06-يوليو-2019

بابلو بيكاسو/ Getty

هل صحيح بأنّ الجزائري لا يقبل النقاش؟ وهل هناك تصوّر واضح لمعنى احترام رأي الآخر؟ يقدّم لنا الفايسبوك معطيات نفسية وسوسيولوجية في غاية الأهميّة عن علاقة الجزائري بالنقاش، وباحترام الآراء المختلفة.

يصل الجدل الذي يتفجّر بين الفايسبوكيين حول قضايا معينة إلى درجة التراشق بالكلمات النابية

صار الفايسبوك اليوم خزاّنا حقيقيًا يمدّنا بالكثير من الحقائق التي قد لا نراها واضحة في الواقع. إني أقرأ حجم الجدل الذي يتفجّر بين الفايسبوكيين حول قضايا معينة، يصل إلى درجة التراشق بالكلمات النابية، و إلى درجة الإقصاء المتبادل، حتى نحسب بأنّ الجميع هم على حقّ وعلى خطأ في الوقت ذاته.

اقرأ/ي أيضًا: ما يحدث في الجزائر.. واقع أم منام؟

هل نستطيع أن نتصوّر مجتمعًا مدنيًا لا توجد به أدنى شروط احترام حقّ الفرد في التعبير عن أفكاره دون أن يتعرّض للشتم أو الإقصاء أو التشويه أو حتى القتل؟ من هنا يبدأ بناء المجتمع الجديد، فلبنته الأولى هي الفرد الحرّ، الذي يتكلّم ويفكّر دون أن يقع تحت وصاية أحد.

 أوروبا نهضت من كبوتها التاريخية منذ لحظة ميلاد الفرد. إننا نسينا من فرط تفكيرنا في أيّ شيء الاهتمام بما هو أساسي ألا وهو الفرد. إننا إلى اليوم مازلنا تحت رحمة القبيلة أو العشيرة أو الدشرة. مازال صوت الجماعة يسكننا، فغاب عنها –أيّ الجماعة - صوت الفرد الذي لا يمكن أن يكون دائمًا على وفاق وانسجام مع هذا الصوت الجمعي.

ألم ينبهنا الناقد الروسي ميخائيل باختين إلى أنّ البوليفونية، كـ حالة موسيقية، هي توليفة بين أصوات مختلفة، بدرجات صوتية وايقاعية متباينة جدا؟ إن المجتمع المدني الذي أحلم به هو من هذه الطبيعة البوليفونية، بحيث لكل فرد صوته الخاص الذي يصدح به، فنكون أمام سمفونية صوتية تخلق في اختلافها الهارومنيا الاجتماعية.

ما نقصده بالفرد هو ما يمثله من ملكات التفكير والتخييل والابداع، أمّا كرامته فتكمن في حرّيته؛ إنها ملكات تجعله متميزًا ومتفرّدًا عن غيره، فهو خُلق ليس لأجل أن يعيش حياته كما تعيش الكائنات الطبيعية الأخرى، بل لكي يبدعها كذلك، ويجعلها تتجاوز جوهرها الطبيعي إلى أفق حضاري وثقافي وإنساني.

للأسف نحن ننتمي إلى منظومات اجتماعية لا تؤمن بالفرد، بل إنّ نظامها الاجتماعي قائم على وضع المتاريس التي تحول بينه وبين اكتشاف ملكاته الخلاقة. بدءًا من الأسرة التي تتدخّل حتى في تحديد أذواق الأطفال، إلى المدرسة التي انحرفت عن وظيفتها الحقيقية المتمثلة في تطوير ملكات الأطفال فأصبحت تقتل فيهم تلك الملكات، وصولًا إلى المؤسّسات الاجتماعية الأخرى التي نادرًا ما تؤمن بالقدرة الإبداعية للأفراد.

الشاب الذي يتقدّم مثلًا بملف للتوظيف لا يُسأل عمّا يمكن أن يقدمّه من أفكار للمؤسّسة التي تقدّم بطلب التوظيف فيها، بل ينوب عنه ملف أصمّ، كثيرًا ما يُلقى في سلة المهملات ويطلب من الشاب خبرة عشر سنوات لكي يُسمح له بالتوظيف في المؤسّسة. فالجميع ينظرون إليه بأنه شخص قاصر وغير قادر على أن يقدّم أفكارًا جديدة.

الخروج من عصر ممارسة الوصاية والميثولوجيا الجمعية يتطلب الاهتمام بقضية الفرد باعتباره رأس مال المستقبل

إنّ من فرط انشغالنا بالقضايا، نسينا أنّ القضية الأساسية هي " الفرد "؛ إنّه رأسمال المستقبل من أراد فعلاً أن يخرج من عصر الوصايات والميثولوجيات الجمعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مثقّفون جزائريّون يُقاربون الحراك السّوداني

الأقليّات.. أو مفتاح الحروب الطاحنة