على نحو ما يكرر عصام تاعشيت وأصدقاؤه الشبان من تعاونية اللمسة الثقافية، ما قامت به مجموعة من مثقفي ولاية باتنة، الواقعة شرقي الجزائر منذ خمسة عقود.
محافظ المهرجان لـ "الترا جزائر": قمنا بدعوة الممثل جوني ديب في طبعة سابقة ولكن الصفقة تعثرت بسبب خلافات حول طريقة الدفع
في العام 1969 أسس شبان مغامرون مهرجان تيمقاد الدولي، ليصبح خلال سنوات "كاردينال" المهرجانات الجزائرية، وأشهرها على الإطلاق، إذ يتطلب أمر إنشاء كيان ثقافي من فكرة، على شاكلة مهرجان ينبثق من العدم، جرأة كبيرة، خاصة إذا ما تعلق بمهرجان سينمائي دولي، قد تعجز مؤسسات ثقافية عن رعايته لسنوات، فكثيرة هي المهرجانات التي ولدت وتوقفت بعد فترة قصيرة بسبب البيروقراطية الإدارية.
لذا يقول محافظ مهرجان عصام تاعشيت، محافظ مهرجان إيمدغاسن السينمائي الدولي، في حديث إلى "الترا جزائر"، إنه "عندما ولدت الفكرة العام 2015، لم يكن ذلك من فراغ، فهي محصّلة مشاركات عديدة في مهرجات عربية ومغاربية ودولية حضرتُها بصفتي صانع أفلام قصيرة.
لذا أردنا منذ الوهلة الأولى، يستطرد المتحدث، أن نطلق مهرجانًا في مجال سينمائي شاغر بالجزائر، هو الأفلام القصيرة. كما أردناه أن يولد دوليًا و"كبيرًا بشوارب"، ذلك أن تقزيمه في البداية تحت مسمّى الأيام السينمائية، سيبقيه صغيرًا للأبد. والحمد لله يملك المهرجان الذي بدأ العام 2021، هالة إعلامية وعالمية محترمة رغم أنه في ربيعه الرابع، بالنظر للمشاركات التي تصلنا من صناع سينما معروفين عالميًا. ليس هيّنا أبدًا، أن يقبل البلغاري تودور شابكانوف، مخرج فيلم بويكا الشهير، المنتج في هوليوود بقيمة 5 ملايين دولار، الحضور معنا بأول عرض لعمل جديد، خلال هذه الدورة".
قرصان الكراييب
قد لا يصدق كثيرون أن هذه الشلة الحالمة لشبان يتنفسون السينما، قاموا خلال الطبعة الثانية العام 2022، إلى توجيه دعوة للممثل الأميركي جوني ديب والذي أرسل لهم عقدًا من خمسين بندًا، يوضح عصام ذلك ضاحكًا: "بالفعل اتصلنا بمكتب أعماله بواسطة الصديق رضا عمراني الذي يدرس السينما بكندا على يد أستاذ سبق له العمل مع قرصان الكراييب، وفعلًا أرسل لنا وكيل أعماله العقد الذي يحتوي على 50 نقطة تتعلّق بشروط الأكل والشرب والنوم وطبعًا المستحقات المالية له ولمصوره وحارسيه الشخصيين ووكيل أعماله.
ينص العقد على حضوره الافتتاح فقط والعودة، لكن بند تعويض قدره 2000 دولار عن كل ساعة تأخير في المطار أخافنا نوعا ما، لذا حولنا الملف إلى مؤسسة أوريدو للتكفل بالموضوع لاعتقادنا أن حضور جوني ديب دعاية خيالية للجزائر، لكن الصفقة التي لا تكلف سوى 400 مليون تعثرت في الأخير جراء خلافات حول طريقة الدفع".
