23-يونيو-2020

يجمع كثير من النشطاء على تأجيل الحراك إلى ما بعد كورونا (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تباينت المواقف بين الناشطين في الحراك الشعبي في الجزائر، فبينما قدّرت أغلب مكوّناته أن الظّرف والموانع الصحية التي أدت إلى تعليق المظاهرات في آذار/مارس الماضي مازالت قائمة، رأت أطراف أخرى أن الموانع الصحية لا تمنع من العودة للتظاهر، بسبب تشدد السلطة ورفضها وقف حملة الاعتقالات التي، تطال الناشطين.

دعا سمير بلعربي في رسالة وجهها للجزائريين إلى أن يعلو صوت الحكمة وضبط النفس على صوت ردّ الفعل

منذ أيام، ظهرت دعوات كثيرة، لعودة المسيرات الشعبية، بدعوى العودة إلى الحراك الشعبي السلمي، في مقابل الغليان الحاصل في عدّة مناطق بسبب مشاكل اجتماعية في مناطق متفرقة من الجنوب الجزائري، غير أن هناك العديد من النشطاء في الساحة السياسية رفضوا حاليًا العودة للمظاهرات، واستئناف مسيرات الحراك، بل طالبوا بتأجيله بسبب الوضعية الحالية في البلاد، واستمرار أزمة وباء فيروس كورونا وانتشاره.

اقرأ/ي أيضًا: الحراك الشعبي.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في منطقة القبائل

جسّ النّبض وتوحيد الصفّ

رغم خروج مواطنين في مسيرات عبر كل من ولايتي بجاية وتيزي وزو، الأسبوع الماضي، إلا أن كثيرين رفضوا العودة في الظّرف الراهن، أمام بقاء منحى تسجيل حالات الإصابة بفيروس كورونا، يفوق المائة إصابة يوميًا.

وفي رسالة وجهها الناشط السياسي القابع في السجن، سمير بلعربي، للحراكيين وللشعب الجزائري، طالب فيها أن يعلو صوت الحكمة وضبط النفس على صوت ردّ الفعل، مطالبًا بعدم التهور في وضعية صعبة بسبب الأزمة الصحية، من حيث ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، مضيفًا "أن الحكمة تقتضي منّا جميعًا، المزيد من الحيطة والحذر ومزيدًا من الوقاية حفاظًا على أرواح الجزائريين".

كما وصف بلعربي الحراك الشعبي في الجزائر بـ "العظيم"، وتميّز، حسبه، بميزتين منذ بدايته، أولاها بُعده الوطني، إذ انطلق في كل أرجاء الوطن واستمر في اتساعه عبر مختلف الأسابيع، أمّا الميزة الثانية للحراك، فهي "سلميته التي أبهرت العالم بهذا الشعب العظيم".

وشدّد بلعربي على أن هذين الميزتين، سمحتا للحراك بالاستمرار لأكثر من سنة، من حيث القوة والتنظيم والمطالب أيضًا، معتبرًا أنه في لحظة اجتياح وباء كورونا للعالم، قرر الناشطون في الحراك تعليق المسيرات، والذهاب نحو "حراك الحفاظ على الأنفس والأرواح، والنشاط في خدمة المجتمع وفئاته الهشة والمحرومة".

يعتقد صاحب الرسالة، أن تأجيل العودة للمسيرات هو عين الصواب، حتى يستعيد المواطن صحتّه وقوته لمواصلة نضاله السلمي، لتحقيق كلّ مطالبه المشروعة، على حدّ قوله.

ضبط النّفس

صوت آخر، كثيرًا ما كان يدافع منذ فترة طويلة عن سجناء الرأي في المحاكم، إنّه المحامي عبد الغني بادي، الذي بات، يرافع لأجل إطلاق سراحهم، دعا هو الآخر إلى تأجيل عودة الحراك وذلك "إلى حين توفر الشروط لصحية الآمنة "إذ اعتبر أن التأجيل هو عين الحكمة والعقل والصواب"، مشدّدًا على أهمية الاتفاق على تنفيذ قرار موحد، دون تشتيت الجهود ورص صفوف الحراكيين على حد تعبيره، وأوضح أن ذلك سيكون عاملًا لقوة الطرح ومواصلة مسيرة المطالب السلمية، على حدّ تعبيره

يذهب بادي، إلى فكرة أن "الحراك الشعبي في الجزائر والذي استمر لأزيد من سنة، هو الآن بحاجة إلى قوة الكلمة الواحدة وقلب واحد، وليس بحاجة إلى نقاط تزيد من الخلافات داخل مكوناته في الشارع، بل هو يحتاج إلى لملمة الخلافات بين مختلف فواعله السياسية الاجتماعية، دونما إحداث شرخ في أوساطه".

