تستمرّ الحملات الانتخابية لمرشّحي الانتخابات الرّئاسية، وتحتدم المنافسة بشكل نسبي مع اقتراب موعد الاقتراع المرتقب في الـ 7 من سبتمبر /أيلول المقبل، حيث يتنافس ثلاثة مرشّحين هم: المرشح الحر عبد المجيد تبون، مرشح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، ومرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش.
الإعلامي عثمان لحياني لـ"الترا جزائر": المناظرات الانتخابية قائمة، لكنها موجودة بصورة مُصغّرة وتقليدية من خلال النّقاشات بين ممثلّي المرشّحين الثّلاثة في القنوات والبرامج المخصصة للانتخابات
في هذا السياق، تطفو إلى سطح الأحداث تساؤلات عديدة حول مجريات الحملات الانتخابية للمرشّحين، وقد تمحورت بعضها حول أسباب غياب المناظرات المباشرة بينهم، والتي عادة ما نشاهدها بشكل دوري في عدة رئاسيات عبر العالم، خاصة المناظرات الأميركية التي يتابعها الجمهور في كل مرة، والتي تبثها أضخم القنوات التلفزيونية هناك، وتمنحها أهمية بالغة ودعاية مفرطة.
ما المناظرة الانتخابية وما جدواها؟
بشكل عام؛ يتمّ تعريف المناظرة على أنّها "حوار متبادل بين جهتين متنافستين تمثّلان اتّجاهين مختلفين حول قضية معينة"؛ حيث تُحاول كل جهة منهما تبرير وإثبات وِجهات نظرها ومقترحاتها، إضافة إلى اللّجوء إلى أساليب دفاعية وهجومية في آن، بالاستعانة بما تعتبره "أدلّة وبراهين" بغية الوصول إلى إقناع المتلقي بما تقدمه له.
يمكِن أيضاً التعاطي مع المناظرة بوصفها "محاورة بين طرفين لتحقيق هدف ما في ميدان من ميادين المعرفة"، حيث تخضع لأساليب وقواعد معينة وجب عدم الحياد عنها.
أما في الانتخابات الرئاسية، فقد اشتهرت الولايات المتحدة الأميركية كأكثردولة تنتهج هذا النوع من المناظرات وفرنسا، إضافة إلى عدة دول أخرى.
تحضير وتنظيم ما يمكن تسميته بـ"المواجهات المشروعة"، يعدّ طريقة للدعاية لكلّ مترشح، إضافة إلى منحهم فرصة للمواجهة والتحدي، وعرض محاسن برامجهم الانتخابية، وتِعداد وُعُودهم للشّعب في مختلف المجالات المعيشية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية وغيرها، ابتغاء كسب أصوات النّاخبين ودعمهم، ومحاربة المنافسين بالكشف عن نقاط ضعف برامج بعضهم البعض الانتخابية.
في الجزائر، لم تكن المناظرات الانتخابية من تقاليد الرئاسيات، وبحكم الظروف السياسية التي مرت بها كل مناسبة انتخابية، عرفت الجزائر مناظرة واحدة خلال سنة 2019، جاءت بعد الحراك الشعبي والسياسي الذي ميّز تلك الفترة، وأعطى انطباعا بتوفّر بعض الحريات المكتسبة، حيث تقدم خمسة مرشحين للرئاسيات لمناظرة تلفزيونية شارك فيها صحافيون من بعض الوسائل الإعلامية العامة والخاصة.
لم يُمنح المرشحون في هذه المناظرة وقتا كافيا لعرض برامجهم وللجدال والنقاش والإجابة على الأسئلة الخجولة التي طرحها الصحافيون، كما اعتبرت المناظرة غير مستجيبة للمعايير الدولية حسب المنظمة غير الحكومية، والتي شاركت من قبل في تنظيم مناظرة الرئاسيات في تونس، ومع ذلك اعتبرت المناظرة الجزائرية محليا مناسبةً ناجحة.
لِمَ غابت هذه المناظرات المباشرة بين المرشحين رغم اقتصار عددهم على ثلاثة؟ ما الأسباب التي أدت إلى التخلي عنها في سباق الانتخابات الحالي؟
ما الظروف التي يتطلبها وجود هذا النوع من المناظرات في الجزائر حتى يتمكن أكبر عدد من الناخبين من التعرف أكثر على برامج مرشحيهم وحسم الاختيار الأفضل لشغل منصب الرئيس؟
حملات إنتخابية رمزية
في هذا السياق يقول المحلل السياسي، أكرم خريف، في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ المُناظرات السّياسية هي بمثابة "الحمض النّووي" للممارسة الديموقراطية، لأنها تضع - حسبه – كلّ مترشّح أمام مسؤولياته وحصيلته، سواءً كان في الحكم أو في مواجهة جدّية وعوده.
يعتقد خريّف أنّ مشكلة المنظومة بصفة عامة تكمًن في أنّها لا تقبل المحاسبة، كما يعتبره الوحيد الذي يقدم حصيلة إن أراد، وفي الشق الذي يريده، متى أراد ذلك، إذ يرجّح المتحدث هنا أنّ تلك هي أسباب غياب المناظرات.
من جهة أخرى، يقول خريّف أن هنالك شيء آخر كان قد ظهر في زمن حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، يتمثّل في استحالة بثّ الكلمة الرئاسية على المباشر، دون الخضوع إلى الرّقابة والتّعديل، وهو ما ينافي قواعد المناظرات.