فلسطين في الواجهة
اللافت هذا العام أن مهرجان إيمدغاسن السينمائي الدولي الذي يدوم من 11 إلى غاية 15 ماي/ أيار، حمل أفيشا متميزًا يظهر امرأة، ذلك التقليد الذي تكرس منذ الطبعة الأولى، فالأنثى رمز أبدي للجمال والخصوبة والحب و الاحتفاء بالحياة، سواءً من خلال جائزة ديهيا حاملة الضريح الملكي، أو المرأة الأوراسية ذات الأوشام، أو أسطورة تاسيليا وأنزار المستمدة من الميثولوجيا القديمة، ليُصار خلال الطبعة الرابعة إلى الاستلهام من الإيحاءات الواضحة للقضية الفلسطينية، كشكلٍ من أشكال الالتزام الإنساني والوطني والأخلاقي بالقضايا العادلة، من جهة، وإبرازا للتضامن مع شعب غزة الذي يواجه إبادة جماعية على رؤوس الأشهاد وأمام الشاشات المفتوحة، من جهة أخرى.
لذا يوضح المتحدث: "استلهمنا فكرة الأفيش من الكلمة التي قالها مندوب الجزائر بالأمم المتحدة، عمار بن جامع لممثل فلسطين الذي طلب منه الوقوف معه بعد إصدار مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار بطلب من الجزائر. كلنا يتذكر ما قاله الرجل "نحن وراءك. الجزائر خلف فلسطين". على هذا المنوال يبرز الأفيش امرأة فلسطينية تتوشح كوفية وتبدو بملامح حزينة حاملة في يدها غصن زيتون رمزا للسلام، وخلفها امرأة جزائرية تشكل بأصابعها شعار الشريط السينمائي حول عينيها، في رسالة قوية تشيد بضرورة أن تحتفي السينما بالقضية الفلسطينية، وأن تسلط الشاشات الضوء على محنة شعب يباد من أجل حريته. لطالما كانت السينما عنوانا للمقاومة ضد كل أشكال الاحتلال، لذا كان واجهتنا الإعلانية معبرة عن موقف الدبلوماسية الجزائرية المتماهية مع الموقف الشعبي من القضية الفلسطينية".
من كان إلى الجزائر
ارتأى المنظمون أن تكون الأفلام المشاركة معيارية، حيث ستعرض ثلاثة أفلام قصيرة لأول مرة في الجزائر قادمة من مهرجان كان السينمائي الدولي مباشرة إلى باتنة، يتعلق الأمر بأفلام من إيسلندا ومصر وكندا.
أما لجنة التحكيم فيشارك فيها الممثل الإيراني ذائع الصيت، مصطفى زماني الذي مثل دور النبي يوسف في "يوزرسيف"، والجزائري طاهر بوكلة، وفي هذا الخصوص يضيف المحافظ مسرورًا بالإنجاز: "اتصلنا بالممثل الإيراني عبر أصدقاء فلبى الدعوة مجانًا، دون أن يشترط شيئًا، لا بل أبدى رغبة عميقة للتعرّف على الجزائر العميقة التي يحبها".
عكس مهرجان عنابة السينمائي سيخلو مهرجان إيمدغاسن من المؤثّرين والمؤثرات تمامًا، و في هذا يعقب عصام مبتسمًا "من حيث المبدأ لست ضد حضور المؤثّرين والمؤثرات، لأنهم جزء من المهرجانات الكبيرة لأهداف تسويقية بحتة، فجورجينا زوجة كريستيانو رونالدو دُعيت للبساط الأحمر لمهرجان كان العالمي هذا العام، كما دُعي المدعو خابي صاحب إشارة الترحيب الشهيرة، لمهرجان البندقية العتيد السنة الماضية.
لكن ولأسباب تتعلق بتفادي الجدل، فضلنا أن يكون مدعوونا من السينما لا غير" وتعليلًا لفكرته يضيف: "واجهنا سيلا من الانتقاد الشرس، العام الفارط، بسبب دعوتنا نوميديا لزول، و كوكبة مؤثرين. ومع أن نوميديا فنانة مثلت رفقة صالح أوقروت وعملت مع المخرج مزاحم، إلاَّ أن الناس لم يتقبلوا الفكرة مثلما وقع في مهرجان عنابة. ما لا يعلمه البعض أننا جلبنا سبعة ملايين متابعة لمهرجاننا بفضل نوميديا. إن الأمر تتحكم فيه عوامل مرتبطة بفن التسويق لا غير"، وبشيء من الدعابة المرحة يستطرد ضاحكًا: "في العام الفارط اتهمتنا صفحات فيسبوكية بالماسونية جرّاء دعوة مؤثرين ومؤثرات، في هذا العام دعونا مؤدي دور النبي يوسف، وكنا قاب قوسين من أن نجلب الممثلين اللذين أديا دور النبي يعقوب، والخليفة عمر بن الخطاب، لنرى كيف ستكون التصنيفات المتقلبة".
