01-سبتمبر-2024
(الصورة: دويتش فيله)

(الصورة: دويتش فيله)

مع بداية أيلول/سبتمبر موعد الدخول المدرسي، يعود موضوع وزن الحقيبة المدرسية وما يشكّله من خطر على صحّة التلاميذ وسلامة عمودهم الفقري إلى واجهة النقاشات، إذ يحمل بعضهم أثقالًا تفوق طاقة أجسادهم الطرية، ولكنهم مضطرون إلى ذلك ما دامت المناهج المقررة تتطلب هذا الكم من الكتب، فماهي خطورة ذلك على صحتهم وكيف يمكن إيجاد حلول لتخفيف العبء؟

الدكتور شمون بلقاسم لـ "الترا جزائر": تسبب المحفظة الثقيلة صعوبة في التنفس لأنها تضغط على الرئتين وتجعل التنفس صعبًا خاصّة عند الأطفال

بالرغم من ترتيبات وزارة التربية الوطنية المتعلقة بتخفيف ثقل المحفظة المدرسية وتوفير الكتب المدرسية لجميع التلاميذ في الأطوار التعليمية الثلاث، خاصة في الطور الابتدائي، يبقى هذا الإشكال مطروحًا بقوة من جانب منظمات أولياء التلاميذ، في ظل التأخر في تطبيق بعض الإجراءات خاصة ما تعلق بتعميم استعمال اللوحات الرقمية التي يمكنها أن توفر البديل.

وأقرت وزارة التربية بعض الإجراءات من بينها استعمال الكتب داخل المؤسّسة التعليمية لعدة سنوات، وهذا في إطار إجراءات تخفيف المحفظة في التعليم الابتدائي لإعادة استعمالها خلال السنة الدراسية القادمة، حيث يقتصرُ استعمالها في داخل القسم فقط ولا ينقلها التلاميذ معهم إلى المنزل وتخزينها داخل أدراج مخصّصة توفرها المؤسسات التعليمية.

مشكلة

وليس هذا المشكل مقتصرًا على الجزائر، فهو يطرح في عدة دول بعضها تمتلك نظامًا تعليميًا متطورًا، إذ لفتت دراسة أجريت في مالطا على طلاب تتراوح أعمارهم بين 8 و13 عامًا، تبين أن أكثر من 70% منهم يحملون حقائب تتجاوز الوزن الموصى به، مما أدى إلى معاناة 32% من هؤلاء الطلاب من آلام في الظهر.

وتكرّرت المشكلة في دول أخرى، مثل أوغندا، حيث أظهرت دراسة أن 30.8% من الطلاب يحملون حقائب تتجاوز 10% من وزن أجسامهم، مما تسبب في انتشار مشاكل عضلية هيكلية قد تتطوّر إلى تشوهات في العمود الفقري.

وتؤكّد توصيات منظمات صحية دولية مثل الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال ومنظمة الصحة العالمية على أهمية تخفيف وزن الحقيبة المدرسية وتوعية أولياء الأمور والمعلمين حول الإجراءات المناسبة لتعزيز صحة الطلاب وتحسين تجربتهم التعليمية.

لهذا السبب، تبنت بعض الدول إجراءات فعالة، مثل تركيب خزائن في المدارس واستخدام الكتب الرقمية. أما في إيطاليا مثلًا، فقد تم وضع إرشادات صارمة تحدد الوزن المسموح به للحقائب المدرسية، واعتمدت دول مثل فنلندا وسنغافورة على الموارد الرقمية في التعليم لتقليل العبء البدني على الطلاب.

أضرار في بدايات النمو

قال الدكتور شمون بلقاسم، طبيب مختصٌ في جراحة العظام والمفاصل بالجزائر العاصمة، إنّه لا ينبغي التهاون فيما يتعلق بالآثار الصحية للمحفظة المدرسية الثقيلة على صحة الطفل والمراهق خلال المسيرة الدراسية.

وأوضح الدكتور في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنّ حمل حقيبة مدرسية ثقيلة بشكل متكرّر يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية على الصحة، خاصة عند الأطفال والمراهقين الذين لا تزال عظامهم وعضلاتهم في طور النّمو، ومنها آلام في الظهر والرقبة والكتفين وهي أكثر الأعراض شيوعًا.

كما يتسبب وزن الحقيبة – حسب المختص- في شدّ العضلات والأربطة في المناطق المذكورة، فضلًا عن تشوهات وانحناءات  في العمود الفقري، ممّا يؤثّر على المظهر ووظيفة العمود الفقري، كما تسبب المحفظة الثقيلة صعوبة في التنفس لأنها تضغط على الرئتين وتجعل التنفس صعبًا خاصّة عند الأطفال الصغار.

بالإضافة إلى مشاكل في الهضم بسبب الضغط على الجهاز الهضمي مثل حرقة المعدة والإمساك، والإحساس بالتعب وإرهاق بشكل عام بسبب حمل وزن إضافي بشكل يومي، وهذا يقلل من الطاقة والنشاط، ومشاكل في التوازن والوقفة حيث يؤدي حمل الحقيبة بشكل غير متوازن إلى مشاكل في التوازن والوقفة ويزيد من خطر السقوط.

