12-يوليو-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فرانس 24)

تترقب مختلف الأوساط في الجزائر انعكاس فوز اليسار في الانتخابات التشريعية الفرنسية على العلاقات بين البلدين، وبالخصوص في حال ما استطاعت الجبهة الاجتماعية الظفر برئاسة الحكومة، بالنظر إلى أن حظوظها في ذلك تظل كبيرة، بالرغم من عدم تحقيقها الأغلبية المطلقة.

إذا كانت مختلف الأطراف في الجزائر استحسنت هزيمة اليمين المتطرف في التشريعيات الفرنسية، إلا أن هذا الاستحسان يبقى مرهونًا بالمواقف المستقبلية لليسار

وإذا كانت مختلف الأطراف في الجزائر استحسنت هزيمة اليمين المتطرف في الدور الثاني من التشريعيات الفرنسية، وعودة اليسار إلى تصدر المشهد السياسي في باريس، إلا أن هذا الاستحسان يبقى مرهونًا بالمواقف المستقبلية لليسار.

تفادي

تشكل خسارة اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية انتصارا للجالية الجزائرية بفرنسا التي تقدرها جهات غير رسمية بأكثر من خمسة ملايين، بالنظر إلى مواقف الحزب تجاه المهاجرين، ودعوته إلى اتخاذ مواقف متشددة ضد مزدوجي الجنسية، وهي مواقف تؤثر مباشرة على الجزائريين.

وكان موقف الجزائر واضحا تجاه اليمين المتطرف، حيث دعت عبر عميد المسجد  الكبير في باريس شمس الدين حفيز  أفراد الجالية الجزائرية والفرنسيين بغض النظر عن معتقداتهم إلى التصويت ضد اليمين المتطرف.

وقال حفيز "في هذه الأيام الحاسمة لمستقبل فرنسا، نقف صامدين مع مشروع الوحدة الوطنية، والتمسك بالعقيدة والجذور التي لن ننساها"، معتبرا مشروع الجبهة الوطنية واللغة السياسية التي يستخدمها مبنيان على العداء والخوف من المسلمين.

وبيّن أن المسلمين لا يمكن أن يكونوا "كبش فداء" لمشاكل المجتمع، وأن هذه المشاكل تنشأ عن أسباب أخرى.

ويرى أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة المدية ،الدكتور عبد الحكيم بوغرارة أنه لا أحد ينكر أن تصدر اليسار لنتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية ستكون له انعكاسات إيجابية على العلاقات الجزائرية الفرنسية، لأن هذا الفوز ساهم في تفادي مشاكل كان يمكن أن يحدثها فوز اليمين المتطرف برئاسة الحكومة والبرلمان.

 وقال بوغرارة إنه لو استطاع اليمين المتطرف أن يفوز بالدور الثاني من  الانتخابات البرلمانية الفرنسية كان سيتسبب في حدوث مشاكل في العلاقات التي تربط باريس بالجزائر، لأنه لم يكن يخف نيته في البحث عن تحالفات بعيدة عن الجزائر.

طمأنة

وأضاف بوغرارة أن صعود اليسار يقلل من المخاوف التي أطلقها اليمين بشأن المهاجرين، خاصة وأنه هدد بإلغاء اتفاقية ديسمبر 1968 للهجرة التي تربط الجزائر بفرنسا في هذا المجال.

وهدد اليمين المتطرف في حملته باتخاذ سياسة متشددة ضد المهاجرين، والجزائريين بالخصوص، من خلال الدعوة لمراجعة اتفاقية 1968.

وكان اليمين المتطرف عبر كتلة الجمهوريين التي تحالفت مع التجمع الوطني قد تقدمت قبل أكثر من عام بمقترح إلغاء اتفاقية 1968، إلا أن المقترح رُفض رغم تأييد نواب من التكتل الرئاسي له.