كثير من النشطاء والحراكيين، ممن تمسّكوا بقرار تعليق الحراك، برّروا موقفهم بأنّ عودته مرهونة بخبراء الصحة والأطباء، ففي الحراك أطباء رأوا أن الوضع الصحّي ينذر بخطورة بسبب الفيروس، وهو الأمر الذي لفت إليه المحامي مصطفى بوشاشي، في تصريحاته للصحافيين، قائلًا إن "العودة إلى المسيرات الشعبية في إطار الحراك تبدو سابقة لأوانها. وقال بوشاشي يجب نتحلى بالصبر وأن نتبع رأي الخبراء، بمن فيهم أولئك الذين يعملون في المؤسسات الرسمية".

من جهتهم، علّق نشطاء الحراك المظاهرات الشعبية منذ الـ 23 آذار/مارس الماضي، بعدما توافقت مكوّنات الحراك على ذلك ونشرت بيانًا بخصوص القرار، على خلفية المخاوف من انتشار وباء كورونا في البلاد، بعد تسجيل تزايد حالات الإصابة، خاصّة في العاصمة والبليدة قرب العاصمة الجزائرية.

وانتهى النّشطاء ومكوّنات الحراك الشعبي، إلى إصدار بيان يتضمّن نداءً إلى من وصفهم "بالمناضلين من أجل الديمقراطية والحريات"، لوقف وتعليق التظاهرات الشعبية التي تُنظم أيام الثلاثاء والجمعة والسبت.

وذكر البيان أنه "من منطلق المسؤولية الأخلاقية في هذا الظرف والوعي بدقة المرحلة، تحتم الإقرار بوجود مخاطر متعاظمة تمسّ السلامة البدنية للجزائريين والصحّة العامة، ندعو الطلبة والمناضلين من أجل الديمقراطية والحريات إلى تعليق ظرفي لتظاهرات الحراك الشعبي".

عدم الاتفاق ونسف الجهود  

ولفت متابعون للشّأن العام في الجزائر، أن هناك استغلالًا للأزمة الحالية، خاصة من الجانب الذي سيسمح بالسلطة الحالية إلى استعمال العنف ضدّ المتظاهرين إن خرجوا في المسيرات، وخاصّة أن الحكومة منعت منذ منتصف آذار/مارس الماضي، مختلف أنواع التجمّعات، وأعطت تعليمات باستعمال القوة مقابل مخالفة تدابير الحجر بسبب وباء كورونا، وهو ما يعني حملها على استعمال القوّة في الردع والمنع، حسب الناشط السياسي والحقوقي السعيد بولدروع في حديثه لـ "الترا جزائر".

وأضاف المتحدّث، أن هناك "أطيافًا مستترة"، تحاول جرّ مكونات الحراك إلى العنف، وهي، حسب اعتقاده، خطوة نحو نسف كل المجهودات التي اشتغلت عليها مكونات الحراك طيلة الأشهر السابقة.

وشدّد بولدروع على "السلمية في انتزاع الحقوق مهما كانت"، وعلق بالقول: "لسنا في زمن العنف، بعدما ذاق الجزائريون الكثير منه على مرّ السنوات الماضية".

في قراءة أخرى، تتفق بعض الأطياف السياسية والمدنية في الجزائر، على عودة الحراك الشعبي، بالنظر إلى عدة معطيات تسمح بالاستمرار في رفع رايات المطالب، مثلما أفاد الناشط الحقوقي من برج بوعريريج، سليم عمروش، في تصريح لـ "الترا جزائر"، والإبقاء على المطالب الرئيسية المتصلة حسبه بـ "مطالبة السلطات بالإفراج عن المعتقلين، ورفع اليد عن التضييق على النشطاء والمدونين، وفسح المجال للحريات".

سمير عمروش: مؤشرات وعوامل الاحتجاجات متوفّرة جدًا في الوقت الراهن وبإمكانها أن تفجّر الأوضاع

يضيف المتحدث، أن مؤشرات وعوامل الاحتجاجات متوفّرة جدا في الوقت الراهن، وبإمكانها أن تفجّر الأوضاع، خصوصًا أمام تداعيات الأزمة الصحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية على المواطن، وهو ما يُنذر بولادة مطالب متعددة الأسباب من طرف المواطن، واتساع رقعتها في قادم الأيام، والدّفع نحو الاحتجاجات والمظاهرات التي ستزيد من رفع درجة حرارة الشارع وغليانه، على حدّ تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