26-سبتمبر-2020

المخابرات الفرنسية نفّذت عمليات اغتيال منظمة ضدّ مواطنين فرنسين (أ.ف.ب)

 

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالًا مُطوّلًا، تحدَّثَت فيهِ عن تورّطِ المخابراتِ الفرنسية في عمليّات اغتيالٍ منظَّمة، طالت مواطنين فرنسيين مؤيّدين للثورة الجزائرية ولجبهة التحرير الوطني بين سنتي 1956 و1962.

عدد الاغتيالات بلغ 140 عملية في سنة 1960 وحدها بالجزائر

جاء في هذا المقال للصحافي جاك فولورو: "بين سنتي 1956 و1962، أمرت فرنسا قواتها الاستخباراتية باغتيال مواطنين فرنسيين"، مضيفًا أن هناك وثائق  تكشف عن مخطّطات تصفية لمواطنين فرنسيين ومن أصول أوروبية، إضافة إلى مسؤولين أجانب أثناء حرب التحرير، حيث استشهد بفقراتٍ من كتابٍ للصحافي الاستقصائي فانسون نوزيي، يحمل عنوان "قَتَلَةُ الجمهورية"، ويحتوي على وثائق غير منشورة إضافة إلى بعض المقتطفات المأخوذة من الأرشيف الخاص بـ جاك فوكار، هذا الرجل الذي كان "يحظى بثقة الجنرال ديغول، وقد كان مكلفًا بمتابعة المخابرات والقضايا الأفريقية".

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان يطلب من تبون وثائق بشأن مجازر الاحتلال الفرنسي

 حسب هذه الوثائق المذكورة في المقال، قام جاك فوكار في صيف 1958، بالتنسيق لوضع برنامجٍ من العمليات السرية على خلفية الصراع الجزائري، واستمرت بعد عودة "السُّلطة الديغولية" إلى الساحة عقِب انقلاب الجزائر العاصمة يوم 13 أيّار/ماي 1961، حيث كانت التهديدات والهجمات والتخريب إضافة إلى الاغتيالات، من أبرز الأساليب المُنتهجة خلال تنفيذ هذا النوع من العمليات السرّية.

أشار ذات المقال إلى أن دائرة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس، أو ما يسمى الآن بدائرة الأمن الخارجي، كانت مكلفة بالإشراف على العمليات المذكورة، وحسبَ تقديرِ كونستونتان ميلنيك، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاستخباراتية بين سنتي 1959 و1962، فإن عدد الاغتيالات قد بلغ 140 عملية في سنة 1960 وحدها، ومع ذلك امتنع ميلنيك عن تقديم أي تفاصيل.

 أشار الصحافي جاك فولورو في مقاله أيضًا، إلى وجود وثيقة تعود لتاريخ 5 آب/أوت 1958، وهي مذكرة عن عملية هومو "مصطلح تقني يستعمل للحديث عن الاغتيالات"، وهي ملفٌّ حَمَلَ وثيقةً أولى فيها قائمة بأسماء تسعة أشخاص تقرّر تصفيتهم، وقد صُنِّفَ هؤلاء الأفراد إلى ثلاث فئات؛ هي فئة "الفرنسيين المناصرين لجبهة التحرير الوطني"، وعلى رأسهم المدعو جاك فافرال، صحافيّ كان يقيم بالعاصمة الجزائرية، وفئة "المُهربين" التي شملت أسماء ستة أفراد كانوا يمتهنون بيع الأسلحة، إضافة إلى بعض المقربين من جبهة التحرير الوطني، منهم شخص نمساوي الجنسية، وآخر ألماني وفرد فرنسي "جزائري مسلم" ينتمي إلى شبكة مكلفة بتهريب الفيالق المُنشقَّة، ثم تأتي "الفئة السياسية" ثالثةً في القائمة، حسب المقال.

يستطرد المصدر نفسه، أنّه تمَّ التوقيع أسفل هذه الوثيقة السرّية بالحبر الأزرق بقلم جاك فوكار، وحظيت بالموافقة على تفعيلها من طرف الأميرال كابانيي، الذي لم يكن سوى رئيس أركان الدفاع الوطني المُلحق بالجنرال ديغول في رئاسة المجلس آنذاك، بعدها، يُضيف جاك فوكار بعد توقيعه عبارة: "تُمنح على الفور للجنرال جروسان، رئيس دائرة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسّس، وحسب ذات المصدر، كانت هناك فترة مُدَّتُها يومان، تفصل بين استلام الأسماء التي جمعتها المخابرات وبين الضوء الأخضر الذي أرسلته السلطة السياسية، ومن المحتمل أن العملية كانت تتم بعد الموافقة النهائية للجنرال ديغول نفسه، لكن الأمر لا يتجاوز حدَّ التخمين.

