31-أغسطس-2024
(الصورة: فيسبوك)

مترشحون للرئاسيات الجزائرية (الصورة: الترا جزائر)

لا يكاد الحديث عن تحسين القدرة الشرائية ورفع المستوى المعيشي وتحسين الوضع الاجتماعي والقضاء على البطالة وإلغاء الضرائب، يغيب عن خطابات المترشحّين للرئاسيات في الجزائر؛ وإن اختلفت برامجهم، تبقى هذه الوعود محور اهتمام وتركيز في الحملات الانتخابية لاستهداف الناخبين في اعتقادهم.

يختلف متابعون في تقييم  المترشحين للرئاسيات، فهناك من يرى أن خطاباتهم مجرّد وعود، وهناك من يعتبرها تطلعات وطموحات أكثر من كونها برامج جادة

تتمثّل أبرز الوعود والالتزامات التي قدّمها المرشّحون الثلاثة في الرئاسيات المقبلة لكسب الناخبين؛ في إرساء استثمارات اقتصادية وتنفيذ مشاريع تنموية، من شأنها أن تُساهم في التخلّص من التبعية للريع النّفطي، وخلقِ مناصب شغل، وتقليص الفجوة بين المركز والمحلي في الجزائر.

ولكن يختلف متابعون في تقييم هذه الخطابات، فهناك من يراها مجرّد وعود، وهناك من يعتبرها تطلعات وطموحات أكثر منها واقع ملموس.

ربما يبعث الحديث عن توفير مناصب شغل والقضاء على البطالة في خطابات المترشحين، في أوساط كثير من الجزائريين، إلى عدم الارتياح وقطع سبل الثقة، لتكرّر ذلك في الخطابات بشكلٍ مبالغ فيه أحيانًا، ولتَعوُّد كثير من المواطنين على مثل هذه "الكليشيهات" في السابق، دون أن يتحقق ذلك.

وقد يأتي التركيز على الخطابات التي تحاول لفت المواطنين إلى تحسين الوضع الاجتماعي، بنتائج عكسية تمامًا؛ ويتحول هذا الموضوع إلى مجال للنقد وربما التندّر على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يعتقد فيه مترشحون أنه عنصر جالب لاهتمام الناخبين.

إنتاج الثروة

من خِلال الشّعارات التي رفعها المترشحون الثلاثة، وعبر خطاباتهم الموجهة للمواطنين، فإنّ العهدة الرئاسية القادمة ستكون "اقتصادية" بأبعاد اجتماعية، تستجيب لمتطلّبات مختلف فئات المجتمع.

وفي خضمّ مُجريات الحملة الانتخابية في أيامها الأخيرة، أبرز المترشّحون أهميّة الاقتراع في "رسم مستقبل البلاد"، مثلما دعا إليه مرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، القائل بالتخطيط لتنفيذ معالم تمكين مختلف مناطق البلاد من اقتصاد متنوّع منتِج للثّروة.

ولتحقيق ذلك، يستهدِف برنامج "رؤية الغد" لأوشيش، تعزيز القطاعات المنتجة، إذ ذكّر في عددٍ من تجمعاته في الولايات بهذا المحور المبني -حسبه-"على أساس أن يكون الاقتصاد الجزائري محمِيًا من الصّدمات الخارجية في شكل أزمات، وهذا ما يعني -حسبه-"تأمين البلاد من البقاء رهينة المحروقات والتبعية النفطية".

ويُعزّز هذا التوجُّه حسب أوشيش، دفع عجلة الاقتصاد نحو قطاعات أخرى تنسجم مع تطلعات الجزائريين على أمل في أن تكون المحروقات داعمًا للاقتصاد وليست أساسه.

وإضافة إلى ذلك؛ من المقترحات المقدّمة من قِبَل مرشّح "الأفافاس"، إنشاء "أقطاب اقتصادية محلية"، من شأنها أن تنسجِم مع "خُصوصيات كل منطقة وما تمكه من موارد طبيعية".

ويرمِي هذا المُقترح إلى "إرساء اقتصاد لا مركزي ومُتوازن" ما يُشجّع في الآن نفسه، على فتح الفضاء الاقتصادي على المبادرات المحية والتنافسية والمبادرة المحلية للاستثمار وامتصاص البطالة".

كما التزم المترشّح، بإجراء "إصلاح قطاع العدالة وترسيخ دولة القانون"، بالإضافة الى "تعزيز صلاحيات المؤسسة التشريعية"، عبر "رفع الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون إلى 40 ألف دج، وإلغاء الضريبة على الدخل الاجمالي على الأجور التي تقل عن 50 ألف دج" وكذا "رفع قيمة الإعانات العائلية واستحداث منح جديدة".

اقتصاد بديل

يُراهن مرشّح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، على إستراتيجية "اقتصاد بديل عن المحروقات"، وذلك مثلما تحدّث عن ذلك في تجمع من ولاية جانت، يسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي، بإعطاء الأولوية للفلاحين ورفع القيود عن منتجاتهم.

ولذلك فإنّ الأولوية ينبغي أن تُعطى -حسب برنامجه- للزراعة ورفع القيود أمام الفلاحين، كما وعد بـ"سنّ قوانين خاصة لدعم الاستثمار والاستيراد والتصدير".

وتناول حساني أهمية "النُّهوض بالقطاع الفلاحي" في المرحلة المقبلة، وذلك عبر الاهتمام بـ "تشجيع الاستثمار في هذا القطاع، الذي يرمي إلى “تحقيق الاكتفاء الغذائي".

