26-يونيو-2024
جوشوا هاريس

جوشوا هاريس، السفير الجديد للولايات المتحدة لدى الجزائر (الصورة: إكس)

كانت جلسة استماع نُظّمت في مجلس الشيوخ الأميركي خلال شهر حزيران/جوان الجاري، بشأن تعيين سفير جديد لواشنطن لدى الجزائر، لحظة تعاطي إيجابي نادرة مع الجزائر عكس محطات سابقة تميزت بالتجاهل أو التوتر أحيانا.

أستاذ العلوم السياسية علي ربيج لـ"الترا جزائر": مرور العلاقات بين الجزائر وأميركا بتقلبات وحالات نفور، مؤخرًا، سببها وقوفهما على طرفي النقيض من مسألة وقف العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة

واستهلت الجلسة بتدخل، كريستوفر مورفي، رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأدنى وجنوب آسيا وآسيا الوسطى ومكافحة الإرهاب في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي تحدث عن أهمية الجزائر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.

وقال مورفي خلال جلسة استماع  للمرشح لتولي منصب سفير الولايات المتحدة الأميركية بالجزائر، جوشوا هاريس، الأسبوع الماضي، إنّ "الجزائر تعني لنا الكثير، هي بلد حيوي لحلفائنا الأوربيين. فهي تورد لهم حاجياتهم الطاقوية."

واعتبر هنا هاريس بأنّ "وجود جزائر قوية ومستقرة يخدم هؤلاء الحلفاء الأوربيين". ليكمل: "بلادي تعمل على مساعدة الجزائر في التخلي عن الاعتماد الكلي على المحروقات كمحرك لاقتصادها ".   

ولفت، وفق ما جاء في تسجيل فيديو للجلسة التي تم فيها الاستماع إلى سفراء واشنطن لدى العراق وليبيا والسنغال إلى "أهمية رصد تطور العلاقات بين القوة العسكرية الثانية في القارة الأفريقية مع كل من روسيا والصين والحاجة لمراقبتها."

وخلال جلسة الاستماع ذاتها التي هيمن عليها الوضع في كل من العراق وليبيا بما في ذلك تأمين حياة الدبلوماسيين الأميركيين، أشار عضو اللجنة الخارجية السيناتور الجمهوري، تود يونغ، إلى أن "كلا من الجزائر وليبيا يعيشان مفارقات اقتصادية واجتماعية واستمرار التهديدات الإرهابية ومشاكل الهجرة."

ليست هي المرة الأولى التي يجري فيها تناول ملف العلاقات الجزائرية مع الروس والصينيين على مستوى الكونغرس الأميركي، ففي خريف 2022 في عز الحرب الأوكرانية رفع أعضاء في الكونغرس (غالبيتهم جمهوريين) طلبًا رسميًا لكتابة الدولة لإدراجها على لائحة العقوبات بموجب قانون "خصوم أميركا" بذريعة تمويل آلية الحروب الروسية، على خلفية عقود الأسلحة التي وقعتها مع موسكو.

أولويات

وفي عرضه لبيانه أمام لجنة الشؤون الخارجية، التزم، السفير جوشوا هاريس، بالعمل على "تعميق التعاون بين بلاده والجزائر بما في ذلك على مستوى مجلس الأمن الدولي تعزيزًا للأمن الإقليمي."

وقال الدبلوماسي الأميركي في بيانه الافتتاحي أنّه "تلعب الجزائر دورًا في المساعي الهادفة إلى تحقيق حل دائم ووقف إطلاق النار في غزة وعودة جميع الرهائن وزيادة حجم المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وتهيئة الظروف المناسبة للسلام الدائم والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين".

واستطرد الدبلوماسي الذي وقع عليه الاختيار في شباط/فيفري الماضي، لخلافة السفيرة المنتهية عهدتها إليزابيث مور أوبين قائلا: "حكوماتنا تنسق بشكل مكثف خلال فترة  عضوية الجزائر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك دعوة حماس إلى قبول اقتراح وقف إطلاق النار الذي قدمه الرئيس جو بايدن في 31 أيار/ماي والحرص على تنفيذه بالكامل". في إشارة إلى القرار الأخير لمجلس الأمن ودعمته الجزائر.

سفير واشنطن الجديد لدى الجزائر وعد في عرض قدّمه أمام لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ أن يفتح قنوات حوار مع السلطات الجزائرية بخصوص قضايا الحريات وسيادة القانون وتعزيز حرية التعيير وتفعيل دور المجتمع المدني

وأعلن أن "البلدين يعملان معًا على ملفات أخرى كالتنسيق المشترك (على مستوى مجلس الأمن الدولي) لأجل وضع حد للنزاع في السودان."

وتابع: "يجري البلدان حوارًا مثمرًا بشأن وقف القتال في السودان ومنع غرق ليبيا في الصراع  والعمل على استتباب الأمن والحوكمة في منطقة الساحل، المستهدفة بتحركات قوى خبيثة تستعمل نقاط الضعف فيها"، ويقصد هنا الدور الروسي المتنامي في المنطقة وخصوصا في مالي والنيجر.

وفيما غابت الإشارة إلى ملف الإرهاب في البيان الافتتاحي، على غير عادة أسلافه، استقطب التعاون الاقتصادي مساحة في الخطاب الافتتاحي، وتصدّر تعزيز المبادلات الاقتصادية البينية الجزائرية الأمريكية، أولويات، جوشوا هاريس.

