22-يوليو-2023
تبون وماكرون

عبد المجيد تبون/ إيمانويل ماكرون (الصورة: جون أفريك)

لم تكن العلاقات الجزائرية الفرنسية، منذ مطلع السنة الجديدة في أحسن أحوالها، حسب مراقبين، وكان يبدو ذلك جليًا من خلال اختفاء زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس من أجندته، وتوجهه في نفس الفترة نحو موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعدها إلى الدوحة والصين وتركيا، رغم أن زيارة فرنسا كانت مبرمجة في النصف الثاني من الشهر ذاته.

ما الذي ينتظر العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال المرحلة المقبلة؟

وكان مقتل الشاب نائل ذو الأصول الجزائرية بتاريخ 27 جوان/ حزيران 2023، من طرف شرطي فرنسي عنصري، الواقعة التي زادت الأمور سوءًا بين الطرفين، وشهدت على إثرها شوارع باريس وضواحيها ومدن فرنسية أخرى احتجاجات صاخبة وعنيفة لم تعرفها منذ ثمانينات القرن الماضي.

إلى هنا، يجمع خبراء في العلاقات الدولية على أنه رغم بداية عودة الاستقرار إلى شوارع باريس بعد 10 أيام من الحادثة، وتسجيل حالة هدوء نسبي، إلا أن ما حدث لنائل وما أعقبه من احتجاجات سيكون له تأثير على واقع معيشة المهاجرين بفرنسا، لاسيما في ظل التحركات الكبيرة لليمين المتطرف هناك، الذي يستغل الفرصة لتأليب الفرنسيين ضد المهاجرين.

كما ستلعب الحادثة دورًا في رسم خطط مستقبلية للعلاقات الجزائرية الفرنسية، التي تشهد توترًا غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة، رغم ما حققته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون للجزائر شهر أوت/ آب 2022، من نتائج إيجابية وإتفاقيات إستراتيجية.

فما الذي ينتظر العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال المرحلة المقبلة؟ ومن يمكن أن يكون الطرف الرابح أو الخاسر  بين الجزائر وفرنسا من تعاقب الأحداث الأخيرة؟

توتر سياسي

في السياق، يقول الدكتور مبروك كاهي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورقلة، جنوب الجزائر، إنه لا يمكن الحديث عن رابح أو خاسر في الأحداث الأخيرة، التي عاشتها باريس ومدن فرنسية أخرى، فإزهاق حياة طفل قاصر عمل لا مبرر له من قبل الشرطة الفرنسية، كما أن الأحداث التي أعقبت مقتل الفتى القاصر  مؤسفة، أدت إلى خسائر للطرف الفرنسي واعتقالات في صفوف المحتجين.

ويشدد كاهي في حديث لـ"الترا جزائر" أن الدبلوماسية الجزائرية تنأى بنفسها عن الاستثمار في مثل هذه المآسي، لكن في ذات الوقت لا تتردد في الدفاع عن حقوق جاليتها في الخارج وتذكير الدولة المضيفة بضرورة احترام قوانين التعامل مع الجالية.

ويرى أستاذ السياسة، أن الأحداث الأخيرة تعبر عن فشل السياسات الفرنسية في إدماج الجاليات لاسيما من شمال أفريقيا ومستعمراتها السابقة في القارة، وهو ما يعكس العنصرية وتغول اليمين المتطرف في دواليب الدولة الفرنسية وسيطرته على توجهات النخب المجتمعية، والذي لطالما كان يعلق شماعة الإخفاق على أصول هذه الجاليات رغم أن العديد منهم منفصل عن وطنه الأم، على حدّ تعبيره.

ويعلق الخبير على بيان وزارة الخارجية الجزائرية، قائلًا إنه يحمل الدولة الفرنسية المسؤولية، وينبهها إلى أن الجزائر لن تتخلى عن جالياتها.

أما بخصوص مستقبل العلاقات بين البلدين فرنسا،والجزائر بعد الأحداث المؤسفة،  فيؤكد الدكتور كاهي ضرورة النظر إلى واقع العلاقات الحالية المتسمة بعودة التوتر، منذ تورط أجهزة الدولة الفرنسية في تهريب رعية جزائرية تحمل جنسية مزدوجة عبر الحدود الشرقية إلى دولة مجاورة ومنها إلى فرنسا وما ترتب عنه من استدعاء السفير الجزائري للتشاور، وأيضًا التصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الفرنسية بخصوص المرسوم الرئاسي المكرس للمقطع الخاص بفرنسا من النشيد الوطني الجزائري، وكلها مؤشرات توحي بأن العلاقات بين البلدين تمر بأزمة.

