08-مايو-2024
.

اجتماع قادة الدول الثلاثة في تونس

عقدت الجزائر وتونس وليبيا مجتمعة منذ أيام لقاء مع إيطاليا بروما تمحور حول سبل معالجة ظاهرة الهجرة السرية التي تواجهها الدول الثلاث، وهو ما رآه البعض على أنه أولى ثمار التكتل المغاربي الجديد، خاصة وأنه أتبع بلقاءات ثنائية بين هذه الدول تصب في خانة تعزيز العمل المشترك بينها، فإلى إي حد يمكن اعتبار هذا الرأي صحيحا أم أن الحكم على هذه التجربة الجديدة ما يزال في حاجة إلى وقت أكثر؟.

منذ إعلان الدول الثلاث تشكيل هذا التكتل في اجتماع الجزائر بداية آذار /مارس الماضي هامش قمة مندى الدول المصدرة للغاز، تتباين الآراء والتحاليل على قدرة التكتل الجديد على تنسيق الجهور وتحريك العمل المغاربي، جراء فشل مختلف التجارب السابقة.

ومنذ إعلان الدول الثلاث تشكيل هذا التكتل في اجتماع الجزائر بداية آذار/مارس الماضي هامش قمة منتدى الدول المصدرة للغاز، تتباين الآراء والتحاليل على قدرة التكتل الجديد على تنسيق الجهود وتحريك العمل المغاربي، جراء فشل مختلف التجارب السابقة.

تحرك مشترك

حينما اجتمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الثاني آذار /مارس الماضي بعد اختتام قمة منتدى الغاز الذي احتضنتها بلاده مع نظيره التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، وقرروا تشكيل تكتل ثلاثي لتنسيق الجهود، لم يكن أحد من الملاحظين يتوقع أن يحقق هذا الإطار شيئا بالنظر للتجارب الكثيرة والعديدة في المنطقة المغاربية التي باءت بالفشل، إلا أن المسار الذي تعرفه هذه المبادرة يبعث هذه المرة تفاؤلا قد يمحو الخيبات السابقة.

واتفق القادة الثلاثة وقتها على "ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب".

كما اتفقوا على عقد لقاء مغاربي ثلاثي، كل ثلاثة أشهر، يكون الأول في تونس بعد شهر رمضان المبارك، وهو القرار الذي تحقق في عقد لقاء تونس في 22 نيسان/أفريل المنقضي، والذي وضع خارطة طريق عمل  التكتل الثلاثي المغاربي الجديد.

وخلص القادة المجتمعون بتونس إلى "تنظيم هذا اللقاء والحفاظ على دورية انعقاده بالتناوب بين الدول الثلاث للارتقاء بالعلاقات الثنائية المتميزة التي تربط كل بلد بالآخر إلى مرحلة نوعية جديدة تتعدى الإطار الثنائي إلى التفكير والعمل الجماعي"، وهو ما يعني أن اللقاء المقبل سيعقد إما بالجزائر أو ليبيا، وفي حال التئامه بطرابلس سيكون خطوة مهمة بالنسبة للسلطات الليبية ورسالة مهمة لدعم الجارة الشرقية للخروج من  أزمتها التي تعدت العقد من الزمن.

وأهم ما جاء في البيان الختامي للقاء تونس هو ضرورة أن "لا يقتصر هذا التشاور والتنسيق على الملفات السياسية فحسب، بل يشمل كل مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب الدول الثلاث، لتحقيق تطلعاتها المشروعة في الاستقرار والازدهار والتكامل".

وشددت الوثيقة ذاتها على أهمية "مزيد تعميق التشاور وتبادل التحاليل والتقييمات والمعلومات حول ظاهرة الإرهاب والاتجار بالبشر وبكل أنواع المخدرات والجريمة المنظمة، لحماية المنطقة من هذه الآفات".

واتفق القادة الثلاثة على "تكوين فرق عمل مشتركة يعهد إليها إحكام تنسيق الجهود لتأمين حماية الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة، ووضع مقاربة تنموية تشاركية لتنمية هذه المناطق مع العمل على توحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة غير النظامية في شمال البحر المتوسط والدول الأفريقية جنوب الصحراء.

وتم الاتفاق على "تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية، على غرار إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع وبرامج التعاون الهادفة إلى تحقيق الأمن المائي والغذائي للبلدان الثلاثة".