وفي صدد عرضِه برنامج "فُرصة" يُرافع مرشّح "حمس" على تشجيع الشباب على إنشاء مؤسسات مصغرة ومتوسطة في عديد المجالات، بالإضافة إلى "الاستثمار في الصناعات التحويلية والاستكشافات المنجمية وإنشاء مؤسسات مناولة ".

وبخُصوص التزاماته في الشقّ الاقتصادي، وعد بالنّهوض بالتنمية بولايات الجنوب والعمل على بعث مشاريع تستجيب لطموحات السكان.

في السياق يتطلّع -في حال انتخابه-، بإطلاق مشاريع اقتصادية، تستهدف "تقليص حجم البطالة عن طريق توفير مناصب شغل وحسب الخصوصية لكل منطقة".

كما قدّم مقترحات عديدة في علاقة بالشقّ الاجتماعي، ترمي إلى "حماية القدرة الشرائية للمواطن، ورفع الأجور ما يحفظ للجزائري كرامته".

في هذا المنحى، يُعتبر "إصلاح النّظام الجبائي والقضاء على السوق الموازية"، من بين مقترحات مرشّح "حمس"، وذلك باستهداف سدّ الثغرات تفاديًا لمنافذ الفساد؛ ملتزمًا بـ"إضفاء المزيد من الشّفافية على التّحصيل الضريبي"، ما يمكن الاستفادة منها كمصادر أموال تُستغل في إطار مشاريع دعم مختف شرائح المجتمع.

وتعهّد حساني بأن يعمل على خلق مدن اقتصادية كبرى كما هو معمول به عالميًا، معلنًا بأنّه "سيختار مجموعة من الولايات المعروفة بحركيتها الصناعية، والفلاحية والتجارية لجعلها مدنا اقتصادية ".

أبعاد اجتماعية

ومن منطلق مُنجزات العُهدة الأولى؛ رافع المرشّح الحرّ، عبد المجيد تبون، لأجل عدة ملفات كبرى، معلنًا أنّ "العهدة القادمة ستكون اقتصادية بامتياز"، وبذلك وعد صاحب مشروع" من أجل الجزائر منتصرة" إذ تحدّث عن استكمال مشاريعه الكبرى من خلال الاهتمام أكثر بالطابع الاجتماعي سياسات الدولة، و"خلق 450 ألف منصب شغل" في الفترة المقبلة إن تمّ انتخابه.

ومن أولويات تبّون، مثلما قال في تجمّعه الأخير بوهران (غرب) بتنفيذ عدة مشاريع تنموية تسعى للوصول إلى 20 ألف مؤسسة ناشئة.

تحقيق الأمن الغذائي؛ على رأس انشغالات المرشّح الحرّ، إضافة إلى رفع الأجور والمِنح، إضافة إلى رفع مِنحة البطالة إلى 20 ألف دينار.

ووعد بتقديم الدّعم للفلاحين وتوسيع شبكة السكة الحديدية لنقل المنتجات الفلاحية من مناطق الجنوب نحو كل المدن، علاوة على استِحداث عدة مصانع من مخلفات محاربة الفساد.

معطيات الميدان وآليات التنفيذ

التركيز على الجوانب الاقتصادية، في برامج المترشّحين لانتخابات الرئاسية المقررة في الـ 7 أيلول/ سبتمبر المقبل، تتطلب شرح وسائل التنفيذ، مثلما يقول الخبير الاقتصادي عبد القادر صفوان، لافتاً في تصريح لـ"الترا جزائر" بأنّ "الموضوعية تتطلّب وضع آيات التنفيذ، ولا نتوقف في الشّعارات فقط".

وأضاف في هذا الإطار بأنّه من خلال المعطيات الميدانية، فالجوانب الاقتصادية دوما تتمشّى في رواق واحد مع الحركية المالية وفي منظومة السوق، خاصّة في علاقة بالشّغل وتوفير القوانيين النّاظمة من أجل التسيير المالي والمشاريع.

وعلى عكس "التفاؤل الانتخابي"، ينظُر البعض بشيء من الواقعية لمعطيات الآن، التي يُمكن أن تُختبر في وسط الأحداث، فأحيانًا معطيات الميدان مخالفة لبعض الطموحات، التي تواجه متغيّرات الوضع.

عمومًا الأرقام التي قدّمها المترشحون، بشأن خفض نسبة البطالة وإصلاح الاقتصاد وتحسين الأجور والمنح والسكن، وإنشاء مدن اقتصادية، تبقى عبارة عن "طموحات سياسية" أكثر منها برامج واقعية، مثلما أفاد المحلل السياسي جعفر سلاحي لـ "الترا جزائر" بأنّها يمكن أن "تتلاشى تحت أي ظرف أو أزمة".

وأوضح قائلًا: "يمكن ملاحظة أن هذه التعهّدات ليست مخطّطة وفق جدول زمني معيّن يجعلها قابلة القياس والمساءلة في المستقبل".

جعفر سلاحي لـ "الترا جزائر": الأرقام التي قدّمها المترشحون، بشأن خفض نسبة البطالة وإصلاح الاقتصاد وتحسين الأجور والمنح والسكن، وإنشاء مدن اقتصادية، تبقى عبارة عن "طموحات سياسية"

وكمثال على ذلك، أشار إلى أنّ رفع الأجور لم ينعكس بالشكل المطلوب إيجابًا على الحياة المعيشية، إذ قابلها غلاء وتضخم كبير "التَهم هذه الزيادات"، معتقدًا أنها تحديات ليست من السهل تنفيذها وتحتاج إلى خبرة متمرس في السياسة وعارف بشؤون دواليب الاقتصاد والمشاريع.