وعليه يرى أستاذ العلوم السياسية أن مستقبل العلاقات بين الطرفين، سيتم إعادة بنائه على هذه الترتيبات، لاسيما وأن السياسة الخارجية الجزائرية باتت تولي اهتمامًا كبيرًا بالدور الذي باتت تلعبه الجاليات الجزائرية في الخارج، كما أن الدبلوماسية الجزائرية انتقلت من مرحلة رد الفعل إلى الفعل الاستباقي.

الشراكة الاقتصادية تتأثر

ومعلوم أنه كلما توترت العلاقات السياسية تأثر الود الاقتصادي بين الدولتين، وهو ما يحدث في كل مرة بين الجزائر وفرنسا.هنا، يؤكد النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم، زكرياء بلخيري أن الملف الاقتصادي يعد المسمار الحقيقي في توتر العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث أن انفتاح الجزائر في علاقاتها الاقتصادية التي كانت محصورة طيلة عقود من الزمن على الشريك التقليدي فرنسا، إلى منافسين جدد وأقوياء أغاض باريس، نتيجة تراجع مصالحها الاقتصادية في الجزائر، لصالح الغريم روسيا والصين.

وفي السياق نفسه، يقول النائب في تصريح لـ"الترا جزائر" وهو صاحب مبادرة مقترح "قانون تجريم الإستعمار"، إنه يثمن انفتاح الجزائر الاقتصادي على دول أخرى، أكثر قوة وخبرة من فرنسا، ويدعو للمحافظة عليه عبر انتهاج منطق  رابح/ رابح، في الشراكة بين البلدين مستقبلًا وعدم منح أية تنازلات لمن لا يستحقها أو يرى أن الجزائر مجرد سوق لتصريف فائض سلعه.

وبناءً على ذلك يرتقب أن تدخل العديد من ملفات الشراكة الاقتصادية بين باريس والجزائر  الثلاجة، كمصانع فرنسية جديدة للسيارات في الجزائر، واستثمارات في مجال الدواء والطاقة والطاقة المتجددة والصناعة التحويلية، لاسيما وأن الجزائر اليوم التي تعتمد الندية في علاقاتها باتت تفرض شروطًا تمنع الأسبقية أو الحصرية لأي متعامل في السوق الجزائرية وهو ما لم يتعود عليه الفرنسيون.

المصالح المشركة باقية

ومع ذلك تربط البلدين العديد من المصالح المشتركة والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين لا سيما في الفترة الأخيرة بعد زيارة ماكرون للجزائر في الصائفة الماضية، وتحديدا شهر أوت/ آب 2022، وهو ما يفرض ضرورة التسريع في تجاوز الخلافات.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر كاهي، أنه في ظلّ الوضع المتردي في الساحل الأفريقي والأزمة الليبية وما يحدث في شرق أوروبا من حرب روسية أوكرانية، يفترض عودة العلاقات تدريجيا بين الجزائر وفرنسا.

ويعتبر المتحدث أن الأهم من كل ذلك أن الجزائر انتخبت عضوًا غير دائم لدى مجلس الأمن الدولي، وبذلك سيصبح التنسيق أكثر من ضروري لصياغة القرارات حتى يتم المصادقة عليها بالإجماع أو الأغلبية.

وتظلّ مشاريع الشراكة الاقتصادية الموقعة بحاجة للتجسيد فلا يمكن اليوم الرجوع إلى الوراء أو إخلاف العهود أو فسخ العقود.

تظل العلاقات الجزائرية الفرنسية مصنفة ضمن أكثر العلاقات الدولية تعقيدًا

وفي النهاية تظل العلاقات الجزائرية الفرنسية مصنفة ضمن أكثر العلاقات الدولية تعقيدًا وصعوبة للفهم على مر التاريخ، حيث تشهد هذه الأخيرة تارة تناغمًا وأحيانًا أخرى برودًا وتنافرًا، لكن يبقى الماضي المشترك وملفات المستقبل وأوراق أخرى قضايا لا يمكن إغفال التنسيق حولها من طرف مسؤولي البلدين.