18-يونيو-2024
الحايك  زي الجزائريات التقليدي

تعكس قصة الحايك تنوع الثقافة الجزائرية وتراثها الغني

في زمن العولمة والتطوّر التكنولوجي المستمر تبقى الثقافة والتراث جزءًا لا يتجزأ من هويّة الشعوب وتميزها. ومن بين  عناصر هذا التراث الثقافي  في الجزائر الزي التقليدي مثل الحايك والكاراكو، الذي يعد لباسًا تقليديًا مميزًا للمرأة الجزائرية. يرتبط الحايك بتاريخ عريق وثقافة غنية حيث لا يعكس المظهر الجمالي فقط، بل يحمل في طياته قيمًا اجتماعية وثقافية ودينية تمتد جذورها عبر الزمن.

الحايك هو عبارة عن قطعة من القماش الأبيض تغطي سائر جسد المرأة من الرأس إلى الرجلين، ويعتبر جزءًا من التراث الثقافي الجزائري.

تعكس قصّة الحايك تنوع الثقافة الجزائرية وتراثها الغني، فهو ليس مجرد قطعة من القماش، بل هو رمز للهوية والانتماء، ووسيلة للتعبير عن الجمال والأنوثة والكرامة. وعلى الرغم من التحوّلات التي شهدتها المجتمعات العربية، إلا أن الحايك استمر في البقاء كعنصر ٍمهم في خزانة الملابس التقليدية للنساء الجزائريات، محافظاً على سحره وتفرّده.

سيكون استكشاف تاريخ وأهمية الحايك لباس المرأة الجزائرية في هذا المقال مثيرًا للاهتمام، حيث سنتعرف على جذوره العميقة، وتطوراته عبر الزمن، ومكانته في المجتمع اليوم، مما يسلط الضوء على الروح الفريدة للثقافة الجزائرية وتعدد تراثها.

الحايك لباس المرأة الجزائرية التقليدي

الحايك هو لباس يتشكل من قطعتين على الأغلب؛ واحدة كبيرة من القماش الأبيض تغطي سائر جسد المرأة من الرأس إلى الرجلين، وأخرى تشبه البرقع وتسمى العجار وهي قطعة قماش مثلثة الشكل ومطرزّة تغطي الجزء السفلي من الوجه (الأنف والفم)، ويعتبر الحايك عمومًا جزءًا من التراث الثقافي الجزائري وقد كان شائعًا  بين النساء الجزائريات، خاصة في المدن مثل الجزائر العاصمة وقسنطينة والعديد من المدن المجاورة، وكذلك انتشر ارتداؤه في مناطق واسعة من المغرب العربي.

وفي الوقت الحالي لا يزال البعض يرتديه في المناسبات التقليدية والاحتفالات الثقافية. والحايك ليس مجرد قطعة ملابس بل يرمز إلى الهوية الثقافية ويعكس الأناقة التقليدية التي كانت سائدة بين النساء الجزائريات. هنا سنتعرف أكثر  على أصله، وتاريخه، ومم يتكون، وأول مرة ظهر فيها.

أصل وتاريخ الحايك

يرتبط أصل الحايك بفترة الفتوحات الإسلامية في شمال أفريقيا حيث إنه يشبه العباءات التقليدية في المجتمع العربي، حيث تأثرت المنطقة بالثقافات العربية والإسلامية. ويعكس تأثيرات الأندلس والثقافات العربية الأمازيغية في شمال إفريقيا أيضًا. وقد أصبح الحايك جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي الغني للجزائر ويًستخدم كرمز للحشمة والأناقة التقليدية. وعلى الرغم من أن له أشكالًا وألوانًا متنوعة في مختلف الدول العربية إلا أنه يتسم بمظهره الأنيق والتقليدي.

وقد انتشر ارتداء الحايك في المدن الجزائرية مثل الجزائر العاصمة وقسنطينة، وكان يستخدم بشكل أساسي من قبل النساء للحفاظ على الحشمة داخل وخارج المنزل والتقيد بالعادات الاجتماعية، وكنّ يحرصنّ على ارتدائه أثناء سفرهن بمفردهن لمسافات طويلة خارج المنطقة السكنية العادية.

تصميم الحايك أو مم يتكون

الحايك عبارة عن قطعة كبيرة من الحرير الخالص أو الحرير الممزوج بالكتان أو الصوف، يغطي سائر جسد المرأة من الرأس إلى الرجلين كما ذكرنا، ويصنع الحايك عادةً من القطن أو الصوف الخفيف، وأحيانًا يُزين بتطريزات يدوية جميلة على الحواف تضفي عليه جمالًا وأناقةً إضافية، ويتكون من عدة عناصر تساهم في تحقيق مظهره الفريد والحفاظ على تقاليده، ويكون طويل جدًا عادةً وبعرض حوالي 1.5 متر. وترتدي النساء الحايك عن طريق لف القماش حول الجسم لتغطية الرأس والجسم بالكامل باستثناء الوجه حيث يترك مكشوفًا.