وكانت اتفاقية 1968 تسمح للجزائريين بالسفر إلى فرنسا ببطاقة تعريف فقط ودون جواز سفر ودون تأشيرات، إلا أنه تم تعديلها عام 1986 لتفرض حينها التأشيرة على الجزائريين، وذلك بعد التفجيرات التي نفّذتها حركة مجاهدي خلق في فرنسا، لتحدث تعديلات أخرى أعوام 1993 و1998 و2001 التي قلصت من الامتيازات التي كانت للجزائريين الموجودين بفرنسا، إلا أنها أبقت لهم الأفضلية في الحقوق مقارنة بباقي الدول خاصة المغاربية والعربية.

وتنص الاتفاقية بموجب تعديل عام 2001 على تسوية وضعية الجزائريين الذين يتزوجون برعية فرنسية أو أجنبية لها وثائق إقامة في باريس، وفق بند لمّ شمل الأسرة الذي يضمن لأفراد العائلة الحق في العلاج الصحي والوظيفة والتعليم، ومنح إقامة لمدة سنة قابلة للتجديد.

وتمكّن بنود الاتفاقية الجزائريين، مقارنة بباقي الأجانب، من الحصول على ما يعرَف بإقامة 10 سنوات بعد 3 سنوات من الإقامة، مقابل خمس سنوات في القانون العام الفرنسي، كما أنه بعد 10 سنوات من الإقامة بفرنسا -حال استطاع المعنيّ إثباتها- يمكن للجزائري الذي يوجد في وضعية غير قانونية الحصول آليًا على وثائق الإقامة.

كما تنصّ الاتفاقية على تسهيل منح الجنسية الفرنسية للجزائريين الذين وُلدوا في فرنسا وأقاموا بها لمدة تزيد عن 8 سنوات وتابعوا تعليمًا بمدارسها، ومن بنود الاتفاقية أن تمنح السلطات الفرنسية تفضيلات في التأشيرة والإقامة للطلبة والباحثين والفنانين والأدباء وكل من له صلة بالإبداع والتأليف إن كان يحمل الجنسية الجزائرية.

ولا ترفض الجزائر تعديل الاتفاقية من حيث الشكل، إلا أنها لا تقبل الغاية التي تستهدفها باريس، والتي ترمي إلى انتهاك حقوق المهاجرين الجزائريين، لذلك تصرّ على أن تكون أي مراجعة لهذه الوثيقة بالتشاور بين الطرفَين، وبما يتوافق مع المتغيرات الجديدة التي تسهّل تنقل الأشخاص لا تعقيدها وتصعيبها.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، خلال انعقاد الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى التي عُقدت في الجزائر، اتفق البلدان على إعادة تفعيل الفريق التقني الثنائي المكلف بمتابعة اتفاق 1968، من أجل إعداد الاتفاق التكميلي الرابع في الوقت المناسب.

ويساعد صعود اليسار في تأجيل مراجعة قوانين الهجرة في فرنسا، وبالخصوص للذين لا يحملون وثائق "الحراقة" بالنظر إلى أنه كان للمهاجرين دور كبير في عودة اليسار إلى الواجهة، فقد حظي حزب فرنسا الأبية عضو الجبهة الشعبية بدعم كبير من المهاجرين المغاربة والأفارقة.

وبين الدكتور حكيم بوغرارة في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن "نتائج الدور الثاني أعطت هدوء وطمأنية في العلاقات بين البلدين، كما أن فرنسا كانت مهددة بحرب أهلية لو فاز اليمين المتطرف الذي كان يرفع شعار فرنسا للفرنسيين".

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد عبر عن هذا الخطر بالقول إن "الحلول التي قدمها اليمين المتطرف تصنف الناس من حيث دينهم أو أصولهم، وهذا هو السبب في أنها تؤدي إلى الفرقة وإلى الحرب الأهلية".

وبحسب حكيم بوغرارة، فإن هذا الخطاب هو من جعل المهاجرين منهم الجالية الجزائرية يلعبون دورا في فوز اليسار، خاصة وأن خطاب رئيس حزب فرنسا الأبية، جان-لوك ميلانشون كان مدافعا عن حقوق المهاجرين المغاربة.