يُلاحظ المتحدث في ذات السياق أن هذا الأداء قد امتدَّ ووصل إلى المترشّحين والرّاغبين في التّرشح، إذ لا يوجد بثّ مباشر لعرضهم على وسائل الاعلام، كما يعتقد أيضا أن الظروف المحيطة بالرئاسيات منحت منابر محدّدة دون غيرها.
هنا، يصرّح أكرم خريّف أنّ المرشحين يتعاملون مع الوضع السّياسي الحالي ببراغماتية ويتفادون الإكثار من المطالب خشية تقزيمهم في النتائج الأخيرة، كما يشير إلى أن الحملة الانتخابية بالأصل أتت هذه المرة "رمزيّة" بالتّزامن مع أواخر العطلة التي تشهد حرارة كبيرة وحركة اجتماعية بطيئة.
في سياق متصل، يقول المتحدث أنّ الشعارات المستعملة في هذه الحملات هزيلة وغير قوية، فشعار حساني مثلا "فرصة" يعد ضعيفا سياسيا لأننا نفهم منه أنه يعتبر ترشحه فرصة من بين العديد من الفرص ولا يصف نفسه بالخيار الأفضل، مثله مثل شعار أوشيش "رؤية"، الذي يبدو للمتحدث وكأنه "كُتِبَ من طرف الشّخص نفسه الذي لا يريد أن يتمّ حجبُ نور المرشح الحرّ عبد المجيد تبون".
مناظراتٌ مصغٌرة بين ممثلي المرشحين؟
من جهته، يقول الإعلامي عثمان لحياني في مداخلة خصّ بها "الترا جزائر" إنّ المناظرات الانتخابية قائمة، لكنها موجودة بصورة مُصغّرة وتقليدية من خلال النّقاشات بين ممثلّي المرشّحين الثّلاثة في القنوات والبرامج المخصصة للانتخابات.
لكن إذا ما كان المقصود منها تلك المناظرة المباشرة بين المرشحين الثلاثة أنفسهم- يقول لحياني- فالمسألة قد حسمها رئيس سلطة الانتخابات قبل فترة عندما اعتبر أنه ليس هناك ضرورة لوجود مناظرة، وأن المترشحين لديهم الوقت الكافي لشرح برامجهم.
ويعتقد لحياني أن هذا ليس المبتغى المطلوب من المناظرة، نظرا لعدم وجود مبرر لحرمان مجتمع الناخبين، ولحظة التدوين الانتخابي، من صورة حوار ونقاش ديمقراطي بين المرشحين، مشروعا بمشروع وفكرةً بفكرة وبرنامجاً ببرنامج.
كما يؤكّد المتحدث هنا أن هذا ما كان بإمكانه إضفاء مشهدية سياسية جيدة، مثلما كانت مناظرة سنة 2019.
ما الأسباب؟
بالنّظر إلى الأسباب، فمن ناحية الأخلاقية السياسية، يجد لحياني أنّ فائض الاحترام بين المرشحين ربما، هو ما يعيق تنظيم المناظرة، فلربما "أبدى الرئيس تحفظا "عليها أو أنه لا يريد أن يظهر في موقع أعلى من منافسيه لأنه رئيس ومرشّح في ذات الوقت، كما لا يجب إغفال وجود ضعف المبادرة لدى وسائل الإعلام المحلية أو هيئات أخرى، إذ كان من الممكِن أن تخلق مُناظرات ثنائية بين مرشّحين مثلا (حساني وأوشيش)، أو ثلاثية أيضا بحكم أن عددهم قليل.
أهمية المناظرة الانتخابية للناخبين
صرّحت المختصة في القانون فريدة صياح لـ"الترا جزائر" أنّه بالرّغم من توفّر البرامج الانتخابية من خلال الحملة الحالية، وقيام المرشحين بشرحها في تجمعاتهم، إضافة إلى الداعمين لهم، إلا أنّ غياب المناظرة الانتخابية على خلاف تلك التي أقيمت في عام 2019، دليل على أن المرشحين اكتفوا بمواجهة المواطنين في خرجاتهم على المباشر وطرح برامجهم دون قيود.
وترى المتحدّثة أنّ المناظرة من شأنها أن توفّر للمواطن مادة "دسمة" وضرورية أيضا يتمكن من خلالها من تشكيل بناء خاص لاختياراته، يُفصح عنها يوم الاقتراع.
الخبيرة القانونية فريدة صياح: سلطة الانتخابات يمكنها أن تفرض المناظرة كشكل من أشكال الخطاب المباشر
أمّا من الناحية الشكلية، فيمكن تنظيمها من طرف السلطة الوطنية للانتخابات كسلطة قادرة على ذلك، خصوصا في حضور ثلاثة مرشحين فقط، إذ من حقّ الجزائريين أن يكتشفوا أفكار المرشحين في مناظرة متكافئة تُطرح فيها الكثير من الأسئلة التي تخص مختلف المحاور، وليس كما يتم تحضيره من طرف المترشح عند زيارته إلى منطقة ما في إطار حملته على وجه المثال، فالمناظرة -حسب صياح- تكون غير موجّهة، بينما يتمّ توجيه عرض البرنامج الإنتخابي.
تقترح المتحدثة أن تفرض سلطة الانتخابات المناظرة كشكل من أشكال الخطاب المباشر، وفي سياق آخر، تعتقد أن الغياب له تفسير بأنّ الظروف متغيرة، ففي 2019 كانت المناظرة نوعا من "سدّ الفراغ" الذي عاشته الجزائر وحالة الاطمئنان التي عاشتها في تلك الفترة خلال الحراك الشّعبي، عكس ما هو الحال الآن، إذ يتم الاكتفاء بعرض البرامج والنشاطات الجوارية بشكل هادئ.