ومن عناصر الحايك الأخرى التي ترافقه وشاح صغير يُستخدم لتغطية الوجه جزئيًا يُسمى العجار، ويضاف العجار وهو( قطعة قماش صغيرة) للوجه عند الخروج من المنزل كرمز للحشمة والاحترام الاجتماعي ولسبب تسميته تُروى حكاية طريفة تختصر بأن زوجًا غيورًًا كان يطلب من زوجته أن تغطي وجهها خوفًا من أن يراها الجار و باللهجة الدارجة أصبح يقال له عالجار. ويرافق ارتداء الحايك والعجار حزام يُستخدم لتثبيت الحايك حول الخصر، مما يساعد في الحفاظ على ثباته أثناء الحركة وقد يكون بسيطًا في تصميمه أو مزينًا حسب المناسبة.

قد كان الحايك قديمًا عملاً من أعمال المقاومة الوطنية الجزائرية ضد السياسة الاستعمارية الفرنسية. وقد أنجز هذا الحايك الأسطوري مهمات عديدة لتحرير الجزائر.

استخدام الحايك

كان الحايك جزءًا من اللباس اليومي للمرأة الجزائرية حتى منتصف القرن العشرين وقد كان يمثل رمزًا للتراث الجزائري، ويعكس القيم التقليدية والموروث الثقافي. ومع التغييرات الاجتماعية والثقافية بدأ استخدام الحايك يتراجع، إلا أنه استخدم قديمًا وفي الوقت الحالي بما يأتي:

  • المناسبات الثقافية والدينية: على الرغم من تراجع استخدامه في الحياة اليومية لا يزال الحايك يحتفظ بمكانته في المناسبات الخاصة. وترتديه النساء في الأعراس، الاحتفالات الوطنية، والمناسبات الدينية كرمز للفخر بالهوية الثقافية والأصالة.
  • الأعراس والاحتفالات: يُعد ارتداء الحايك في مثل هذه المناسبات تعبيرًا عن التمسك بالعادات والتقاليد، واحتفاءً بالأصول الثقافية. وكانت العروس ترتيديه يوم زفافها أيضًا كجزء من العادات والتقاليد والحشمة أيضًا.
  • الفخر بالتراث: يظل الحايك جزءًا من الفلكلور الجزائري، ويُعتبر ارتداؤه في المناسبات احتفاءً بالهوية الوطنية وتأكيدًا على الانتماء الثقافي.
  • رمزًا للمقاومة الجزائرية: بعيدًا عن كونه لباسًا تقليديًا جزائريًا نموذجيًا ورمزًا للحشمة والنقاء فقد كان الحايك قديمًا عملاً من أعمال المقاومة الوطنية الجزائرية ضد السياسة الاستعمارية الفرنسية. وقد أنجز هذا الحايك الأسطوري مهمات عديدة لتحرير الجزائر. فخلال الحرب الجزائرية خاطرت النساء الجزائريات بحياتهن من خلال القيام بمهام شديدة الخطورة متخفيات به. وتخفى به كذلك الرجال للتمويه أثناء تأمين نقل الأسلحة في أحياء الجزائر العاصمة وفي المناطق الأخرى.

تسجيل الحايك في اليونسكو

تم إدراج  الزي التقليدي الجزائري الحايك وأنواع أخرى من الزي الجزائري ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وإن هذا الاعتراف يعزز من أهمية الحايك كجزء من التراث الثقافي الجزائري ويؤكد على ضرورة الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة.

أهمية تسجيل الحايك في اليونسكو

تبرز أهمية تسجيل الحايك في اليونيسكو بما يأتي:

  • الاعتراف الدولي: يسهم في إبراز التراث الثقافي الجزائري على الساحة الدولية، ويعزز من الوعي بأهمية الحفاظ على هذا الموروث الثقافي.
  • الحفاظ على التراث: يساعد في حماية الحايك من الاندثار، ويضمن استمراريته من خلال توثيق طرق صنعه وارتدائه ونقل هذه المعرفة إلى الأجيال الجديدة.
  • الترويج السياحي والثقافي: يمكن أن يسهم هذا التسجيل في جذب السياح المهتمين بالتراث الثقافي، وتعزيز الفخر الوطني بين الجزائريين بتراثهم.

يظلّ الحايك رمزًا خالدًا للأصالة والتراث الجزائري، ويجسد في طياته قيم الحشمة والأناقة التي لطالما اعتز بها المجتمع الجزائري

يظلّ الحايك رمزًا خالدًا للأصالة والتراث الجزائري، ويجسد في طياته قيم الحشمة والأناقة التي لطالما اعتز بها المجتمع الجزائري عبر العصور. ورغم التغييرات العصرية والتطورات الاجتماعية التي شهدتها البلاد فإن الحايك يظل محافظًا على مكانته كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمرأة الجزائرية. وإن ارتداء الحايك في المناسبات الخاصة والاحتفالات الوطنية يعكس اعتزاز الجزائريين بتراثهم العريق ورغبتهم في نقل هذه القيم والتقاليد للأجيال القادمة. وإن الحفاظ على هذا اللباس التقليدي هو حفاظ على جزء من تاريخ وهوية الجزائر، وتأكيد على أهمية الجذور الثقافية في حياة الشعوب.