غادر ناشطون وصحفيون السجن في الجزائر بموجب عفو رئاسي بمناسبة الاحتفال بالذّكرى الـ 70 لاندلاع الثّورة التحريرية، وسط آمال في أن يُمهّد هذا القرار لتحوّلات في سجّل السلطات وسياساتها تجاه الحريات السياسية والإعلامية.
يحظُر التّشريع الإفراج عن الأشخاص المحكوم عليهم لارتكابهم جرائم الإرهاب والتقتيل والقتل والتجسّس والتآمر ضدّ سلطة الدولة وسلامة ووحدة أرض الوطن
ووفق جرد لناشطين حقوقيين، ضمّت القائمة الأولى للمفرج عنهم بمناسبة عيد الثورة حوالي عشرون اسما منهم صحفيون ومدونون وناشطون اجتماعيون وسياسيون من بينهم: محاد قاسمي، وصفوان توفيق، والقاضي احسان، وعثمان محمد، وعمر فرحات، وسفيان غيروس، وسمير خنتوش، وتجاديت محمد الذي أفرج عنها قبل توقيفه مرات عدة، والعلوي مهدي، سعدي أحمد، وسفيان ربيعي، ورابح محروش الوافي، وعزان منور، وبوزيزة عبد الحميد، وحمزي فاتح، وشاوش وغيلاس وجابر بشيري.
انتظار وترقب
من المنتظر أن تتوسّع القائمة إلى أسماء أخرى تتوافق مع شروط القرار الرئاسي باستثناء المدانون بتهمة الانتماء إلى تنظيمي رشاد وحركة الماك الداعية لانفصال لمنطقة القبائل المصنفتين في القائمة الوطنية للكيانات الإرهابية من لائحة المفرج عنهم.
وفي هذا الإطار، يحظُر التّشريع الجزائري الإفراج عن الأشخاص المحكوم عليهم لارتكابهم جرائم الإرهاب والتقتيل والقتل، والتجسّس، والتآمر ضدّ سلطة الدولة وسلامة ووحدة أرض الوطن، تزوير المحررات الرسمية والعمومية، وجرائم الانتحال، الضّرب والجرح العمدي المُفضي إلى عاهة، الاعتداء على الأصول أو القُصّر، الفعل المخلّ بالحياء والاغتصاب، والاختطاف، الاتّجار بالبشر أو بالأعضاء.
كما يحظُر القانون أيضاً، الإفراج عن المنخرطين في عصابات الأحياء، وجريمة الاعتداء على موظفي ومؤسسات الدولة وموظفي الصحة، والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات إذا كانت تستهدف الدفاع الوطني، أو الهيئات أو المؤسسات الخاضعة للقانون العام، تهريب المهاجرين.
بالإضافة إلى جرائم المخدرات بكل أصنافها، وجرائم التهريب والفساد، وجرائم الصرف وحركة رؤوس الأموال، جُنح وجنايات تكوين جمعية أشرار، والسرقات والسرقات الموصوفة المقترنة بالعنف والتهديد والمسبوقين قضائيا، المحكوم عليهم نهائيا في باقي جنح السرقات، تزوير النّقود، جرائم التمييز وخطاب الكراهية، جرائم الغشّ والتدليس والاحتكار والمضاربة غير المشروعة في السلع وكذا مرتكبي الجرائم، المعاقب عليها في قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
وفي هذا السياق طالب المحامي والحقوقي عبد الغني بادي السلطات بالكشف عن تفاصيل نص المرسوم الرئاسي الخاص بالعفو الذي أعلنت عن عنه السلطات الخميس 31 تشرين الأول أكتوبر وكتب المحامي الذي رافع عن عشرات الموقوفين، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي" أعطونا تفاصيل مرسوم العفو حتى يرتاح الناس .. الناس قضت الليلة عند أبواب السجون".
في حين دعت المحامية فتيحة رويبي عضو فريق الدفاع عن الموقوفين المحامين لتقديم طلب الإفراج عن أي سجين رأي لم يتم الإفراج عنه، حتى لا يستثنى أحدا، وقالت إنّه استناد إلى شهادة سجناء مفرج عنهم أنّه يوجد وسط الذين أفرج عنه من تمت إدانته بحكم نهائي، ومنهم من لا زال الحكم أو القرار غير نهائي في حقه".
