27-يناير-2020

الرئيس عبد المجيد تبون في لقاء مع الصحافة الجزائرية (الصورة: اللقاء الجزائرية)

أعاد التلفزيون الجزائري الرسمي، بثّ المقابلة التي أجراها الرئيس عبد المجيد تبون قبل أيّام، بعد إصلاح أخطاءٍ فنيّة وقعت خلال البث الأوّل، أفرزت موجةً من الانتقادات الحادّة، ضدّ هيئة الإعلام في الرئاسة، واستهدف البثّ الثاني للحوار الرئاسي، إزالة التشويش السياسي، وإعادة توجيه رسائل إلى الداخل والخارج تضمّنها حوار الرئيس.

ادّعى رئيس الجمهورية أنه سيلبّي مطالب الحراك الشعبي في خرجته الإعلامية الأخيرة

استراتيجية الحوار

لقاء الرئيس تبون ببعض وسائل الإعلام المحليّة، تناول عدّة نقاط لها علاقة ببعض الملفّات الداخلية؛ كتعديل الدستور والحوار السياسي والإصلاح الاقتصادي والغاز الصخري.

اقرأ/ي أيضًا: سيادة الرئيس.. ماذا تعرف عن الـ "ساندويتش"؟

الخرجة الإعلامية الأخيرة لرئيس الجمهورية، بحسب متابعين للشأن السياسي في الجزائر، منذ بدء سلسلة العملية الانتخابية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إلى غاية الإعلان عن الفائز في الانتخابات الرئاسية،  قدّمت توضيحات أكبر فيما يتعلّق بشكل  الدستور المقبل، وموضوع الهويّة الذي يشكّل طمأنة للقوى السياسية، كما قدّم توضيحات فيما يتعلّق بالحوار مع مختلف الفواعل السياسية والمدنية في الجزائر، كخيارٍ استراتيجي، وليس خيارًا تكتيكيًا.

حاول الرئيس الجزائري، أن يتبنّى المطالب المركزية للحراك الشعبي؛ معلنًا أنه سيلبي كل مطالب المحتجّين في الشوارع، بشكلٍ تدريجي، مطمئنًا الجزائريين، بأن الدستور المنتظر "يؤسّس لجمهورية جديدة، وأخلقة العمل السياسي ويُدافع عن الوحدة الوطنية".

هذا المنحى السياسي في توجيه الرأي العام، عبر الإعلام، جاء قبل مسيرات الجمعة الـ 49 من مظاهرات الحراك الشعبي، الذي يظلّ "وفيًا لمطالبه الثّابتة في عدّة محاور، خاصّة المتعلقة بإطلاق سراح العشرات من المعتقلين، والمتغيّرة بحسب تطوّر الظروف التي تعيشها البلاد"، مثلما يقول ناشطون في الحراك وعبر مسيراته الأسبوعية.

ما وراء الرسائل

في قراءة متأنية لمضمون اللقاء، بدا الرئيس تبون "مرتاحًا" في توجيه الخيط النّاظم في علاقته مع المواطن، عن طريق الإعلام، منها ما أراد التذكير بها، أمام استمرار جذوة الحراك الشعبي. أراد الرئيس إيصال الرسائل التي بقيت حبيسة حملته الانتخابية، ووعوده خلال تأدية اليمين الدستورية، ما أعطى انطباعًا بأن الرئيس أعاد تصريحات سابقة، خاصّة المتعلّقة بالدستور، وإعادة النظر في قوانين سبقت فترة حكمه، كانت في خدمة سابقه في قصر المرادية.

تعديل الدستور من وجهة نظر مختصّين، يُعتبر "مسؤولية كبرى"، لتأسيس مرحلة سياسية جديدة، حيث أنّ "القانون الأساسي في الدولة، يبين أهدافها وحيّزها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسندًا شرعيًا لوجود السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية"، كما قال الناشط الحقوق عبد الله خلوفي، في حديث لـ"الترا جزائر"، مفيدًا أن الحديث عن تعديل الدستور ليس من البساطة بمكان، في أجواء يشوبها الغليان في الشارع، على اعتبار أن رسائل الاطمئنان التي يحاول الرئيس البوح بها، لن تكون "الحلّ الأمثل"، إذ  أدّى إلى عدة انشقاقات واهتزازات في العمق المجتمعي في الجزائر.

