هذه الصبيحة لم يكن مرزاق، الشهير بـ"عمي مرزاق"، مفعمًا بالنشاط والحيوية، بل متثاقل وهو منخرط في ترتيب الكتب والمجلات. يمتهن مرزاق بيع الكتب في الفضاء المفتوح منذ نحو 15 عامًا، دفعه الشغف بالقراءة إلى أن يكون بائع كتب.
وفقًا لأحد بائعي الكتب، زاد الإقبال على شراء الكتب التي تتناول الثورات وأحداث التغيير السياسي حول العالم
غير بعيد عن ساحة البريد المركزي بالعاصمة الجزائر، حيث ميدان التجمعات ومعلم الحراك الشعبي الأبرز، يبسط عمي مرزاق بسطته لبيع الكتب المنتقاة.
اقرأ/ي أيضًا: المثقفون والفنانون الشباب.. روافد الحراك الشعبي في الجزائر
"المواطن مرهق نفسيًا"
"موسم الربيع من بين الفصول الأكثر إقبالًا على المطالعة، خاصة الروايات والمجلات، وبعض الأبحاث التي يحتاجها الطلبة نهاية السنة. لكن منذ انطلاق الحراك الشعبي لاحظت تراجعًا كبيرًا في القراءة، حتى الزبائن الأكثر وفاء تراجع توافدهم على المكان"، يقول بائع الكتب العتيق المنحدر من حي باب الوادي العتيق.
ولدى عمي مرزاق تفسير لهذا التراجع في مبيعات الكتب، إذ يقول: "بيئة القراءة هي الطمأنينة والراحة، والحراك أنتج حالة من اللا استقرار بطبيعة الحال".
وخلال حديث مرزاق مع "الترا جزائر"، تدخل أحد الزبائن معلقًا: "القارئ اليوم انصرف إلى متابعة الشأن السياسي، فهو يتابع سير الأحداث المتسارعة، يتابع القنوات الفضائية التلفزيونية".
كما لم ينسَ الزبون الذي لم نتعرف على اسمه، أن يلفت إلى "الاستهلاك المفرط، بل تضييع الوقت، في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت بديلًا عن القراءة والمطالعة"، ومضيفًا أخيرًا أن "المواطن مرهق نفسيًا وفكريًا جراء الأحداث السياسية".
زيادة مبيعات كتب السياسة على حساب الأدب
من جهته قال رضا، وهو بائع كتب شاب، إن اهتمام القراء زاد بالكتب السياسية في الآونة الأخيرة، وإن جاء ذلك على حساب بعض العناوين الأدبية.
لكن رضا يرفض الربط الذي أقامه مرزاق بين الحراك وقلة القراءة، قائلًا: "من الصعب إقامة علاقة بين الحراك الشعبي وحركة القراءة، فلا تتوفر لدينا معطيات كافية خاصة بهذا الشأن".
بل ويذهب لأبعد من ذلك، وهو صاحب بسطة كتب في نفس المنطقة التي يبيع فيها عمي مرزاق، فيقول إن الإقبال على ساحة البريد المركزي انعكس إيجابًا على حركة نشاطهم التجاري: "صحيح هناك إقبال محدود على العناوين الأدبية، وخصوصًا الرواية، لكن سجلنا توافد زبائن جدد للكتب السياسية".
ووفقًا لرضا تأتي العناوين الخاصة بالثورة الفرنسية وثورات الربيع العربي، وكتب القوانين والدساتير، في صدارة الكتب الأكثر مبيعًا في الآونة الأخيرة.
ثم حدث أن عزز الواقع حديث رضا، لمّا جاء زبون يسأل عن عناوين في الفلسفة السياسية. سأله "الترا جزائر" عن سبب اهتمامه، فقال: "أنا طالب جامعي، وما يحدث في البلاد يدفع بي للقراءة لمحاولة فهم ما يحدث بأبعاده وانعكاساته".
القراءة هربًا من الضغوط
وباستطلاع توجهات القراءة والاطلاع خلال هذه الفترة، تحدث "الترا جزائر" إلى مجموعة من الطلبة كانوا متجمعين في الشارع. تقول إحداهن: "الحراك ليس فقط مربك سياسيًا، وإنما أيضًا نفسيًا، فكانت القراءة كمحاولة للهروب من الضغط السياسيالمنعكس علينا جميعًا". هذه الطالبة تقول إنها لجأت في الآونة الأخيرة إلى قراءة الروايات البوليسية والرومانسية.
أما حكيم، وهو طالب ماستر في علوم الاقتصادي، فيقول: "التثقف سياسيًا سيكون إضافة هامة بالنسبة لي، سواءً كطالب أو ناشط في الحراك"، لذا فهو مهتم بالكتب والدراسات التي تتناول التحولات الديمقراطية في دول حول العالم، وخاصة في دول أوروبا الشرقية.
كما يتضح، زاد الحراك من الاهتمام بالمعرفة، وإن كان لكل مقام مقال، فمقام الاطلاع الآن على ما يبدو متعلق بالسياسة وتحولاتها
يتضح إذًا أن الحراك بالفعل قد أحدث حالةً من الارتباك كما قالت الطالبة، وقد يكون مردها إلى أنه حرر الفضاء العام وجعله مفتوحًا للتفاعل فيه بأشكال مختلفة. وإن كانت نسبة الاطلاع قد قلت لدى عمي مرزاق، فإن الاهتمام بالمعرفة زاد كما يتضح، وإن كان لكل مقام مقال، ومقام الاطلاع الآن على ما يبدو متعلق بالسياسة وتحولاتها.
اقرأ/ي أيضًا:
تداعيات الحراك الشعبي.. حلقات للنقاش الدستوري في الفضاء العام