01-يناير-2021

نفق غمرته المياه في الجزائر العاصمة سبتمبر 2020 (تصوير: مصعب رويبي/الأناضول )

طرحت الفيضانات التي عرفتها ولاية جيجل شرق الجزائر بداية الأسبوع الماضي، عدّة تساؤلات حول جدية الحكومة في معالجة النقاط السوداء الأكثر تعرضًا للفيضانات مع هطول أولى قطرات الأمطار، ومدى فعالية المخطط الوطني للوقاية من الفيضانات التي تحدّثت عنه الحكومات المتعاقبة، والذي سرعان ما يسقط في الماء مع أولى جريان للسيول، سواءً في شمال البلاد أو جنوبها.

رغم مرور 19 سنة عن فيضانات باب الواد بالعاصمة الجزائر إلا أن الظاهرة ما زالت تتكرّر 

ورغم الخسائر البشرية والمادية التي تخلّفها السيول كل عام في الجزائر، إلا أن تعاطي السلطة مع هذه الكارثة الطبيعية، يبقى دون المنتظر رغم تكرّرها لمرّات عدة خلال العام الواحد.

اقرأ/ي أيضًا: مصالح الأمن تباشر تحقيقات حول الفيضانات الأخيرة

جيجل تغرق

عاش سكان ولاية جيجل بداية الأسبوع الماضي، ساعات عصيبة بعد أن غمرت السيول شوارع المدينة وبعض منازلها، وتسببت في اهتراء بعض الطرقات، إثر هطول أمطار بلغت كميتها 160 مليمترًا خلال ساعات، حسب مصالح الأرصاد الجوية.

وجرفت سيول وادي القنطرة بعد فيضانه عديد المركبات، كما تسببت في انهيار الجسر المار به، ما أدى إلى توقف حركة السير بالمنطقة. أما ببلدية الطاهير، فقد أدى فيضان وادي تاسيفت إلى غمر المياه لعديد المنازل وتضرر تلك المحاذية له، ما أرغم سكانها على مغادرة بيوتهم خلال تلك الليلة الماطرة.

ولم يختلف المشهد كثيرًا في باقي المناطق القريبة، وفق ما وثقه مواطنون نشروا فيديوهات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي، لإظهار حجم الكارثة التي شهدتها الولاية في بداية هذا الأسبوع.

وحسب وزارة الموارد المائية، فقد سجلت بالخصوص مدينة الطاهير "خسائر معتبرة في الأملاك، بسبب الفيضانات التي شهدتها لكن دون تسجيل خسائر بشرية".

وحاولت الحكومة تدارك الوضع، بتقديم وعود للتكفل بالمتضرّرين، فقد أرسل وزير الموارد المائية، أرزقي براقي، لجنة وزارية إلى الطاهير للوقوف على حجم الأضرار، وبموجبها تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية والعملية من أجل احتواء الوضع ومعالجة الخسائر التي خلفتها الفيضانات.

865 موقع خطر

حسب وزارة الموارد المائية، صادقت الحكومة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على تجسيد خطة برنامج من أجل التكفل بـ 865 موقع مهدّد بالفيضانات حسب درجة الخطورة، تتمثل في 112 موقع ذات مخاطر عالية جدا، و296 موقع ذات مخاطر عالية، و457 موقع ذات مخاطر نسبية إلى ضعيفة.

وتضمّنت هذه الخطة وضع أنظمة التنبؤ بالفيضانات، وإنشاء بنيات تحتية للحدّ من خطورة الفيضانات، وتحديد أنظمة إدارة الأزمات الناتجة عنها، ووضع برنامج تحسيسي وتوعوي لفائدة المواطنين المتمركزين في المناطق المهدّدة بالفيضانات.

غير أن هذه الإجراءات لن تمسّ جميع المناطق المصنفة في خانة المهددة بالفيضانات، إذ أن "تجسيد هذه الاستراتيجية المسطرة سيتم تدريجيًا، بدءًا بالمناطق الأكثر تهديدًا ثم الأقل تهديدًا، حسب التصنيف المسطر وذلك إلى غاية 2030".

وعود لم تتجسد

غير أن الالتزامات التي قدمتها الحكومة الحالية لا تختلف كثيرًا عن تلك التي أعلنتها حكومات سالفة، ولم تتجسّد وعودها وإجراءاتها على أرض الواقع، بل إن البعض يرى أنّ الأمر يزداد سوءًا بعد كل عام؛ فرغم مرور 19 سنة عن فيضانات باب الواد بالعاصمة الجزائر التي حدثت في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2001، وأدّت إلى وفات مئات الأشخاص، لا تزال الجزائر إلى اليوم لم تتخلّص من هذه المآسي حتى ولو كانت بدرجات أقلّ بكثير.

وبالنظر إلى تصريحات مسؤولي وزارة الموارد المائية، يظهر أن عدد النقاط السوداء المعنية بخطر الفيضانات في ارتفاع وليس في انخفاض، ما يجعل حديث السلطات عن جهد للحدّ من هذا الخطر محلّ شكّ شعبي.

 ففي الـ 15 من شهر كانون الثاني/جانفي 2020، نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن  زياني نورة، مسؤولة بوزارة الموارد المائية، قولها إنه قد تم "إحصاء 689 موقعًا مهدّدًا بخطر الفيضانات، موزّعًا عبر مختلف ولايات الوطن بسبب تسجيلها لحوادث مماثلة خلال سنوات مضت، وهي النتائج التي أسفرت عنها دراسة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفيضانات التي موّلت من طرف الاتحاد الأوروبي وهذا في إطار التعاون الجزائر-الاتحاد الأوروبي- برنامج دعم قطاع الماء والتطهير"، في حين يتحدّث الإحصاء الجديد للوزارة عن 865 موقعًا خطرًا.

وكشفت زياني وقتها أنه قد تمت حتى شهر كانون الثاني/جانفي 2020، "معالجة 200 كلم من الوديان العابرة للمناطق الحضرية، من أصل 700 كلم معنية بهذه العملية"، ما يعني أنه من المفروض أن تكون المسافة قد تقلّصت بعد مرور 11 شهرًا عن هذا التصريح، لكن حوادث السيول التي تتكرّر في البلاد صيفًا وشتاءً تجعل خطابات الحكومة فاقدة للمصداقية لدى مواطنين، يشهدون عجز حتى على تنظيف بالوعات الشارع.

كان من المفروض أن تكون فيضانات جيجل فرصة للسلطات لأن تظهر جهودها في التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية

في الأخير، كان من المفروض أن تكون الأمطار التي تهاطلت على جيجل مؤخّرًا، فرصة للسلطات لأن تظهر جهودها في التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية، إلا أنه كانت حادثًا جديدًا ليذكرنا بما عاشته العاصمة في شهر أيلول/سبتمبر 2019، وتمنراست سنة 2016، والطارف في 2018 وغيرها من المدن التي تبقى معظمها غير مستعدة لمواجهة تغيّرات الطقس مهما كانت قوّتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأرصاد الجوّية تواصل تحذيراتها.. الفيضانات تفتح جراح "السبت الأسود"

رحلة متطوّعين إلى جانت.. 40 ساعة بين الواقع وأخبار التلفزيون