16-مايو-2020

بيان الخارجية الجزائرية مال إلى التهدئة واحتواء الأزمة (الصورة: صحيفة العرب)

جاءت ردود الأفعال على تصريحات القنصل المغربي في وهران، غرب العاصمة الجزائرية، الذي وصف الجزائر، بـ"البلد العدو"، مناقضة تمامًا للوصف الذي أطلقه، فقد استغل الجزائريون والمغاربة هذه الفرصة لإثبات العكس، وأطلقوا حملة تضامن واسعة مع أفراد الجالية المغربية العالقين في ولاية وهران غرب البلاد، بسبب تعليق الرحلات إثر جائحة كورونا، في مقابل ذلك، تجنّبت الحكومة الجزائرية تأزيم القضية، ونشرت بيانًا متوازنًا يستفسر فيه عن الحادثة، ويحث جارته الغربية على اتخاذ التدابير اللازمة، بينما غطّت تعليقات المدونين عبر مواقع التواصل الاجتماعي على تبعاتها السياسية، واعتبرتها "فعلًا معزولًا، ونزوة سياسية لا علاقة لها بمشاعر الأخوة التي يكنّها الشعبان لبعضهما البعض".

أظهرت وزارة الخارجية الجزائرية، التي استدعت السفير المغربي بشأن التصريحات، ميلًا إلى تهدئة الأزمة

التهدئة 

وأظهرت وزارة الخارجية الجزائرية، التي استدعت السفير المغربي بشأن التصريحات، ميلًا إلى تهدئة الأزمة، وعدم استغلالها سياسيًا، أو تحويلها إلى أزمة دبلوماسية جديدة،  وتجاوزت القرارات الدبلوماسية المعتادة في مثل هذه المواقف، والتي تستدعي اعتبار الدبلوماسي "شخص غير مرغوب فيه" أو " دعوته مغادرة البلاد"، لكنها فضلت في مقابل التهدئة، رمي الكرة إلى مرمى السلطات المغربية لاتخاذ قرار بحق القنصل، يكون سحبه من الجزائر على الأرجح.

اقرأ/ي أيضًا: الخارجية الجزائرية تواجه السفير المغربي بأقوال قنصل وهران

وذكر بيان الخارجية الجزائرية، أنّه "يستوجب على السلطات المغربية اتخاذ التدابير المناسبة لتفادي أية تداعيات لهذا الحادث على العلاقات الثنائية بين البلدين".

واتخذت الخارجية الجزائرية هذه الخطوة، عقب ظهور القنصل المغربي في وهران، في شريط فيديو خلال لقائه مجموعة من الرعايا المغاربة العاملين في الجزائر، تجمّعوا أمام مقر القنصلية للمطالبة بترحيلهم إلى المغرب، حيث طالبهم بعدم التجمّع وقال، "نحن في بلاد عدوة"، ملمحًا إلى الأزمة القائمة بين الجزائر والمغرب منذ غلق الحدود بين البلدين منذ 1994.

وإضافة إلى الموقف الهادئ للدبلوماسية الجزائرية، جاء موقف رئيس المجلس الشعبي الوطني ( الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري) سلميان شنين، معبرًا عن رصانة سياسية، ورغبة في تغليب عوامل الأخوة والعلاقات الهادئة مع المملكة المغربية.

وقال شنين خلال جلسة الأسئلة الشفوية، للحكومة، في رده على " نحن من دعاة السلام، وحبّ والتعايش وأخوة وأصحاب نخوة، نرحب بالضيف ولا نقبل بالضيم والمساس بسيادتنا ومقوّماتنا".

وأضاف شنين "يشهد القريب والقاصي والداني على أن الجزائر كانت وستبقى دولة دومًا محبة للسلام وتسعى للسلام، بالمقابل وللأسف الشديد نشهد ما يمكنه من أن يعكّر أجواء الجزائريين وهم يصومون شهر رمضان في العشر الأواخر".

دعوات لاحتواء الموقف  

غالبية المواقف الشعبية، تجاه تصريحات القنص المغربي، اتجهت إلى الدعوة لاحتواء الموقف والحفاظ على عرى الأخوة الجزائرية المغربية التي تربطهما علاقات التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك والدين واللغة وعلاقات القرابة.

في السياق نشرت الإعلامية فاطمة حمدي في حسابها على الفيسبوك، قصّة جدتها التي ولدت بالدار البيضاء بالمغرب، إذ قادت الظروف والدها الذهاب للجزائر والبقاء فيها، تسرد فيها حبّ جدتها للبلدين، والدم المختلط الذي يسري في عروقها، مرفقة تدوينتها بصورة جدتها بالمغرب.

