22-ديسمبر-2021

احتفالات الجماهير الجزائرية بفوز منتخبهم بكأس العرب 2021 (تصوير: بلال بن سالم/ أ.ف.ب)

 

في قرية من قرى المدن الحدودية بين الجزائر وتونس، احتفل كثيرون بفوز المنتخب الجزائري بكأس العرب في قطر، وخرجوا إلى الشارع للتعبير عن سعادتهم، لكن باحترام الجار الشقيق على بعد كيلومترات من الحدود الجزائرية، هكذا عبر التهامي بلجودي (32 سنة) في حديث إلى "الترا جزائر" رافعًا شعار "خاوة خاوة"، حيث قال إن دماء الجزائريين والتونسيين في سنة 1958 في أحداث ساقية سيدي يوسف، وحسب تعبيره فإن الفائز هو واحد.

نور الدين لعريبي: الاتكال على هذا العنفوان المناسباتي سيتسبب في تآكله كرصيد تاريخي  ولن يجدي نفعًا أمام تعاظم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية 

فرحة الدقائق

من خلال هذه الإطلالة الخفيفة على فرحة الجزائريين التي عمت ربوع الوطن وخارجه، احتفال بالنصر والفوز ورغبة في الفرحة التي يتعطش لها الجزائريون في كل مناسبة رياضية، خاصة وأن كرة القدم صنعت فرحة الشعب في العديد من الفعاليات والتظاهرات الكروية على مختلف الأصعدة.

اقرأ/ي أيضًا: بلماضي يهنئ أبطال العرب

يتّفق كثيرون على أن النزعة الثورية لدى الجزائريين والشعور بالتميّز الوطني والفخر بالمنجز التاريخي، هو محدّد من المحددات التي تعيد اللّحمة الجماعية لأبناء الوطن الواحد، وبإمكانه أن يساهم في ترميم المواقف والخيارات لتتوافق مع هذا العنفوان، لكن ينظر البعض الآخر إلى هذه الوثبة النّفسية التي تصنعها كرة القدم عِبارة عن خُطوة من الخطأ الاستسلام لها بالكامل أو حتّى الاتّكاء عليها حصرًا.

ويعتقد نور الدين لعريبي وهو أستاذ جامعي بجامعة باب الزوار أنّ "الرصيد سينفد عند الاتكاء على العنفوان الثوري والاعتقاد دومًا بأننا الأبطال ونحن الأفضل، وفي الواقع لسنا الأفضل في العديد من النواحي وخاصة منها التعليم".

وبرر الأستاذ لعريبي في حديث لـ "الترا جزائر"، أن الاتكال على هذا العنفوان المناسباتي –حسب قوله-"سيتسبب في تآكله كرصيد تاريخي أولًا، ولن يجدي نفعًا أمام تعاظم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ثانيًا وعدم وجود توازن في المعيشة لدى الجزائريين ثالثًا"، فيما دعا في المقابل إلى "استثمار هذه الروح الجماعية في تحفيز الشباب على صناعة الأفضل وكلّ في مجاله".

قد يتحدّث البعض عن مسألة الرّبح والخسارة بأنّهما وجهان لعُملة واحِدة  بل هما سِيان، إذ كلاهما لم يغيّران من الواقع الاجتماعي اليومي الذي يعرفه القاصي والداني في الجزائر، وما كرة القدم إلا فرصة لفرحة، وبالتالي ينتهز الجزائريين هذه الفرحة حسب الأستاذ لعريبي، لكنه يفسر قوله بأن الفوز لن يغير من ظروفنا شيئًا، لأن الواقع غير الذي نرسمه عبر الفضاء الافتراضي أو ننادي به كجزائريين: "نحن أبطال في منافسة كروية".

 يستطرد المتحدث: "لكن هل يمكننا النظر إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي والعلمي، أليس نحن من عانينا خلال أزمة الأكسيجين في شهري تموز/جويلية وآب/أوت الماضيين؟ أليس نحن من نندد برفع أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع، وغيرها من الحقائق التي يمكننا أن نغطيها ونتحاشى الحديث عنها بمجرد أننا فزنا في منافسة كرية، نحن أبطال نعم في كرة قدم لكننا ليس كذلك في شتى القطاعات".

ماذا بعد؟

بعد كلّ هذا الرّصيد المتميّز، الذي صنعته كرة القدم وكثيرًا ما فعلت المنافسات الدولية الفرحة والثقة والشعور بالانتصار، يطرح السؤال: ماذا سيقابل كلّ ما سبق من منجز اقتصادي وتنموي يُوازيه؟ السّؤال ليس جديدًا، إذ ليست هي المرّة الأولى الذي يُطرح إعلاميًا في الميدان وعبر وسائط التواصل الاجتماعي في الفضاء الافتراضي.

الملاحظ أننا عند انتهاء فرحة الكأس العربية، يستفيق الجزائري من غفوة النّصر وفرحة الفرجة وفخر الفوز، ليعودوا إلى واقع يحملهم إلى انتقاد بعض الظواهر الاجتماعية بدءًا بعملية استقبال المنتخب في مطار الجزائر الدولي، والنّقل التلفزيوني الذي أظهر صورًا باهتة لاستقبال أبطال العرب، بداية من التنظيم والصور الحصرية للتلفزيون العمومي إلى غاية اعتبار الطريقة باهتة وغير مشرفة مقارنة بما أبدعت فيه دولة قطر التي استضافت الدورة خلال نهاية السنة في انتظار كأس العالم في طبعته لعام 2022.

 إلى متى نظلّ نحصي عدد الإخفاقات بمجرد انتهاء الفرجة والفرحة؟  

لكن بعيدًا عن هذه الفرجة الجميلة والفرحة المسترقة من يوميات الجزائريات، لا يمكن أن نعود أدراجنا نحو تعداد الفشل، لأن الجزائر في اختبار حقيقي لاستضافة ألعاب البحر المتوسط بولاية وهران في العام المقبل، فضلًا عن العديد من الورشات التي تنتظر الانهاء في عدة قطاعات في حاجة ملحة إلى الكفاءات وإلى اللّمسة الإنسانية المبنية على تدعيم الكفاءات وانتظار المنجزات، فكما صنعت كرة القدم الجزائرية الكثير من الفخر والفرحة للملايين، إلى متى نظلّ نحصي عدد الإخفاقات بمجرد انتهاء الفرجة والفرحة؟  

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر بطلًا للعرب

أندية فرنسية مهتمة بخدمات يوسف بلايلي