وأضاف المختص، أن هناك سنٌّ معينة تكون أكثر عرضة للآثار الصحية الناجمة عن حمل حقيبة مدرسية ثقيلة، فالأطفال الصغار هم أقل قدرة على حمل أوزان ثقيلة مقارنة بالأطفال الأكبر سنًا والمراهقين في مرحلة النمو السريع حيث يزداد وزن الجسم بسرعة مما يزيد من الضغط على الظهر والعمود الفقري.

وترجع أسباب ذلك إلى أنّ الهيكل العظمي والعضلي لا يزال في طور التكوين مما يجعلها أقل قدرة على تحمل الأوزان الثقيلة، بالإضافة إلى أن مركز الثقل يتغيّر مع النمو مما يجعل حمل الأوزان الثقيلة أكثر صعوبة على التوازن والوقفة الصحيحة.

وخلال فترات النمو السريع، يحتاج الجسم إلى طاقة إضافية، وحمل حقيبة ثقيلة قد يزيد من التعب والإرهاق.

كما أكد الطبيب أنه لا يوجد علاقة بين ثقل الحقيبة المدرسية والنمو البدني للطفل بشكل عام وإنما يقتصر خطرها على صحة الجهاز العظمي والعمود الفقري بشكل خاص وهناك علاقة تناسب بين وزن الحقيبة وخطرها على الصحة حيث أنه كلما زاد وزن الحقيبة، زاد الضغط على الجسم، وبالتالي زاد خطر الإصابة بآلام الظهر، الكتف والرقبة، ويختلف الخطر من طفل لطفل حسب الوزن والسن ووزن الحقيبة.

الوزن المثالي للحقيبة

لتجنّب آلام الظهر والكتف والرّقبة الناتجة عن حمل حقائب ثقيلة، نصح الجراح شمون بالحرص على توزيع الوزن بشكلٍ متساوٍ، باستخدام كلا من حزامي الكتف لتوزيع الوزن بالتساوي بين الجانبين، ووضع الأغراض الثقيلة بالقرب من الظهر، واختيار حقيبة ذات أحزمة مبطنة وعريضة لتقليل الضغط على الكتف.

كما دعا إلى التأكد من أن الحقيبة تحتوي على مساحة كافية لتوزيع الأغراض بشكل متساوٍ، بالإضافة إلى تجنب حمل أغراض غير ضرورية، واستخدام حقيبة ظهر بدلًا من حقيبة يد خاصة في حال وجود الكثير من الأغراض، وأخذ فترات راحة متكررة لوضع الحقيبة وترك عضلاتك ترتاح، والحفاظ على وضعية جيدة خلال حملها بالحفاظ على الظهر مستقيمًا ورأس مرتفع.

وعن مواصفات الحقيبة المدرسية المثالية لضمان سلامة وصحة التلميذ، أكّد المختصّ على ضرورة ألا يتجاوز وزن الحقيبة 10-15% من وزن الطفل وأن يتناسب حجم الحقيبة مع حجم الطفل وقدرته على حملها، وأن تكون الأحزمة مبطنة وعريضة لتوزيع الوزن بشكل متساوٍ على الكتفين.

كما يُفضّل أن تكون الحقيبة مزودة بحزامين للكتف وحزام صدر إضافي لتثبيت الحقيبة بشكل أفضل، وأن تكون الحقيبة مصنوعة من مواد خفيفة ومتينة مثل النايلون أو البوليستر.

وفضلًا عما سبق ذكره، من الضروري أن تحتوي الحقيبة على جيوب داخلية لتسهيل تنظيم الأغراض وتجنب ثقلها في مكان واحد، وأن يكون ظهر الحقيبة مبطنًا ومسندًا للظهر لتوفير الراحة والدعم، وكما يمكن اختيار حقائب مزودة بعجلات للأطفال الأكبر سنًا الذين يحتاجون لحمل كتب ومستلزمات دراسية ثقيلة.

مراجعة طبيب مختص

ونصح الطبيب بضرورة استشارة طبيب متخصص بشكل خاص عندما تواجه الطفل مشكلة متعلقة بوزن الحقيبة وتسبب له أعراضًا مزمنة أو متفاقمة، مثل آلام مستمرة في الظهر، الكتف، أو الرقبة لفترة طويلة، وتدهور في الحالة الصحية مثل صعوبة في الحركة أو فقدان القدرة على القيام بأنشطة يومية.

لتجنّب آلام الظهر والكتف والرّقبة الناتجة عن حمل حقائب ثقيلة، نصح الجراح شمون بالحرص على توزيع الوزن بشكلٍ متساوٍ

كما ينصح مراجعة الطبيب بالنسبة للأطفال إن لازمتهم أعراض إضافية مثل التنميل، الوخز، أو ضعف العضلات، وعند عدم الاستجابة للعلاج المنزلي البسيط مثل الراحة، الكمادات الباردة أو الدافئة، أو الأدوية المسكنة المتاحة دون وصفة طبية.