23-أغسطس-2022
شباب يصورون مخلفات حرائق الغابات بولاية الطارف (الصورة: Getty)

شباب يصورون مخلفات حرائق الغابات بولاية الطارف (الصورة: Getty)

مدينة هادئة وأهلها غارقون في يومياتهم، البعض منهم من كان منشغلًا بلقمة العيش ومنهم من كان يتحدّث عن كونهم منسيّون في جغرافيا هذه البلاد، كان ذلك في السّابق قبل "الأربعاء الأسود"، واشتعال نيران الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس، واختِفاء الحياة في عديد المناطق في ولاية الطّارف، وسوق أهراس شرق الجزائر.

حرائق الغابات بالشرق الجزائري كشفت عن مستوى التهميش والإهمال في هذه القرى المنسية 

في الطريق بين مدينة بوثلجةوالطارف لا شيء يوحي بأن التنمية التي يتحدث عنها الوزراء في اجتماعاتهم وتذيعها القنوات التلفزيونية قد وصلت إلى هنا، والأمر ليس بالهين لإطلاق الأحكام فقط إذ عدد البعض من المسؤولين أسباب كثيرة أوصلت هذه القرى المعزولة إلى ما وصلت إليه اليوم، وكأن "النيران وحدها من ذكرتنا أن هناك قرى بائسة ومنسية في الجزائر".

الطبيبة نورة ضوايفية من مستشفى الطارف كشفت لـ"الترا جزائر" أن الحديث اليوم عن الولاية أو حتى الولايات المتاخمة للطارف كسوق أهراس وتبسة لا يمكن أن يحلّ مشاكل القطاع الصحي في مدن غائبة عن التنمية، موضحة أن الوضع منذ سنين "كارثي على عدة مستويات، غير أن الصحة أعلى هذه المستويات بالنظر إلى حاجة الناس اليوم إلى العلاج من الحروق ومن الهلع الذي لحق الآلاف من البشر".

تدرجت الطبيبة ضوايفية في مهنتها النبيلة منذ أكثر من 24 سنة عبر عدّة مناطق في الشرق الجزائري، هي عينة واحدة من عينات كثيرة يتحدثون عن إهمال لقطاع الصحة في ولاية الطارف، بل يصفونه بـ" القِطاع المعطوب".

ولا يُخفِي البعض في ولاية الطارف أن الحرائق ماهي إلا كارثة عرّت حقيقة الأوضاع في المناطق الداخلية للبلاد، حيث تنعدم الشروط والإمكانيات التي يمكن استغلالها لمواجهة أي حريق خاصة وأن المنطقة غابية بامتياز وألسنة اللهب توسعت أكثر مع هبوب الرياح.

وفي هذا المضمار طرح البعض مسؤولية مديرية الغابات عن فسح المجال لتشييد مسالك غابية التي يمكن بفضلها توغل فرق حراسة الغابات لحراستها كما يسهل من جهة أخرى فرق الدفاع المدني للوصول إلى مناطق وبؤر النيران بأكثر يسر وسرعة.

ظروف عيش معقّدة

الطارف صورة مصغرة عن الهشاشة التنموية في عديد المناطق الجزائرية، إذ كشف المهندس محمد بلقجون أن الأسباب التي أدت إلى انتشار النيران الكثيرة لا يمكن اختزالها بتوجيه سهام نحو جهة محددة بعينها، ولكنها في الوقت نفسه تعرّي الظروف السيئة التي يعيشها سكان مناطق ولاية الطارف، وهي صورة مصغرة عن عديد المناطق الجزائرية في ربوع الوطن.

وأضاف بلقجون (موظف تدرج في مهنته الوظيفية الهندسة المعمارية لسنوات طويلة) في تصريح لـ" الترا جزائر" أن القرى المعزولة هي المتضرر رقم واحد من مختلف الحرائق وسوء تسيير التنمية فيها، إذ يمكن أن تجد قرى لم يصلها بعد الغاز ولا الماء ولا يزورها مسؤول حتّى، إلا في حادثة أو كارثة.