تأثير؟

ينتظر المتابعون للشأن الفرنسي في الجزائر والعالم مدى قدرة تصدر اليسار الفرنسي على التأثير على مواقف السياسة الخارجية الفرنسية التي تظل بعيدة عن حقوق الإنسان والعدل التي تتشدق بها باريس، وفي مقدمتها موقفها من الموقف الفرنسي، خاصة وأن ميلانشو وعد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال ترأس اليسار الحكومة، وهو موقف يتماشى والدبلوماسية الجزائرية التي طرحت على مستوى مجلس الأمن  مشروع قرار للاعتراف بالعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية بالأمم المتحدة.

ويترقب متابعون أيضا موقف اليسار من قضية الصحراء الغربية، خاصة وأن وزير الخارجية الفرنسية كان قد وعد خلال زيارته إلى الرباط بتشبث بلاده بالموقف الداعم للمغرب، وهو ما لا يتوافق مع موقف أصوات داخل اليسار الذي عرف منذ القدم وجود أعضاء داخله تدعم حركات التحرر مقارنة بباقي الأحزاب الفرنسية الأخرى.

ويمكن النظر هنا إلى عضو البرلمان الفرنسي عن  فرنسا الأبية ماتيلد بانو التي شاركت عام 2019 في مسيرة داعمة لـجبهة البوليساريو في باريس، ودعمت في تغريدة "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير."

ويضاف إلى هذا الحزب الشيوعي الفرنسي المنضوي تحت "الجبهة الشعبية الجديد"، الذي دعا إلى ضرورة منح "الاستقلال للجمهورية الصحراوية، ومنح الصحراويين حق تقرير مصيرهم."

لكن الدكتور حكيم بوغرارة يرى أنه من الصعب التعويل على اليسار في حسم قضايا كهذه، لأن اتخاذ القرار بشأن موقف باريس من عدة قضايا دولية لا يتعلق بحزب معين، إنما بما تقرره الدوائر الخفية لصنع القرار في فرنسا، والتي تتحكم فيها المصالح بعيدا عن الخطابات السياسية التي تطبع الحملات الانتخابية، لأن اتخاذ موقف واضح من قضيتي فلسطين والصحراء الغربية لا يمكن أن يفصل فيها ملانشو أو حتى ماكرون نفسه.

ويؤكد هذا الرأي التاريخ، لأن العلاقات الفرنسية الجزائرية كانت أحيانًا متوترة خلال حكم اليسار، سواءً في عهد فرانسوا هولاند الذي أقر التدخل العسكري في مالي، والذي جعل بقراره منطقة الساحل تعاني من حالة عدم الاستقرار لمدة تجاوزت العقد من الزمن، وهو الوضع الذي تزال الجزائر إلى اليوم تتحمل تبعاته الأمنية والإنسانية باعتبارها بلدا مجاورا.

والأمر ذاته، كان خلال حكم الرئيس السابق فرانسوا ميتران الذي كان علاقات البدين في عهده متقلبة، ولم تختلف سياسته عن سياسة باقي الرؤساء الفرنسيين تجاه الجزائر.

الدكتور حكيم بوغرارة  لـ "الترا جزائر" من الصعب التعويل على اليسار  لأن اتخاذ القرار بشأن موقف باريس من عدة قضايا دولية لا يتعلق بحزب معين، إنما بما تقرره الدوائر الخفية لصنع القرار في فرنسا

وبالنسبة للدكتور حكيم بوغرارة، فإن اليسار وإن كان أحسن من اليمين المتطرف، فإنه يبقى غير قادر على تغيير الكثير من الملفات المتعلقة بالعلاقات مع الجزائر، بالنظر إلى أن أغلب الملفات تفصل فيها الدولة العميقة، وكذا بالنظر لعدم امتلاك هذا اليسار الأغلبية التي تمكنه من سن القوانين التي يريدها، بالنظر إلى أن البلد منشغل بالأساس بمدى قدرة هذا التشكيل البرلماني الجديد على تحقيق التوافق الذي يسمح بسير مصالح البلاد.