06-أكتوبر-2024

صورة تعبيرية

لا يتردد الشاب العشريني حبيب حموتي في التصريح باقتناعه على ضرورة مواصلة مساره المهني الذي بدأه عام 2016 في مجال التجارة الإلكترونية إلى أعوام قادمة، رغم الانتقادات الموجهة لهذا النشاط الذي يبقى يحتاج إلى تقويمٍ وإزالة العوائق التي تقف أمام تطويره، وفق ما يؤكده المهتمون بهذا المجال.

رغم أن التجارة الإلكترونية قد أصبحت واقعا اليوم في الجزائر، مقارنة بسنوات سابقة، إلا أنها ما تزال لم تصل إلى التقدم الذي تحقق في دول أخرى

ورغم أن التجارة الإلكترونية قد أصبحت واقعا اليوم في الجزائر، مقارنة بسنوات سابقة، إلا أنها ما تزال لم تصل إلى التقدم الذي تحقق في دول أخرى، بالرغم من سعي الحكومة لبناء اقتصاد جزائري جديد يتماشى مع التطورات التي تحدث في العالم.

نمو متواصل

لم تعد التجارة الإلكترونية تتلخص اليوم في كونها مسهلة للمعاملات الاقتصادية فقط، إنما أصبحت عند كثير من الجزائريين مصدر رزق مربح رغم المخاطر التي قد تحيط بها، وهو الحال الذي جعل حبيب حموتي ينتقل من  مجرد بائع لسلع عبر مواقع التواصل الاجتماعي في 2016 إلى مؤسس شركة ناشئة مهتمة بالتجارة الإلكترونية تحمل اسم "أفري سوق" عبر تطبيق يمكن تحميله عبر مختلف المنصات، وفق ما قاله لـ"الترا جزائر".

وقبل تأسيس هذه المؤسسة الناشئة، استطاع حبيب أن يكتسب خبرة في بيع المنتجات عبر مجموعات فيسبوكية أو عبر منصة" ماركيت بلاس".

وأضاف حبيب أن ما دفعه لولوج هذا المجال هو أن السوق الجزائرية ما تزال تفتقد لهذه الأنواع من الشركات مقارنة بالدول الأخرى.

وقال رئيس المجمع الجزائري للناشطين الرقميين عبد الوهاب قاوة إن حجم سوق التجارة الالكترونية في الجزائر يشهد نموا متسارعا في السنوات الأخيرة، حيث تجاوز رقم أعماله 1,5 مليار دولار، وبالخصوص بعد الارتفاع المسجل في عدد بطاقات الدفع الالكتروني.

وبيّن الخبير المستشار في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال الدكتور يونس قرار في حديثه مع "الترا جزائر" أن الدفع الإلكتروني هو أساس التجارة الالكترونية، لذلك تحاول الجزائر كسائر البلدان مسايرة التطورات التي شهدتها التكنولوجيا المستعملة في شتى المجالات، خاصة وأن هذا المجال متمكن منه لأن أغلب الجزائريين على سبيل المثال مستهلكين ومتمكنين من تطبيقات الهواتف الذكية التي تسمح بالقيام بالدفع الإلكتروني، فمن الناحية التقنية الجزائريون مجيدون لهذه الخدمة، وحتى الثقافة الإلكترونية أصبحت منتشرة نوعا ما وهو ما يساعد في تطوير التجارة الإلكترونية.

وحسب حبيب حموتي، فإنه لا يمكن لأحد أن ينكر التطور الذي عرفته التجارة الإلكترونية في الجزائر مقارنة بما كانت عليه مثلا في 2016، بالنظر لتوفر عدة خدمات لم تكن متاحة قبل السنوات الثماني السابقة، منها على سبيل المثال توفر شركات للتوصيل تسهل التجارة الإلكترونية، فيما كان التوصيل يتم سابقا عبر سيارات الأجرة.