تضيف حمدي أنها تعلمت من جدتها: "الجود والكرم المغربيين، والسماحة الجزائرية تعلمنا منها أن الحدود التي رسمها التاريخ لا وجود لها على خارطة القلوب .. لأن المغرب والجزائر أكبر من سقطة فردية فاحشة ".   

حسابات السياسة

عدد من المعلّقين والمتفاعلين مع الحادث، اعتبروا أنّ مثل هذه التصريحات، من الدبلوماسيين المغاربة إضافة إلى تصريحات متشنّجة من سياسيين جزائريين، تضع الشعبين الجزائري والمغربي رهين الحسابات السياسية للنظامين القائمين في البلدين، والذين عجزًا خلال العقود الماضية، عن تجاوز خلافاتهما، هنا، كتب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر البروفيسور عاشور فني، "سياسيون بلًا أخلاق ودبلوماسيون بلا ضمير. أنتم أسباب تأخر المنطقة والزج بها في مأزق منذ نصف قرن".

خطاب الكراهية، حقيقة بات يخلق فتنة بين الشعوب، هكذا قالت الناشطة فاطمة الزهراء محمد قريشي، موضّحة أن الشعبين الجزائري والمغربي "خاوة – خاوة"، قائلة :" حتى ولو كان تصريح القنصل المغربي بوهران صحيحًا، لن نشجّع خطاب الكراهية بين الشعبين".

من جهته، اعتبر المكلف بالإعلام على مستوى حركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر)، بوعبد الله بن عجمية في تدوينة له في الفيسبوك أن "الأصوات الشاذة من هنا وأخرى متطرّف من هناك لن تفرق بيننا وبين الأشقاء المغاربة".

وأضاف بن عجمية قائلًا:" لا أنتم أعداؤنا ولا نحن أعداؤكم.. أنتم منا ونحن منكم، وأنتم أكثر شعوب الدنيا شبهًا لنا في الأسماء والألقاب والعادات والتقاليد والمناخ وحتى بشرة الوجه وتقاسيم المحيى.. ألا بئسًا لمن فرق بيننا ولا يزال".

خاوة- خاوة

بعض الجزائريين، أبدوا تضامنًا واسعًا في الحِرص على المعاملة الطيبة مع المغاربة في الجزائر، سواءً العالقين بسبب انتشار فيرس كورونا أو غيرهم. هنا، نشر الشاعر الجزائري بوزيد حرز الله، تدوينة دعا فيها  الجزائريين إلى إكرام المغاربة، ونشر أرقام هواتفه لفائدة الأشقاء المغاربة في العاصمة الجزائرية لاستضافتهم في بيته.

وقال :"أضم صوتي إلى الكثير من الخيّرين من أبناء وطني الذين نادوا أهلنا في وهران، إلى إكرام أشقائنا من أفراد الجالية المغربية الذين تقطعت بهم السبل، ولم يتمكنوا من العودة إلى بلدهم نتيجة الجائحة، وأن يساعدوهم بما يستطيعون حتى يعودوا الى بلدهم مكرمين معززين، ولا يأخذونهم بوزر قنصلهم الذي لم يقدم لهم شيئا وراح ينعق خارج السياق ...

وأني واثق أن أهلنا في وهران هم لها وهم أهل الكرم والجود والواجب، وخاصّة مع الشقيق في وقت صعب كهذاومن هذا المنبر أقول إن بيتي مفتوح لكل أخ مغربي متواجد في العاصمة ، وعاش المغرب الكبير".

بعيدًا عن جميع الحسابات، نفس الفكرة اقترحها الناشط خلاف بن حدّة الذي كتب في تدوينة له على حسابه الشخصي في الفيسبوك :"أحسن رد جزائري على تصرف القنصل هو التكفّل بإخواننا المغاربة ليعرفوا أنهم في بلدهم و بين أهلهم".

دعوات التكفّل بالرعايا المغاربة في وهران لقيت تجاوبًا واسعًا من طرف المتطوّعين

لقد أثارت القضية أثارت جدلًا كبيرًا في الأوساط السياسية والشعبية، وأمست اليوم في ملعب الجارة المغرب، إذ دعت الجزائر من المملكة أن تتخذ قرارات حيال الدبلوماسي، بما يتناسب مع الموقف والحادثة، واحتوائها في المهد.