06-سبتمبر-2024
مداومة الأرندي في قسنطينة (فيسبوك)

مداومة الأرندي بقسنطينة (فيسبوك)

يروي الأربعيني أحمد معراف، وهو أب لأربعةِ أطفال كيف اضطر إلى تأجير الطابق السفلي من منزله، الواقع غرب العاصمة الجزائرية، لأحد المرشّحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لاستخدامه كمداومةٍ انتخابيةٍ خلال أيام الحملة، حيث ستُتيح له هذه الصفقة تسديد تكاليف علاج ابنته في إحدى العيادات الخاصّة.

تختلف أسعار كراء الفيلات والشقق السكنية التي يستخدمها المترشّحون كمداومات مؤقتة من منطقة إلى أخرى ومن حي إلى آخر

يقول أحمد في حديثه لـ "الترا جزائر"، إنّه لم يتوقّع يومًا أن يتحوّل منزله إلى مقر يجتمع فيه سكّان الحي المؤيّدون لهذا المترشّح، وتُعلق على جدرانه صور وشعارات حزبية، وهو الذي لم يكن له أي ارتباط بالسياسة في حياته.

بالنّسبة لأحمد، فإن هذه التفاصيل لم تعد تهمّه، فالمبلغ المتّفق عليه مع ممثل المترشح الرئاسي، والمقدر بـ 35 مليون سنتيم، أي 2634 دولار أميركي لأسبوعين فقط، وهو ما يمثل صفقة مربحة لم يكن ليحلم بها، خصوصًا في ظلّ ظروفه المالية الصعبة واستمرار مرض ابنته وتزايد تكاليف علاجها.

وفي خضمّ الاستحقاقات؛ انتعشت طيلة أيام الحملة الانتخابية من كراء المحلات والأستوديوهات إلى توفير الكراسي والطاولات وأجهزة الصوت.

تجار المناسبات

البعض يطلق عليها " تجارة المناسبات"، فبالنسبة لكثيرين فإن هذه العملية تزدهر في أوقات محدّدة لتحقيق أرباح إضافية، مثل الأعياد الدينية أو الفعاليات الثقافية وحتى الرياضية، كما تضاف إلى هذه المناسبات المواعيد السياسية، مثل الانتخابات، إذ يزداد خلال هذه الأخيرة، نشاط كراء المنازل والفيلات وحتى المحلّات، التي يستغلها المترشّحون أو القائمون على حملاتهم الانتخابية لتحويلها إلى مداومات انتخابية تجمع مناضلي الحزب ومحبي المرشّح.

وبلغة الأرقام، تختلف أسعار كراء الفيلات والشقق السكنية التي يستخدمها المترشّحون كمداومات مؤقتة من منطقة إلى أخرى ومن حي إلى آخر.

ووفقًا لاستطلاع أجرته "الترا جزائر"، يتراوح سعر كراء منزل من ثلاث غرف بين 5 و10 ملايين سنتيم، أي بين 376 و752 دولارًا، بينما بلغ سعر كراء استوديو في حي شعبي حوالي مليوني سنتيم، (150.53 دولارًا) حسب ما أكده أحمد غمري، أحد منسقي الحملة الانتخابية لمرشح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني.

وفي حديثه لـ"الترا جزائر"، أوضح غمري أنه اتّفق مع صاحب استوديو في بداية الحملة الانتخابية على استئجاره ليكون ملتقى يجتمع فيه مناضلو الحركة كل مساء لتبادل أطراف الحديث حول الحملة والتنسيق لتنشيطها، بدلًا من الاجتماع في المقاهي غير أنه تفاجأ عندما طلب صاحب الاستوديو مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم أي أكثر من 225 دولارًا مقابل استئجاره وهي قيمةٌ ماليةٌ مبالغ فيها، يقول المتحدث.

وبدرجة أقل انتعشت تجارة كراء الطاولات والكراسي وأجهزة الصوت خلال الحملة الانتخابية التي دامت ثلاثة أسابيع، حيث بلغ سعر كراء كرسي 100 دينارٍ لليوم الواحد أي ما يقارب واحد دولار (0.75 دولار) أما الطاولة 150 دينار أي ( 1.12 دولار) وفيما يتعلق بأجهزة الصوت والمكبرات التي تستعمل في العادة خلال التجمعات الشعبية المغلقة فقد اختلفت حسب النوعية والجودة.