يونس قرار لـ "الترا جزائر" : الدفع الإلكتروني هو أساس التجارة الالكترونية، لذلك تحاول الجزائر كسائر البلدان مسايرة التطورات التي شهدتها التكنولوجيا المستعملة في شتى المجالات

ويشير رئيس المجمع الجزائري للناشطين الرقميين إلى أن أهمية التجارة الإلكترونية  تكمن أيضا في كونها "محرك استراتيجي" لتسريع التحول الرقمي، تسهل على المؤسسات الوصول إلى التكنولوجيات الرقمية سيما منها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع تفعيل الشمول المالي عبر توسيع عملية الاستفادة من خدمات مالية جديدة عبر حلول دفع سريعة و مؤمنة.

وأضاف قاوة أن "التجارة الالكترونية ضرورية في الحياة الاقتصادية اليوم،, وهي قادرة على بعث التنمية الاقتصادية بما أنها تسمح للمؤسسات بالولوج إلى أسواق جديدة وتحسين تنافسيتها مع تنشيط النمو الاقتصادي".

دفع إضافي

رغم الارتفاع المتزايد لعمليات الدفع الإلكتروني في الجزائر، إلا أن العمليات التجارية المتعلقة بالسلع تظل بعيدة عن ذلك المسجل في قطاع الخدمات كدفع الفواتير والنقل والمعاملات الإدارية.

وقال الخبير المستشار في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال الدكتور يونس لـ "الترا جزائر" إن انضمام التجار لعمليات الدفع الإلكترونية التي هي أساس التجارة الإلكترونية يبقى بعيدا عن المأمول منه، لذلك فرواج هذا النوع من النشاطات التجارية لم يحقق الرواج الذي كان منتظرا منه، لأنه عند النظر لنهائيات الدفع الإلكتروني نجد أن الدفع المخصص للمنتجات ضئيل جدا ولا يتجاوز 50 ألف عملية، فيما توجد 2.5 مليون مساحة تجارية.

وأشار قرار إلى أن هذا يرجع إلى تخوف المؤسسات الاقتصادية من الدفع الالكتروني، لاعتقادها بأنه سيجعلها تحت طائلة الملاحقة من قبل مصالح الضرائب لأن هذه المعاملات تكشف رقم الأعمال الحقيقي لكل متعامل، لذلك ما تزال معظم المؤسسات متمسكة بالطريقة التقليدية بالدفع عن طريق السيولة النقدية.

وتتطابق أراء الخبير يونس قرار مع الأرقام المقدمة من تقرير تجمع النقد الآلي الخاص بالسداسي الأول من 2024، الذي أشار إلى ارتفاع في قيمة عمليات الدفع الإلكتروني في الجزائر بـ57 بالمائة خلال النصف الأول من العام الجاري لتصل إلى قرابة 60 مليار دينار،  وبزيادة تصل إلى 63.82 بالمئة على أساس سنوي، إلا أنها لم تشهد سوى انخراط حوالي 510 تاجر إلكتروني في النظام الإلكتروني البنكي، بزيادة قدرها 140 تاجرا إلكترونيا فقط  مقارنة بالسداسي الأول من 2023.

وأشار التقرير ذاته إلى تواضع النمو المسجل في بيع السلع الذي ارتفع بـ9 بالمئة فقط مقارنة بما سجل في 2023.

وأشار صاحب مؤسسة "أفري سوق" حبيب حموتي إلى أن الجزائريين يخشون كثيرا التعاملات الرقمية عبر الدفع الالكتروني، ويفضلون الدفع عند الاستلام خصوصا عند شراء منتج مادي، فيما يخف هذا التخوف لما يتعلق الأمر بمنتج رقمي، حيث يقبلون بالدفع الالكتروني عبر التطبيقات البريدية أو البنكية.

وتابع حبيب أن سبب عدم رواج التجارة الإلكترونية بالشكل اللازم هو "عدم ثقة الزبون في التاجر، فيما يتخوف الأخير من ملاحقة مصالح الضرائب له، وهو ما يؤخر تطوير هذا النشاط التجاري".

مراجعة

أعلن وزير التجارة وترقية الصادرات الطيب زيتوني الأربعاء الماضي خلال زيارته صالون التجارة والخدمات الالكترونية في طبعتها أن "الحكومة تعمل على القضاء على التجارة الالكترونية الفوضوية من خلال تأطير أفضل للممارسات التجارية على الانترنت وحماية للمهنيين والمستهلكين في آن واحد".