رعاية نفطية
المال عصب الحياة والحرب والسينما، فهو أكبر داعم وعائق على حد سواء، لذا يستوجب الأمر سؤالا اضطراريا عن مصادر التمويل، وحول هذا يعلق المحافظ: " تقدمنا بطلبات سبونسور لـ 100 شركة ومؤسسة وطنية، وفقط شركتان استجابتا لنا هما سوناطراك ونفطال، اللتان قدمتا دعما ماليا يحل جزءً من المصاريف مقارنة بما يطلُبه مهرجان من هذا الحجم". إلى هذا يواصل: " قدمت لنا الوزارة دعما ماليا لا يمكنه أن يكون في حجم ميزانية لأننا جمعية ولأن المهرجان في حاجة لترسيم قبل ذلك، مثلما تنص عليه القوانين. دون أن ننسى مساعدة والي ولاية باتنة الذي قدم مساعدة قد تسهل إدارة المهرجان بالحد الأدنى المطلوب، وطبعا لا يجب أن ننكر مساهمة رجل الأعمال حمزة سلطاني الذي دائما ما يقف إلى جانبنا منذ أعوام".
من المنتظر أن يستمتع جمهور باتنة وولايات مجاورة بعروض أولية، لفيلمي بن مهيدي لبشير درايس وبالحضور الشخصي للممثل خالد بن عيسى، والأميرة الأخيرة لداميان دونوري وعديلة بن ديميراد، كما سيتعرف عن قرب على أبطال مسلسل البطحة على غرار نجية لعراف "قرمية والدة اللاز"، وياسمينة عبد المؤمن " ربيعة" وربيع وجاوت "برنو"، فيما يستفيد متربصون من ورشات ماستر كلاس يقدمها جعفر قاسم، بحضور ضيوف شرف مثل المخرجين علي عيساوي، و محمد حازورلي الذي أثار تغييبه عن المهرجان السينمائي المتوسطي بعنابة جدلًا كبيرًا، فرض على المنظمين التفكير في رد الاعتبار له.
أول الغيث
يطرح الكثير من المتابعين والملاحظين الجدوى من هذه المهرجانات التي قد تنتهي رغم الدعم المادي المقدم، إلى مولد بلا حمص، وجوابًا عن السؤال الذي يطرح نفسه قال المحافظ عصام تاعشيت: "إن كل المهرجانات تؤتي أكلها على المدى الطويل، فهي بذرة لازمة لإنتاج حركية سينمائية لا بل نواة لتكوين أقطاب سينمائية مثلما جرى بالجونة المصرية ومراكش المغربية. بالنسبة لنا كان هذا المهرجان سببًا في تصوير فيلمين هنا، أحدهما فيلم مثل سحلية على حائط، لمخرجه لخضر طاطي، الذي قرر أن ينقل مسرح عمله إلى غوفي بدل بعض المناطق الحدودية".
محافظ مهرجان إيمدغاسن لـ "الترا جزائر": لست ضد حضور المؤثّرين والمؤثرات، لأنهم جزء من المهرجانات الكبيرة لأهداف تسويقية بحتة
وطبعا يضيف المتحدث: " لقد فعل ذلك بعدما سمح له المهرجان التعرف على شرفات غوفي، وطبعًا شارك عدد كبير من الفنانين والتقنيين في هذا العمل، وهذا مكسب على صعيد التقنية والرصيد. تتوفر المنطقة على مواقع أثرية رومانية و نوميدية و قرى ألفية قديمة يمكنها أن تكون ديكورًا طبيعيًا لكثير من الأعمال. سبق وأن تلقينا عروضًا من منتجين أجانب جاؤوا للمهرجان في طبعات سابقة، يطلبون فيها تصوير أفلام مشتركة هنا. وطبعًا الكرة في مرمى رجال الأعمال والمؤسسات العمومية والوطنية والخاصة الراغبة في اقتحام السينما، التي تبقى أكثر الوجوه إشعاعا في مضمار القوة الثقافية الناعمة للبلدان".