وفي هذا السياق، لفت المتحدث إلى أنه من خلال تجربته في المجال وجب التذكير بالهشاشة العمرانية لعديد المدن والقرى الجزائرية التي باتت اليوم عبارة عن أحياء سكنية لا تراعي شروط العيش أيضًا.

مشاكل الولاية 

فضَحت الحرائق مدى الخلل الذي يعتري الإدارة المحلية، إذ علقت الأستاذة كريمة سعداني وهي موظفة في المركز الثقافي بالقالة التابعة إداريًا للطارف وتلقب بعاصمة المرجان أن " إدارة البلديات والمناطق الجهوية في كل ولاية كانت مبني على أساس سياسي يتصل دوما بالمركز، إذ لا يتحرك المسؤول في المجالس البلدية إلا بأوامر من فوق، أي من الجهة الأعلى منه منصبًا وليس من واجب ومسؤولية أخلاقية تفرض عليه من ثقة المواطنين التي منحوه إياها".

بالحديث عن المسؤولية المحلية، يجر البعض خيبة كبيرة بسبب ما حدث في المدينة التي تزخر بمحمية طبيعية وغابات وجبال وحدائق، إذ كشف البعض في هذه المدنية " المنسية" التي "أصبحت اليوم "جسدًا يقف على جرف هار"، كما وصفها أستاذ اللغة العربية عبد القادر سعدون، مشيرًا إلى أن المشكلات التي تعرفها الولاية وحتى مدن الشرق الجزائري المتاخمة للحدود التونسية تدفع بالمسؤولين إلى ضرورة تحمل مسؤولياتهم الكاملة أمام الشعب.

بلغة المواطن البسيط قال الأستاذ سعدون لـ" الترا جزائر" الحرائق ماهي إلا سبب فهنا  "وين تمسّ تلقى الوجع"، أي أين تذهب تجد مشكلات متراكمة وأنين المواطنين في بلد مازال العلاج فيه يتطلّب التنقّل إلى عنّابة أو قسنطينة أو إلى الجارة الشّرقية تونس.

الكوارِث تُحرّك المسؤولين

متى يزور المسؤولين المدن الداخلية دون أدنى سبب، لا حرائق ولا زلزال؟ ولماذا تظلّ ظروف الزيارات الرسمية متعلقة فقط بالحوادث دون غيرها؟ هذه الأسئلة تتكرر ولكنها فعليا تشير إلى القصور في توفير الظروف المعيشية الجيدة للمواطنين وتلبية مطالبهم وتحسين الخدمات المقدمة لهم.

ميدانيا، ذكرت الإعلامية حسينة بوالشيخ أن "المشاريع التنموية المهمة تولد مشوّهة"،داعية إلى أن تسلم لمسيرين أكفاء، لافتة إلى حديقة برابطية التي تعرضت لحريق كامل على سبيل المثال، مشددة على أنها مشروع مهمّ إذ تقع وسط غابات كثيفة وتقع أيضًا ضمن أراضي الحضيرة الوطنية للقالة المحمية وطنيًا وحتى دوليًا، غير أنها لا تُحترم فيها معايير السلامة".

وأضافت بن الشيخ قائلة، إنه المشروع مثل الحديقة التي يزورها الآلاف لا يمكن الاستسهال في تسييره إذ وجب أن يتوفّر فيه كل "الشروط وإجراءات السلامة والممرات الآمنة ووسائل إطفاء الحرائق تكون موجودة في كل مكان بالحديقة ورصد ميزانية لتوظيف أشخاص أكفاء".

ينادي متابعون بإعادة هيكلة مديرية الغاباب وتوفير المعدات التكنولوجية لمكافحة الغابات 

في وقت تعكف الحكومة اليوم على تعويض وجبر أضرار الأشخاص في المناطق المتضررة، ولكن من يتوقع البعض أن يعاد تخطيط استباقي ضدّ الحرائق وحماية الغابات، يتضمن إعادة النّظر في هيكلة مديرية الغابات والعودة إلى العمل بنظام حراس الغابات الذي كان معمول قبل الأزمة الأمنية، وتوفير الوسائل لهؤلاء الحراس واستخدام التكنولوجيا في مراقبة الغابات.