وأضاف أن "قطاع التجارة يتجه اليوم بالتعاون مع كافة القطاعات الوزارية المعنية، نحو تأطير مجال التجارة الالكترونية ومراقبته لتفادي تحوله إلى سوق رقمية فوضوية".

وحسب الوزير، فإن الجزائر تشهد تطورا لافتا في مجال استخدام التكنولوجيات الرقمية في المعاملات التجارية بما في ذلك الدفع الالكتروني الذي يعد جزءا لا يتجزأ من التجارة عبر الانترنت، مما يحتم على القطاعات المعنية مرافقة هذه التحولات بقوانين ونصوص تنظيمية تضمن حق التاجر وتحمي المستهلك.

الجزائر تشهد تطورا لافتا في مجال استخدام التكنولوجيات الرقمية في المعاملات التجارية بما في ذلك الدفع الإلكتروني الذي يعد جزءا لا يتجزأ من التجارة عبر الأنترنت

وتابع الوزير قائلا "لدينا اليوم ورشة كبيرة على مستوى وزارة التجارة وترقية الصادرات، ونسعى بالتعاون مع كل القطاعات الوزارية المعنية  لتأطير السوق الالكترونية والدفع الالكتروني، بتشريعات تسمح بتحديد هوية التجار الالكترونيين وحمايتهم وتنظيم هذا النوع من النشاط وكيفية ممارسته، وحماية المستهلكين".

وأشار زيتوني إلى أن وزارة التجارة تعمل على فتح ورشة عمل تجمع الفاعلين في الميدان لدراسة كيفية توثيق المتاجر الالكترونية الآمنة، متوقعا أن تؤدي هذه الجهود خلال السنوات المقبلة إلى "احتواء السوق الفوضوية بطريقة ذكية", لاسيما في ظل الرواج الكبير الذي تعرفه التجارة الالكترونية.

وشدد الوزير على "تنظيم أنفسهم وتسوية وضعياتهم القانونية, لاسيما على مستوى المركز الوطني للسجل التجاري, والتقيد بأنظمة الفوترة والضمان وكل ما يتعلق بمجال حماية المستهلك".

ورغم وجود التجارة الإلكترونية في الجزائر منذ سنوات حتى وإن كانت بشكل غير رسمي وبدائي، إلا أنه لم يتم إصدار أول تشريع ينظمها إلا عام 2018 بصدور القانون 18/05 المحدد لقواعد العامة للتجارة الالكترونية للسلع والخدمات.

وقال حبيب حموتي النشط في مجال التجارة الالكترونية إن القانون لا يحتاج إلى إضافات كثيرة، لأن المشكل لا يمكن في مضامين التشريعات إنما في عدم تطبيقها، متحدثا في هذا الشأن عن عدم صرامة بشأن حماية الزبائن من حصوله على المنتجات التي يقتنيها إلكترونيا بشأن جودتها وضمان حصوله عليها.

وبالنسبة لحموتي، فإن بعض المواد التي تحتاج إلى مرونة تتعلق بنطاق استضافة المواقع الإلكترونية وضرورة توفر سجل تجاري خاص بالتجارة الإلكترونية لحجز النطاق، وغموض بشأن أولوية توفر الشرط الأول أو الثاني للحصول على الترخيص.

 ويدعو حبيب حموتي إلى ضرورة الترويج أكثر لهذه التجارة من قبل الحكومة لتطويرها، إضافة إلى تقديم تحفيزات وإعفاءات ضريبية للمؤسسات الاقتصادية للتعامل بالدفع الإلكتروني في مرحلة أولى لتشجيعهم إلى نقل تجارتهم من السوق التقليدية إلى الالكترونية، وهو المقترح الذي يطالب به أيضا خبير تكنولوجيات الإعلام والاتصال يونس قرار الذي يلفت إلى أهمية دور التجارة الإلكترونية في التقليص من السوق الموازية التي تصل قيمتها إلى نحو 100 مليار دولار، والتي سيشكل استقطابها إلى المعاملات الرسمية فائدة كبيرة للاقتصاد الجزائري.