يُشير الناشط الحقوقي، إلى أن الإقرار بضرورة إجراء انتخابات تشريعية وبلدية قبل نهاية السنة، "معناه أننا سنعبر مرحلة سياسية لا غير، في مقابل استمرار التحدّيات الفئوية، والمشاكل الاجتماعية التي تطفو كل مرّة إلى السطح، وتخلق معها احتجاجات قطاعية كل أسبوع. علاوة على مستجدات الوضع الداخلي والخارجي الذي يتهدّد المنطقة".

حزمة الوعود التي أطلقها تبون في "عجالة"، خلال اللقاء الإعلامي، يصعب أن يستوعبها الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية، وتنفيذها على الأرض خلال السنة الأولى من حكمه، إذ تحدّث عن استرجاع الأموال العمومية المهربة للخارج، مباشرة بعد أن تُصدر العدالة أحكامها، في حقّ رجال الأعمال الموقوفين بتهمة الفساد وتهريب الأموال، فضلًا عن إصلاح التعليم وقطع الطريق أمام استغلال الأيديولوجيا في المناهج التعليمية، وتخوين كل من يرفع أسعار المواد الاستهلاكية، وإعفاء ذوي الدخل الأدنى في الجزائر من الضرائب، ومكافحة الفقر.

الإصلاحات الاقتصادية، أهمّ نقطة أثارها الرئيس تبون، منها حديثه عن استغلال الصخري، الذي أجّج احتجاجات عارمة في الجنوب، حيث دعا إلى فتح نقاش وطني جاد وشفاف حول باستغلال الغاز الصخري، بهدف إنهاء اعتماد الاقتصاد الجزائري على مداخيل النفط، كما طالب باتخاذ قرارات استعجالية، تخصّ إنعاش الاقتصاد ودعم الانتاج الوطني.

بناءً على ما سبق، فإن أطروحات الرئيس التي أطلقها في تصريحاته يوم 23 كانون الثاني/جانفي الجاري، وأعيد بثّها بعد يومين فقط، خلقت حالة من "اللاقبول" لدى الشارع الجزائري، حيث أعاد إحياء قضية كانت حجر الزاوية في نداءات رافضة للمسألة، تجدّدت في شعارات الجمعة الأخيرة.

هنا، اعتبر الباحث في العلوم السياسية، أن السلطة السياسية تتعامل مع الواقع بالوعود، دون المرور إلى تفكيك القنابل الموقوتة، وبدورها ستعمل على تأجيج الوضع في الشارع، على حدّ قوله.

خطاب للداخل بلغة بسيطة

ما يلاحظ خلال اللقاء الذي أجراه الرئيس تبون، مع الإعلام المحلّي، هو تطرّقه لمسائل قديمة جديدة، سبق له أن أطلقها خلال حملته الانتخابية، فضلًا عن أخطاء وردت في التركيب، وحتى في طرح الأسئلة التي بدت مرتبة مسبقًا، وموزّعة بعناية في كل المجالات على الصحافيين، غير أن الظاهر بحسب المختصة في مجال الاتصال شهرزاد لمجد، أن تبون "اعتمد على لغة بسيطة، توخّى أن تكون مفهومة لدى قطاع واسع من الجزائريين".

وبرغم أن هذا المنحى الاتصالي، صبّ على الرئيس تبون جملة من الانتقادات، إلا أنّه حسب لمجد في حديثها لـ "الترا جزائر"، وفّر لقطاع غالب من الجزائريين، بعض الأجوبة عن أفق خطط الإصلاح السياسي والدستوري، التي ينوي الرئيس تنفيذها، علاوة عن تساؤلات اجتماعية واقتصادية، تظلّ في دائرة اهتمامات المواطن البسيط، على حدّ تعبيرها.

 يمثل هذا الشكل الاتصالي للرئيس تبون، حالة إنهاء قطيعة بين مؤسّسة الرئاسة والإعلام

كما يمثل هذا الشكل الاتصالي للرئيس تبون، "حالة إنهاء قطيعة بين مؤسّسة الرئاسة والإعلام، دامت عقدين من الزمن، لم يُجر فيهما الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أي حوار لوسائل إعلام محلية، غير أن ذلك لا ينفي أن طريقة التواصل بين رئيس الجمهورية والشعب، عليها أن تكون محدّدة بمقتضى الواقع الاجتماعي والسياسي، الذي تفرضه المستجدات في ظلّ استمرار الحراك الشعبي، وبقاء التعتيم عليه، وتحوير مطالبه في وسائل إعلامية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لقاء الرئيس بالصحافة.. القمعُ صوتًا وصورة

اللّقاء التّلفزيوني الأوّل لتبّون.. سلطة الرّداءة