ومن بين هذه الآليات "التعجيل بتفعيل آليات مشتركة لاستغلال المياه الجوفية المشتركة في الصحراء الشمالية والتعجيل بتنفيذ مشروع الربط الكهربائي المتزامن بين شبكات نقل الكهرباء بين الدول الثلاث وتطوير التعاون وإقامة شراكات في مجال استكشاف وإنتاج وتخزين المواد البترولية وفي قطاعات المناجم والطاقات المتجددة والنظيفة على غرار الهدروجين الأخضر ".

وبعد هذا اللقاء، باشرت الدول في تنفيذ بعض جوانبه، كانت البداية بعقد اجتماع بالجزائر توج بتوقيع اتفاقا ثلاثيا لإدارة المياه الجوفية المشتركة بالمناطق الحدودية بينها.

وتختلف الدراسات حول تقديرات وجود هذه المياه الجوفية، حيث من تقدر حيازة الجزائر على 70 بالمائة منها، فيما توجد 25 بالمائة بليبيا و5 بالمائة في تونس، لكن تقول تقارير أخرى أن المياه الجوفية المشتركة تتوزع على 40 بالمائة بالجزائر و30 بالمائة بليبيا و10 بالمائة وتونس، لذلك فإن هذا الاتفاق سيمنع أي خلاف قد يقع بين الدول الثلاث.

1

وأتبع هذا الاجتماع، بعقد  وزراء داخلية الدول الثلاث لقاء في روما مع نظيرهم الأيطالي لبحث ظاهرة الهجرة السرية، حيث تطالب الدول المغاربية بوضع مقاربة مشتركة لتنمية المناطق الحدودية للحد من الهجرة غير النظامية.

هنا، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي الجيلالي كرايس أنه مما لا شك فيه أن هذه الاجتماعات هي نتاج للاجتماع التشاوري الأول، وبالخصوص ما تعلق بالاجتماع الخاص بمكافحة الهجرة السرية الذي جرى في روما، بالنظر إلى أن تحديات الدول الثلاث نفسها، إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي في حد ذاته يريد أن يعالج هذه الظاهرة مع دول المنطقة مشتركة لا متفرقة، لذلك فإن توحيد السياسات بشأن هذه الظاهرة ستجعل الاتحاد الأوروبي يغير سياسته في النظر للضفة الجنوبية.

وأضاف كرايس أن "التحولات التي يعرفها العالم والمنطقة حتم على الدول الثلاثة العمل على تنسيق جهودها، لأن مواجهة عدم الاستقرار في منطقة الساحل التي تعد المنبت الأول للهجرة السرية ومعالجة مختلف الجوانب الأمنية تتطلب توحيد وتنسيق الرؤى والحلول، بالنظر إلى أن المشاكل التي تواجهها الجزائر وتونس وليبيا اليوم عابرة للقارات، ومن ثمة فإن التحرك الثلاثي الذي يحدث مطلوب لمواجهة هذه التحديات".

عمل ثنائي

لم تقتصر التحركات المشتركة للدول الثلاث على  تنسيق جهودها مجتمعة فقط، إنما بات واضحا أنها تريد أيضا تكملة ذلك بتحيين اتفاقاتها الثنائية، وبالخصوص تلك المتعلقة بتشجيع العمل المشترك، فقد تضمن بيان لقاء تونس توصية تدعو إلى "تذليل الصعوبات التي تعيق انسياب السلع والبضائع بين الدولة الثلاث، وبحث سبل الرفع من نسق التجارة البينية وإقامة مناطق تجارية حرة مشتركة والتسريع باتخاذ الإجراءات المناسبة لتيسير حركة نقل الأشخاص والبضائع، لاسيما عبر تطوير شبكات النقل الطرقي والسككي وإنشاء خط بحري منتظم يربط بين الدول الثلاث".

وفي هذا الإطار، احتضنت الجزائر في اليومين الماضيين اجتماعا للجنة المشتركة للتعاون الجمركي الجزائري التونسي، والتي توجت بتوقيع محضر يهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في عدة مجالات جمركية.

في السياق، قال المدير العام للجمارك الجزائرية عبد الحفيظ بخوش  إن أشغال هذا الاجتماع "كللت بنجاح أين تمت مناقشة عدة نقاط مشتركة من بينها عرض حال لما سبق القيام في إطار لقاء اللجنة السابق، وسبل تعزيز التعاون لتوفير الظروف الملائمة لتأطير حركة المسافرين والبضائع".

