى، تبدّدت تفاصيلها واتضحت معالمها مع توسّع الأزمة خلال الشهور الأخيرة.

بناءً على هذه المعطيات الجديدة، ما يمكن ملاحظته، أنه تأجيل المسيرات الشعبية، خفّف العبء على السلطة التي أقدمت على عدة خطوات للتنفيس على الساحة السياسية، ومضيها نحو تنفيذ أحد الوعود وهو البدء في ورشة تعديلات مواد الدستور.

وفي هذا الاتّجاه، يرى الباحث في العلوم السياسية وليد بن عرفة من جامعة باتنة شرقي البلاد، أن المعطيات الصحية غطّت على الحراك الشعبي بعد اضطرار مكوّناته إلى تعليق التظاهر بسبب مخلفات الأزمة الوبائية و مخاطرها، موضّحًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أنه في تلك الفترة نفسها بدأت السلطة في تنفيذ إجراءات تهدئة عبر الإفراج عن المعتقلين السياسيين، شملت المناضل الثّوري لخضر بورقعة، والنّاشطين كريم طابو وسمير بلعربي وفوضيل بومالة، وكذا أكثر من 70 ناشطًا في الثلاثي الأول من السنة الجارية أي ما بين شهري كانون الثاني/جانفي وآذار/مارس 2020، قبل أن تعود السلطة مجددًا إلى سياسة الملاحقات، بسبب تمسّك الناشطين بالتظاهر من جهة، ورفض مقترح مسودّة الدستور من جهة ثانية.

جدل الدستور

أبرز حدث سياسي في الجزائر في عام 2020، كان تعديل الدستور، بكلّ ما رافق هذا المسار من جدلٍ كبير وطاغٍ منذ تشكيل لجنة صياغة الدستور بقيادة الخبير القانوني أحمد لعرابة، إذ أثار نقاش سياسي لافتٍ حول تشكيلة اللجنة وطبيعتها، وعدم تمثيلية الأسر السياسية فيها، قبل أن ينتقل النقاش والجدل لاحقًا ويتمركز حول مضمون المسودّة، التي حظيت برفضٍ مشترك بين كل القوى السياسية، ما دفع اللجنة إلى طلب مقترحات من الأحزاب السياسية والمنظمات والشخصيات الوطنية ومجموعات التفكير، قبل أن تنتهي إلى صياغة النصّ الأخير الذي طرح لاحقًا على الاستفتاء .

وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس تبون يستعدّ لطرح الدّستور الجديد على الاستفتاء الشعبي، أُصيب بوعكة صحيّة استدعت نقله الى الخارج، وبالتحديد إلى ألمانيا، وبذلك أضحى مرض الرئيس مع مرور الوقت إلى مأزقٍ سياسيٍ كبير ضَيَّق الخناق أكثر على السلطة والحكومة، خاصّة وأنه تزامن مع حالة ارتباك لافت في الآداء الحكومي والقطاعات الوزارية.

وشكّل الاستفتاء على الدستور محطّة هامة بالنسبة للسّلطة التي راهنت على رموز مختلفة، لإنجاحه والحصول على دستور بشرعية شعبية موسّعة، حدّدت تاريخ الأول نوفمبر /تشرين الثاني، كتاريخ يحمل رمزية كبيرة بالنسبة للجزائريين، وعشية افتتاح مسجد الجزائر الأعظم، لكن نتائج الاستفتاء كانت مخيّبة، إذ سجّلت الجزائر أدنى نسبة تصويت في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، ب 23.7 في المائة ووسط مقاطعة شعبية كبيرة وغير مسبوقة، في وقت حظيت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات باستحسان الطبقة السياسية بسبب شفافية إعلان النتائج رغم ضعف المشاركة.

كما شهدت السنة 2020 أكثر المحاكمات إثارة، لعدد من رموز الفاسد في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، من بينهم 24 وزيرًا، أبرزهم رئيسا الحكومة سابقًا عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، ووزير العدل الطيب لوح وعدد من السياسيين مثل الأمين العام السابق للحزب الحاكم "جبهة التحرير الوطني" جمال ولد عباس ورجال المال والأعمال وأدين أغلبهم بأحكام بالسجن.

بين الشّكل والمضمون

بشكلٍ عام، كانت سنة 2020 اختبارًا حقيقيًا للسلطتين السياسية والقضائية على حدٍّ سواء، إذ أبديا سعيهما نحو تحقيق حرّية التعبير ومنح مساحات وفضاءات للحريات، سواء السياسية أو الإعلامية من الناحية الشكلية، غير أنها، مضمونًا، كانتا بعيدتين عن الخطاب السياسي التي سوقته والطريق الذي سلكته في تقويض الحرّيات والمساس بحرية التعبير محاكمات معتقلي الرأي.

بعد أشهر من الملاحقات القضائية ضدّ نشطاء الحراك الشعبي وإدانة المدونين وسياسيين من قطاع المعارضة والصحافيين، وفي خضم تقويض الحرّيات، شهدت السنة تحركات سياسية، من أحزاب المعارضة، في شكل تكتلات منها " قوى البديل" التي ضمت أحزاب اليسار وشخصيات مستقلة، أهمّها: "حزب العمال"، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"جبهة القوى الاشتراكية"، وهي قوى تناضل من أجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين والمحبوسين بسبب حرّية التعبير، وتوقيف كل صنوف القمع وتكميم الأفواه.

وأمام الجمود السياسي، منذ الاستفتاء على الدستور، بادرت بعض الأحزاب والشخصيات إلى الدعوة إلى حوار سياسي، ينبذ الخلافات ويقبل بالرأي والرأي الآخر يضمّ كل القوى الوطنية، حيث يرى البعض أن الوضع الصحّي والاجتماعي الخطير الذي تمرّ به البلاد، موازاة مع مجريات الساحة الخارجية، معطيات تضع اللّحمة الداخلية تقويتها أولى الأولويات، وتفرِض تغليب المصلحة العليا وإزاحة أنانية الشدّ والجذب بين مختلف مكوّنات الفواعل السياسية.

كل المتغيرات تجعل من الصعب مواجهة الجبهة الاجتماعية، فغليان سنة 2019، وإفرازاته على مستوى هرم الحكم في الجزائر، يمكنه أن يتضاعف مع الصّعوبات التي تواجهها الجزائر والعالم أجمع بسبب إفرازات أزمة كورونا وتداعياتها.

مناطق الظلّ

ظلّت الأوضاع الاجتماعية في الجزائر تشهد تدهورًا ملحوظًا، حيث تزايدت أرقام الجريمة وغياب الأمن في الأحياء السكنية، وهو ألهم الرئيس تبون على تشديد سنّ القوانين والعقوبات على مقترفي الاختطاف والاغتصاب والقتل العمدي، فضلًا عن ملفّ مناطق الظلّ، الذي أبدت السلطة الحاكمة حياله أهمية قصوى، بداية بعملية إحصاء هذه المناطق التي تجاوز تعدادها الـ 15 ألف منطقة مهمشة من حيث البنى التحتية (الطرقات، الغاز والكهرباء والماء الصالح للشرب)، كما بلغ تعداد سكانها ثمانية ملايين جزائري يعيشون على هامش التّنمية، رغم الأغلفة المالية التي استهلكتها الحكومات السابقة في تنفيذ عشرات المشاريع وبملايير الدولارات.

يضاف إلى ذلك، انقطاع أجور آلاف  المواطنين في عزّ الأزمة الوبائية وتراكمات هذا الوضع من شأنه أن يثقل كاهل الحكومة الحالية، أهمها ملفّ السّكن الذي مازال يشكّل معضلة لم تجد الحلّ في العديد من مناطق الجزائر، تُضاف إليه ملفات التشغيل وتعويض الآلاف ممن فقدوا مصدر رزقهم بسبب الجائحة.  

كما أن سنة 2020، كانت من أطول السنوات "عطلة" بالنسبة لقطاع التعليم بسبب غلق المدارس وتأجيل الدخول المدرسي والجامعي على التّوالي، مما يؤكّد أنه سيتم ترحيل الدروس وتكديسها وتأجيل بعض الحصص لأسابيع أخرى أو تقليصها، في أزمة أخرى تنتظر الحلّ بأخفّ الأضرار على قطاعين (التربية بثلاثة أطوار والتعليم العالي)، حيث يتجاوز عدد المنتسِبين لهما ثُلث المجتمع الجزائري.

 التواصل الرسمي

كما شهدت هذه السّنة بروز تحوّل كبير في الاتّصال الرّئاسي، حيث أجرى الرئيس حوارات شهرية مع الصحافة الوطنية وبدأت في استعمال موقع التواصل الاجتماعي تويتر، كما حدث في اخر مرة في بث فيديو يبرز تعافيه من وعكته الصحية

أما على الصعيد الدبلوماسي شهدت الجزائر ثلاث زيارات لرؤساء دول فقط، هم أمير دولة قطر تميم بن حمد والرئيس التركي طيب رجب أروغان والرئيس التونسي قيس سعيد، وكباقي دول العالم، لم تسمح الأزمة الوبائية بأيّة تحركات دبلوماسية، كما لم تسمح للجزائر بإعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية بشكل يساعد على تسويق صورة وسياسة السّلطة الجديدة في البلاد والرئيس عبد المجيد تبون، فيما حافظت الجزائر على موقفها الرافض للتطبيع والمؤيّد دومًا للقضية الفلسطينية وحقّ الشعب الفلسطيني في أرضه.

وترافق هذا الموقف مع التوترات التي شهدتها منطقة الصحراء الغربية بعد خرق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليزاريو، حيث دعت الجزائر طرفي النزاع العودة إلى الوضع السابق والالتزام بالقرارات الأممية.

 فقدت الجزائر خلال هذه السنة عدّة شخصيات وطنية أبرزهم المجاهد لخضر بورقعة 

في النهاية، فقدت الجزائر خلال هذه السنة عدّة شخصيات وطنية، أبرزهم المجاهد لخضر بورقعة في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والمجاهد والسفير عبد القادر حجار، فضلًا عن الأستاذ عضو اللجنة الوزارية للفتوى عيسى ميقاري.