وبالعودة الى نشاط المطابع خلال الحملة الانتخابية فهذه الأخيرة كانت أقل حركية مقارنة بالانتخابات المحلية والتشريعية التي يضطر فيها المترشح إلى طباعة أكبر عدد من الملصقات واللوحات الإشهارية وحتى طباعة قصاصات ومطويات تضمن الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي.

أجرة مراقبي الانتخابات في" المزاد "

بعيدًا عن "بورصة" كراء مقرات المداومات واستئجار الطاولات وأجهزة الصوت والكراسي التي نشطت بشكل لافت خلال فترة الحملة الانتخابية، برز نوع آخر من الصفقات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية، فمع التحدي الكبير الذي يواجهه المترشحون في تغطية كافة مراكز ومكاتب الاقتراع بالمراقبين، لجأ بعضهم إلى البحث عن مراقبين مقابل مبلغ مالي متفق عليه مسبقًا.

إلى هنا، يؤكد عمر مُنسق بمديرية الحملة الانتخابية لأحد المترشحين للرئاسيات بولاية مستغانم في إفادة  لـ "الترا جزائر" أن صعوبة إيجاد مراقبين يغطون كافة المكاتب والمراكز الانتخابية وفي حال التمكن من إيجاد مراقب يستوفي الشروط القانونية ليكون ضمن فوج المراقبين في مكاتب الاقتراع نصطدم يقول عمر بالثمن الذي يطلبه مقابل ذلك مصرحًا: "إمكانيتنا المالية لا تسمح لنا بدفع مبلغ يفوق ثلاثة ملايين سنتيم أي  أكثر من 200 دولار،  للمراقب من أجل يوم واحد فقط"، ليضيف في هذا الشأن "بعض التشكيلات السياسية لديها المال الوفير وهي مستعدة لدفع ما يقارب ستة ملايين سنتيم، أي 451.60 دولار  للمراقب حسب المعطيات المتوفرة لدينا".

وحسب عمر، فإنه من الصعوبة على تشكيلة سياسية تعاني ضعف في الإيرادات المالية في أن تلبي بورصة أسعار المراقبين خاصة وأن التشكيلات الحزبية المعنية بهذا الاستحقاق الرئاسي لم تستفد من أموال الدولة فيما يعرف بتمويل الحملة الانتخابية.

قيود على التمويل

يبدو أنّ القيود المفروضة على تمويل الحملة الانتخابية دفعت المترشّحين في هذه الانتخابات إلى تقليص نفقاتهم ومراقبة كل دينار يخرج من خزينة الحزب.

وفي هذا الإطار شدّدت السلطة المستقلة للانتخابات على أن "كلّ الأموال، سواءً المداخيل أو المدفوعات، لا تتم إلاّ عن طريق الحساب البنكي الوحيد الذي يفتحه المترشح، ويضم حساب الحملة الانتخابية جميع الإيرادات والنفقات المرتبطة بها".

كما أوضحت السلطة أن "المداخيل المالية للمترشح تأتي من مساهمات الأحزاب السياسية، والمساهمات الشخصية له، والهبات النقدية أو العينية المقدمة من المواطنين كأشخاص طبيعيين، والمحددة بسقف ستة مائة ألف دينار جزائري".

وفي هذا السياق، أكد القيادي في حركة مجتمع السلم والنائب السابق، عمار موسي، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن تسقيف المبالغ المالية المحدّدة في إطار تمويل الحملة الانتخابية، يتزامن مع ارتفاع أسعار المعدات والوسائل اللوجستية، مما يزيد من التحديات المالية التي تواجهها الحملات، ما دفعهم كحزب سياسي يدعم المرشح عبد العالي حساني الى الاعتماد على مقرّات ومداومات الحركة في الكثير من الولايات بدل اللّجوء الى استأجر المساكن والمقرات.

قيادي في حركة مجتمع السلم لـ"الترا جزائر"، تسقيف المبالغ المالية المحدّدة في إطار تمويل الحملة الانتخابية يتزامن مع ارتفاع أسعار المعدات والوسائل اللوجستية

أما بالنّسبة لمرشّح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، أكد مدير حملته جمال بالول في إفادة لـ :"الترا جزائر"، أن "الأفافاس" اعتمد على مصادره المالية الخاصة لتمويل الحملة الانتخابية، والأمر ذاته فيما يتعلق بالمراقبين حيث تم تجنيد مناضلي الحزب في الولايات من أجل المساهمة في مراقبة العملية الانتخابية.