اعتبر جاك فولورو في مقاله، أن الدليل الوحيد المتوفّر الذي قد يدين هذا النوع من الاغتيالات التي انتهجتها فرنسا، يأتي من أرشيف جاك فوكار الشخصي بتاريخ 1 أوت/آب 1958، وقد اتبعت هذه الوثيقة العملية نفسها، من خلال ملف الهدف الذي صاغته دائرة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس، وتم التحقق من صحته من قبل السلطات.  إنّه بويلهالم شولز ليزوم، أحد الرعايا الألمان، وقد اعتُبِرَ فردًا "مُضِرًّا بِشدَّة بالمصالح الفرنسية في الجزائر".

ذكر المقال أيضًا، أن جريدة "لوموند" نشرت الوثيقة في عام 2017، كما تابعت هذا الرجل الذي يُعَدُّ نمساويًّا بالأصل، حيثُ كان ينشط ضمن شبكة دعم ناطقة بالألمانية لجبهة التحرير الوطني، والتي سَاعَدَتْ على فرار أكثر من 4000 جندي عبر تطوان بالمغرب. أضاف الصحافي أنه كان من المقرّر أن يُقتل هذا الشخص بالسم غير القابل للكشف، لكن المخابرات الألمانية حالت دون تنفيذ هذه المهمة.

أما الوثيقة الثانية، حسب المصدر عينه، فاحتواها كتاب فانسون نوزيي، إذ وضع هذا الصحافي في المؤلّف جدولًا مفصّلًا شَمَلَ كل العمليات المُنجزة بداية من الفاتح يناير/جانفي 1956، يؤكّد وجود عمليات تصفية واعتداء وتخريب، كما ذكرت الوثيقة الأشخاص المستهدفين وأماكن تنفيذ العمليات، إضافة إلى الأساليب والوسائل المُستغلة لتنفيذها، والنتائج التي آلت إليها.

في سياق متصل، كشف المقال عن أنَّه من مُجمَلِ 38 عملية، تم نجاح 17، وإلغاء 17 أخرى إمَّا بأوامر عليا أو لأمنٍ مشكوك فيه، إضافة إلى "فشل" أربعة منها.

ذكر المقال أيضًا أنه من بين أهم العمليات المُلغاة، كانت عملية اغتيال أحمد بن بلة، زعيم جيهة التحرير الوطني آنذاك في جويلية/تموز 1956، والتي كانت مقررة في القاهرة، باستعمال سلاح صامت، لكن أمرًا حكوميًا ألغى تنفيذ العملية في اللحظة الأخيرة.

 أكد جاك فولورو أن نية التخلص من قادة جبهة التحرير الوطني بدأت بالظهور منذ ماي/أيار 1955، حسب رواية  روجيه فاليغو و باسكال كروب سنة 1985 في كتابهما المسبح، غير أن الدليل الموجود حسبه كان اختطاف الطائرة التي كانت تقل بن بلة مع أربعة من القادة السياسيين في جبهة التحرير الوطني يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1956.

"لوموند": فرقة كوماندوز فرنسية حاولت قتل الرئيس المصري جمال عبد الناصر بمساعدة الموساد الإسرائيلي

 

 يسرد المقال المذكور أيضا ما جاء في جدول وضعته دائرة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس في ديسمبر/كانون الأول 1956، وهو محاولة استهداف اللواء جمال عبد الناصر، الرئيس المصري آنذاك من خلال "انفجار يتحكم فيه جهازٌ عن بعد لحظة وصول الهدف"، وقد قامت قوة كوماندوز من جهاز العمليات بمساعدة أفراد من الموساد الإسرائيلي، بوضع 300 كغ من متفجرات (TNT) تحت الساحة الرئيسية في بورسعيد. لقد تجلى دعم مصر لجبهة التحرير الوطني في الجزائر من خلال تأميم قناة السويس رغما عن الفرنسيين والبريطانيين، ونتيجة لذلك، اضطرت فرقهم الاستكشافية إلى حزم أمتعتها، تحت الضغط السوفياتي، ورغم هذا، تم إلغاء عملية الاغتيال "بأوامر عُليا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون في ذكرى الـ 8 ماي: القمع الوحشي سيبقى وصمة عار في جبين قوى الاستعمار

شنقريحة يتهم فرنسا بارتكاب أبشع مجازر القرن في الجزائر