وأوضح هنا أنّ "العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين مستمرة في التوسع"، مسجلا  "تضاعف حجم المبادلات بينهما أربع مرات في السنوات الأربع الماضية- وأن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى من حيث تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو الجزائر إلى جانب نشاط  ما لا يقل عن 100 شركة أميركية في السوق الجزائرية."

وأبدى بدوره رضا بلاده على الدور الجزائري في السوق الطاقوية ومساهمتها في تغطية الطلب وخطط تطوير قدراتها. وقال: "بينما تساهم الجزائر في استقرار أسواق الطاقة، هي تمضى قُدمًا في أجندة طموحة للانتقال إلى الطاقة المتجددة والتجارة والاستثمار".

وأشار بهذا الخصوص إلى إن "الاتفاق الإطار للاستثمار يشكل مجالًا لحوار بناء وزيادة الشفافية وتحرير مناخ الاستثمار وتنمية الشراكة التجارية"، مما سيعود حسبه بـ"الفائدة على سوق الوظائف الأميركي (عبر تنمية الصادرات الأميركية إلى الجزائر)".

ووعد بفتح قنوات حوار مع السلطات الجزائرية بخصوص قضايا الحريات وسيادة القانون وبالعمل على مواصلة الحوار معها حول الإصلاحات، التي ينبغي تعزيزها ومنها حرية التعيير وتفعيل دور المجتمع المدني(الجمعيات غير الحكومية).

تهدئة

وفي قراءة لمجريات جلسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، أوضح  الدكتور علي ربيج، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر 2  لـ"الترا جزائر"، بأن "هذه المواقف جاءت في سياق تهدئة العلاقات بعد المواجهة التي شهدتها أروقة مجلس الأمن في الأشهر الأخيرة."

ليكمل: "البلدان وقفا على طرفي النقيض من مسألة وقف العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة. اللهم خلال القرار الأخير لمجلس الأمن، حيث دعمت الجزائر المشروع الأميركي لوقف إطلاق النار رغم التحفظ على بعض جوانبه."

ونبّه ربيج إلى "مرور العلاقات الجزائرية الأميركية بتقلبات وحالات نفور، بسبب تغلغل بعض جماعات الضغط المعادية للجزائر في دواليب الإدارة الأميركية والكونغرس والتي تترجم في المواقف المنحازة لخصوم الجزائر في نزاعات إقليمية."

وركّز على التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الدينية والاتجار بالبشر، قائلًا: "هذه التقارير توظف في بعض الأحيان كورقة للضغط لتمرير بعض المصالح الأميركية ."

المحلل السياسي سفيان بوسنان: تركيز السفير الجديد على تفعيل شراكة إستراتيجية أميركية جزائرية هو بحث على ضمان المصالح المشتركة بين الطرفين

بدوره، لاحظ الدكتور سفيان بوسنان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2، في إفادة لـ "الترا جزائر"، أن البيان الافتتاحي للسفير المرشح لشغل منصب سفير الولايات المتحدة بالجزائر، يوضح "توجهه لتعزيز العلاقات التاريخية الأميركية الجزائرية وإعطاؤها أولوية في السياسة الخارجية الأميركية بحكم عراقة تلك العلاقات، التي تعود أصولها إلى معاهدة السلام والصداقة لعام 1795."

ونبّه أستاذ العلوم السياسية إلى "تركيز السفير على تفعيل شراكة إستراتيجية أميركية جزائرية على كافة المستويات، بما يضمن المصالح المشتركة بين الطرفين، ومواجهة التحديات المشتركة ومنها التحديات الأمنية."

سفير فوق العادة

في 29 شباط/فيفري الماضي رشّح البيت الأبيض، جوشوا هاريس، لشغل منصب سفير فوق العادة ومفوضا لدى الجزائر خلفًا لإليزابيث مور أوبين .

وكان جوشوا  تولى منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال أفريقيا ومشرفًا على الدبلوماسية الأميركية مع المغرب والجزائر ومصر وتونس منذ 2022.

قبل ذلك شغل هاريس منصب مدير شؤون شمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي في الفترة 2021-2022، حيث قام بتنسيق تطوير وتنفيذ السياسات الأميركية تجاه منطقة المغرب العربي حسبما جاء على سيرته الذاتية على موقع كتابة الدولة.

وسبق له العمل أيضًا في ليبيا كقائم بالأعمال ومنصب مدير السياسات للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي لهزيمة ما يُسمى "تنظيم داعش" الإرهابي في العراق وسوريا. ومدير العراق في مجلس الأمن القومي؛ وشملت مهامه الأخرى في الخارج سلوفينيا، العراق، ليبيا وكرواتيا، حسب سيرته الذاتية.

ويتميز السفير فوق العادة والسفير المفوض عن "السفير العادي" في كون الأخير يؤدي غرضًا محددًا، بينما الأول يتمتع بـ"صلاحيات موسعة"، تضم الترخيص له بإبرام اتفاقيات باسم الدولة أو الهيئة التي يمثلها. وتعين دولًا بعض موظفيها بمرتبة "سفير مفوض فوق العادة"، وتكليفهم بمهام خارجية محددة دون إقامات طويلة في الخارج.