وتحدثت تقارير غير رسمية عن إمكانية إعادة فتح خط السكك الحديدية الربط بين الجزائر وتونس في الأسابيع القادمة.

وفي العلاقات التونسية الليبية، اتفق الطرفان على إعادة فتح معبر رأس جدير الحدودي عقب غلقه من الجانب الليبي لدواعٍ أمنية.

وقال وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية عماد الطرابلسي عقب لقائه الرئيس التونسي قيس سعيد "اتفقنا على فتح معبر رأس جدير الحدودي البري بين البلدين".

وأضاف أن "المعبر سيُفتح أمام المسافرين الليبيين والتونسيين من ليبيا لتونس ومن تونس لليبيا حسب القوانين في البلدين، وكذلك سيعود التبادل التجاري بيننا"، لافتا إلى أنّ "المعبر لن يستخدم للجريمة ولا للتهريب فهو يخضع للقانون".

ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي أنه من الضروري موازاة الاجتماعات الثلاثية بأخرى ثنائية تجمع بين هذه الدول، لأن العلاقات الثنائية موجودة وتتوفر على الأطر التي تسهل تحقيق العمل الثلاثي، وفق ما أوضحه لـ"الترا جزائر"

وبيّن كرايس أن التكتل الثلاثي لم ينشأ لإلغاء العلاقات الثنائية بين هذه الدول، إنما جاء استكمال لها، وهو ثمرة العلاقات الثنائية التي تربط  بين هذه البلدان، إضافة غلى ان بعض القضايا العالقة لا يمكن حلها إلا في إطار ثنائي كون هذا التكتل المغاربي ما يزال جديد لا يتوفر على الآليات الكافية لمعالجة بعض الملفات.

يحتاج وقتا

منذ الإعلان عن  تأسيس هذا الإطار الثلاثي في بداية آذار/مارس الماضي، وهو يتعرض لانتقادات ترى أنه لا جدوى منه، بالنظر لفشل التكتلات السابقة بالمنطقة كاتحاد المغرب العربي، ومجموعة 5+5  والاتحاد من أجل المتوسط في تعزيز العمل المشترك المغاربي أو المتوسطي، وهي انتقادات لها ما يبررها.

لكن المهتم بالشأن المغاربي الجيلالي كرايس يرى أنه "من السابق لأوانه إصدار هذه الأحكام على تكتل فتي النشأة، إضافة إلى أن الظروف التي تعيشها المنطقة تختلف عن أي أوضاع سابقة، لذلك فالدول الثلاثة محتم عليها هذا التنسيق المشترك لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها كالهجرة السرية والإرهاب والجفاف، ورهانات الطاقة والاقتصاد".

ويدعو كرايس إلى "منح هذا التكتل الذي  يمكنه أن يكون بادرة للالتحاق دول به في قادم الأيام والأشهر إذا ترجمت الإرادة السياسية التي تم التعبير عنها من قبل الثلاثي إلى فعل ميداني حقيقي"، مضيفا أنه "لا يمكن القبول بالتشاؤم المتطرف ولا بالتفاؤل الزائد  بشان هذه الاتحادات التي يبقى نجاحها مرتبطا بالإرادة الموجودة لكل الأطراف لا برغبة بلد واحد فقط".

أستاذ علم الاجتماع السياسي الجيلالي كرايس لـ "الترا جزائر": لا يجب تحميل هذا التكتل الجديد فوق طاقته برسم  أهداف كبيرة في الوقت الحالي، في حين أن تحقيق هذه الأهداف تطلبت وقتا لدى التكتلات الناجحة كالاتحاد الأوروبي

كما يرى كرايس أنه لا يجب تحميل هذا التكتل الجديد فوق طاقته برسم  أهداف كبيرة في الوقت الحالي، في حين أن تحقيق هذه الأهداف تطلبت وقتا لدى التكتلات الناجحة كالاتحاد الأوروبي.

من المؤكد أن اجتماعي ملفي المياه الجوفية والهجرة السرية أعطيا تفاؤلا لنجاح هذا التكتل الذي لقي الإشادة من قبل منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن تحقيق الوحدة المنشودة من قبل شعوب البلدان الثلاثة تحتاج إلى وقت أكبر لتحقيقها، لذلك يتوجب عدم تحميل هذا التكتل الفتي فوق طاقته وتشجيع أي مبادرة تصب في خانة تعزيز العمل المغاربي المشترك سواء كان ضمن هذا الإطار أو غيره لمواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة.