09-نوفمبر-2024
السوق

تلجأ الحكومة إلى تسقيف أسعار بعض المواد بعد ارتفاع أسعارها (الصورة: فيسبوك)

تتعالي أصوات منظمات حماية المستهلك في الآونة الآخرة للمطالبة بتدخل الحكومة لوضع حد للارتفاع الذي تشهده أسعار بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، وبالخصوص الخضر والفواكه، داعية إلى اللجوء حتى لتسقيف أسعار بعضها، وهي دعوة بدأت تجد لها صدى، فهل سينهي هذا الإجراء إن طُبّق ظاهرة التقلب والمضاربة في الأسعار التي تعرفها عدة أسواق في الجزائر؟.

رغم التحسن الذي عرفه الاقتصاد الجزائري باعتراف من مؤسسات مالية دولية، والإجراءات المتخذة من طرف الحكومة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، يجد هذا الأخير كل مرة نفسه أمام ارتفاع غير مسبوق لأسعار عدة سلع وخدمات

ورغم التحسن الذي عرفه الاقتصاد الجزائري باعتراف من مؤسسات مالية دولية، والإجراءات المتخذة من طرف الحكومة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، يجد هذا الأخير كل مرة نفسه أمام ارتفاع غير مسبوق لأسعار عدة سلع وخدمات، وهو ما يعيد من جديد مطلب ضرورة تدخل السلطات لتسقيف الأسعار حتى وإن كانت الحكومة لا تريد التراجع عن السوق الحر للمعاملات التجارية في البلاد.

ارتفاع
تشهد  أسعار الخضر والفواكه في الجزائر في الفترة الأخيرة ارتفاعا لا يتماشى مع القدرة الشرائية للمواطنين، لتضع حدا بذلك للاستقرار الذي عرفته هذا العام وبالخصوص خلال فصلي الربيع والصيف، إذ كانت في معظم الأحيان معقولة إلى أبعد الحدود حتى خلال شهر رمضان الماضي الذي مر بدون زيادة لافتة في الأسعار وبدون حدوث أي ندرة.

وقال الأربعيني كمال الموظف في أحد المؤسسات الثقافية بالعاصمة الجزائر إن الارتفاع التي تشهده أسعار الخضر والفواكه في الفترة الأخيرة لا تتماشى مع قدرته الشرائية، فالبطاطا تعدى سعرها في بعض الحالات 120 دينارا، ولا ينزل في أحسن الأحيان عن 100 دينار، والطماطم تعدى ثمنها في الأسابيع الخيرة 200 دينار، فيما لا يقل ثمن الفلفل والفصولياء الخضراء والخس عن 150 دينارا، وفق ما أوضحه لـ"الترا جزائر".

ولا تبتعد هذه الأرقام عن تلك التي تقدمها النشرية اليومية لوزارة الفلاحة ، حيث جاء فيها أن أسعار البيع بالتجزئة للمواد الفلاحية واسعة الاستهلاك ليوم الخميس 7 تشرين الأول  نوفمبر رصدت تمثلت في بلوغ الكيلوغرام الواحد من البطاطا 112 دينارا والطماطم 210 دينارا والخس 131 دينارا، حيث لا نجد سوى البصل الجاف والجزر واللفت تحت 100، حتى وإن أشارت الوزارة إلى أن معدل سعر البطاطا يقدر بـ91 دينارا كسعر متوسط، بالنظر إلى أنها تباع في بعض الأماكن بـ 70 دينارا، لكن هذا السعر يراه البعض أنه محصور في مناطق معينة، أو في الولايات المنتجة لسيدة المائدة الجزائرية.

أما أسعار الفواكه فتظل ملتهبة، إذ تظهر نشرية الوزارة أنها كلها قد تتعدى 200 دينار، فحتى التفاح المحلي الذي قررت السلطات بيعه من الفلاح إلى المستهلك مباشرة لا يقل السعر الأدنى له عن 246 دينارا، حيث يظل الرمان الفاكهة الوحيدة التي ينزل سعرها عن 200 دينار بمتوسط 139 دينارا للكيلوغرام الواحد، حسب النشرية ذاتها، مع العلم أن البرتقال والعنب قد يعرضان أحيانا تحت 200 دينارا، لكن لا يقلان في أحسن الأحول عن 100 دينار، وهو ما يراه الموظف الحكومي كمال لا يتماشى مع القدرة الشرائية لأسرة ذات دخل شهري محدد لا يرتفع مع ارتفاع أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع.

أوامر

يحمّل البعض الحكومة جزءا من الارتفاع أو الندرة التي تعرفها أسعار بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، وذلك بسبب عدم المراقبة والمتابعة الجيدة لتطورات سوق أي سلعة معينة، وعدم تخزين الكميات اللازمة من المواد لطرحها في السوق عند حدوث الندرة.

وجاء في بيان اجتماع مجلس الوزراء الأخير أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون  سجل هو شخصيا لدى التطرق إلى عرض مشترك لوزراء التجارة والصناعة والفلاحة يتعلق باليقظة حول الندرة "تراخيا في عزيمة العمل لدى البعض آمرا باستفاقة الجميع، وتحديد المسؤوليات، وفاءً للمهام الموكلة إزاء المواطن الذي ينبغي أن يكون الشغل الشاغل لكل موظف عمومي".

وأمر تبون خلال هذا الاجتماع الحكومة بـ"مراجعة جذرية لتنظيم تسويق المنتوج الوطني إلى المواطن، من خلال سن قانون يتم فيه استعمال نظام تسقيف الأسعار بمراسيم عندما يتعلق الأمر بأسعار غير معقولة للمنتوجات في موسمها".

وأمر رئيس الجمهورية الحكومة بـ"توخي أعلى درجات الحذر ومن خلالها كل الهيئات الرقابية بما فيها الأمنية وتكثيف الرقابة ورفعها إلى مستوياتها العليا بوضع المنتجات الغذائية والفلاحية والأدوية، أولوية الأولويات".

نظرة شاملة

لا يمانع التاجر عبد الحليم قرين العضو السابق في المنظمة الوطنية للتجار والحرفيين الالتزام ببيع منتجات بسقف محدد من الأسعار، بل يرى إن الأمر ضروري في بعض السلع لضمان القدرة الشرائية للمواطن.

لكن قرين يدعو إلى أن تكون عملية تسقيف الأسعار مبنية على نظرة شاملة لأي مادة سيشملها هذا القرار، داعيا بأن يخصص هذا الإجراء للمواد ذات الاستهلاك الواسع فقط، ولا يمدد إلى المجالات غير الأولوية رغم أهميتها مثل الأجهزة الكهرومنزلية التي تعد من أحد المجالات التي تشملها تجارته.

تاجرٌ لـ "الترا جزائر": أدعو إلى أن تكون عملية تسقيف الأسعار مبنية على نظرة شاملة لأي مادة سيشملها هذا القرار

وبيّن قرين أن تسقيف أسعار بعض الخضر والفواكه والعجائن ذات الاستهلاك الواسع أمر محمود، لكن يجب أن تشمل العملية دراسة مختلف الجهات المتحكمة في أسعار هذه المواد وعدم حصرها في التاجر فقط،.

حيث رأى  أنه من غير المقبول أن يستثني مثلا الفلاح الذي يحصل على دعم حكومي من عملية التسقيف، حيث  يكون هو أيضا مطالب بخفض الأسعار، إذ أنه من غير المعقول اليوم أن يبيع هذا الفلاح الحاصل على دعم من الدولة الطماطم مثلا بسعر يفوق 200 دينار باستغلاله حرية الأسعار في السوق، وكذا تسويق فواكه منتجة محليا بأسعار عالية كالتفاح والتمر والبرتقال، حتى مع فتح الحكومة فضاءات للبيع المباشر دون المرور على الوسطاء والتجار.

ودعا قرين إلى ضرورة العمل على ضمان التزام كل أطراف العملية التجارية بالتشريعات المنظمة، فمثلا على الفلاح الالتزام بتأمين  منتجاته من كل الأخطار لكي لا يلعب دور الضحية عند حدوث أي عامل يؤثر على الانتاج لتتولى شركة التأمين تعويضه بدون انتظار الحكومة القيام بذلك، وهو ما ينطبق أيضا على تجار الجملة أو التجزئة.

وأصدر ت الحكومة في شهر أغسطس أوت الماضي قرارا وزاريا مشتركا بين وزارة التجارة وترقية الصادرات ووزارة المالية، يحدد  كيفيات تعويض أسعار القهوة الخضراء المستوردة، حيث تتكفل الدولة بتقديم تعويض يتضمن الفارق بين سعر التكلفة الحقيقي للقهوة وسعر البيع الأقصى, دون احتساب الرسوم وبعد اقتطاع هامش الربح المطبق من طرف المتعامل المعني بالتعويض.

غير أن هذا الإجراء لم يساهم حتى الآن في توفير القهوة بالشكل المطلوب، بل سجلت ندرة في توزيعها في الأسابيع الماضية، الأمر الذي يحتم على الحكومة النظر لهذا الملف برؤية تتعدى ارتفاع الأسعار وانخفاضها، لأن الملف أكبر من قضية استيراد واستهلاك، كونه يتعلق بمستفيدين من الفوضى التي تطبع تجارة بعض المنتجات في الجزائر، والتي تتطلب التحرك الفاعل من قبل الجهات الرقابية لمعالجته وعدم تأثيرها على حق المواطن في استهلاك مختلف المواد المسموح بها قانونا، وحمايته من أي مضاربة واحتيال.