توقيت حساس
علمت "الترا جزائر" من مصادر حقوقية أن قرار العفو عن النشطاء كان قيد الإعداد منذ فترة، غير أنّ قائمة المفرج عنهم كانت محلّ خلاف داخل السلطة عطّلت العملية، وإلى هنا يمكن طرح تساؤلات؛ هل ستمضي السلطة قدما في سياسة انفتاح سياسي وإعلامي عميق؟ وهل ستكتفي بقرار الإفراج مثلما تم في 2022 حيث تم الإفراج عن 44 موقوفا تحت مسمى إجراءات التهدئة؟.
وفي هذا الصدد لفتت المحامية بوروبي بأنّ قرار العفو الرئاسي "يمسّ المدانين بأحكام نهائية، أمّا الإفراج عن المتابعين أو المدانين بأحكام غير نهائية فهو إفراج مؤقت وتستمر محاكمتهم عند برمجتها ".
وواجهت السلطات -التي ظلت لوقت قريب تنكر بشدة وجود سجناء رأي في الأشهر الأخيرة- انتقادات غربية ومن منظمات ومقرري الأمم المتحدة، كما كانت تستقبل الاستفسارات من هؤلاء المقررين حولهم؛ أحدثها تتعلّق بحالة المغنية الهاوية جميلة بن طويس التي أدينت بالسجن بمدة عامين، وذلك بموجب المادة 87 مكرّر من قانون العقوبات بتهمة "الانتماء إلى جماعة إرهابية تعمل داخل البلاد وخارجها" وتهمة "المساس بسلامة وأمن الدولة" و"التحريض على التجمعات غير المسلحة".
كما طالبت عدة أصوات في الكثير من المناسبات بإدخال إصلاحات على التشريعات التي تحدّ من حرية التعبير والتجمع، بالإضافة إلى رفع القيود على المعارضة والمنظّمات الحقوقية حيث جرى حظر حزبيين مقربين من الحراك الشعبي وجمعية للدفاع عن حقوق الانسان.
ارتياح ومطالب
تلقّت القوى المعارضة هذه الخطوة بالترحيب وهي التي كانت تطالب بالإفراج عن هؤلاء المساجين، وإلغاء الملاحقات القضائية والأمنية في حقهم.
بالنسبة لحزب العمال المعارض ثمّن هذا القرار، وقال في بيان له صدر الجمعة 1 تشرين الثاني/ نوفمبر إنّ هذه الخطوة "وضعت حدا لمعاناة عائلات مئات المناضلين والمناضلات والنّشطاء والصحفيين".
وناشد الحزب رئاسة الجمهورية من أجل إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وغيرهم من من وصفهم بـ"ضحايا الأحكام القضائية غير العادلة كونها غير مؤسّسة".
وأعرب حزب العمال الذي ترأسه لويزة حنون، عن الأمل في أن يتبع هذا القرار إجراءات أخرى لاستعادة الظروف العادية لممارسة السياسة والحريات النقابية والجمعوية وحرية الصحافة"ّ.
من جهته؛ أكد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية على ارتياحه الكبير لهذه الخطوة التي اتخذتها السلطات، كما أشاد في بيان له بشجاعة المفرج عنهم خلال المحن القاسية التي عاشوها خلال السجن.
واعتبر الحزب بأنّ هذه المبادرة الإيجابية "مقدمة للأمل في مستقبل تسوده الحرية والنّقاش الحرّ والحوار الصادق والبناء مع الجزائريين وفيما بينهم لإخراج البلاد من المأزق".
وفي السياق ذاته؛ وصف رئيس حزب التجمع من الثقافة والديمقراطية الأسبق محسن بلعباس في تدوينة له على مواقع التواصل الاجتماعي قرار العفو بـ"خطوة إلى الأمام على طريق العدالة لكنه لاحظ أن أصوات أخرى تبقى محرومة".