26-أكتوبر-2022
(فيسبوك/الترا جزائر)

بكّي بن عامر (فيسبوك/الترا جزائر)

ظلّت قارّة أفريقيا محل اهتمام ومتابعة الإعلام الدولي، على كلّ الأصعدة، لكنّ معرفتنا بواقع المشهد الإعلامي فيها، ظلّت بسيطةً ومحدودةً، بالنّظر إلى العلاقة المتشنّجة بين أنظمتها الحاكمة والصّحافة، بما جعل التّعتيم يهيمن على الرّأي العامّ في القارّة وفي العالم. 

بكّي بن عامر: حالة الانغلاق والانكفاء على الذّات عززت سطوة التّضييق على الحرّيات في الجزائر

وقد بادرت نخبة من الحقوقيّين والصّحافيّين الأفارقة، عام 2011 في كوت ديفوار، إلى تأسيس تحالف قاريّيعمل على الدّفاع عن حقوق الصّحافيّين في القارّة السّمراء، وخلق قنوات للتّحاور والتّشاور والتّنسيق بينهم. وفي ما يلي حوار مع أمينه العامّ بكّي بن عامر من الجزائر. 

  • كيف تقيِّم واقع الصّحافة في الجزائر، بالمقارنة مع المشاهد الأفريقيّة الأخرى؟ 

إنّها تفتقر لقواعد النّشأة والتّطور. فلم تكن ولادتها طبيعية سواءً قبل الاستقلال أو بعده. فجاءت مرتبكة وملتبسة في مساحات سياسية ضيّقة لا تؤمن بحرّية التّعبير ومفردات الاختلاف، من دون أن تتشكّل لها بيئة موضوعيّة أو قوانين ومراجع. إذ ما تزال قنواتها التّلفزيونيّة الخاصّة أجنبيّة المنشأ في مشهد إعلاميّ عامّ يميّزه الغموض والارتباك في غياب إرادة سياسيّة لحلحلة مشكلات الصّحافة المكتوبة والقنوات الفضائيّة والصّحافة الالكترونيّة. سواء على مستوى منظومة القوانين الهشّة التّي تصطدم مع مفاهيم الصّحافة المتعارف عليها أو على المستوى المهنيّ وظروف العمل القاسية فيها، في غياب رؤية واضحة لم تستوعب سلسلة التّراكمات السّلبيّة التّي طبعت مسيرة الصّحافة، خاصّةً بعد تسعينيات القرن الماضي.

  • هل جرعة الحرّيّة الإعلاميّة في الجزائر، أكبر أم أقل في أفريقيا؟ 

تعرف حركيّة الإعلام الأفريقي ديناميّة جديدة منسجمة مع التّحوّلات السّياسيّة والاقتصاديّة التّي تعرفها أفريقيا خاصّةً تلك المتعلّقة برفض الهيمنة الأجنبيّة على مقدّرات أفريقيا.

إنّها تشبه الانتفاضة وتحريك المياه الرّاكدة والتّي انعسكت على المخرجات الإعلاميّة التّي ثارت على الهيمنة الخارجيّة وتحديدًا فرنسا الاستعماريّة. وهذا ما تعرفه دول السّاحل ودول غرب أفريقيا التّي رافقت فيها الصّحافة التّحوّلات السّياسيّة التّي تعرفها، ورغبة شعوبها في افتكاك حرّيتها في التّعبير الحرّ وفتح ورشات إعلاميّة عبر مختلف الدّوائر السياسية. وهو ما مكّنها من تغيير معطيات جوهريّة على الأرض. إنّها تجربة إعلاميّة جديدة تتطلّب مرافقة المنظّمات الحقوقيّة والمراكز الاعلاميّة والاتّحادات الدّولية لحماية مطالبها بالتّغيير الحر ّ.

  • ما عدا الأمانة الجزائريّة لتحالف الإعلاميّين والحقوقيّين الأفارقة، هل ثمّة إقبال للصّحافيّين الجزائريّين على هذا التّنظيم القارّي؟ 

 هناك عامل نفسيّ عند الجزائريين هو عدم شعورهم بالانتماء إلى أفريقيا! وهذا ما تترجمه البرامج التّعليميّة والمدرسيّة والدّينيّة والثّقافيّة التّي تخلو من الانتماء لإفريقيا، حتّى على مستوى ترجمة الآداب الأفريقيّة.

 فانكفاء الإعلام الجزائري على ذاته واعتبار نفسه مكتفيًا، جعله يسعر أنّه لايحتاج إلى تسويق ذاته أو الإعلان عنها. 

  • قد يكون هذا صحيحًا عن الإعلام الحكومي؛ فماذا عن الإعلام الخاصّ؟

ماذا تنتظر من صحافة تضع على رأس أخبارها توصيفات عنصرية مثل أفريقيا الملعونة، القهوي. أفريقيا السوداء؟ ومفردات تدعو الى الكراهية!

إنّ مشكلة صحافتنا في عدم تقدير مسؤوليها للتّحوّلات العميقة التّي يعرفها العالم، وللتّطوّرات التّي تقودها منظومات القيم والمعرفة والسّوق الحديثة.

  • هل يعني هذا أنّ هناك تشنّجًا بين تحالف الحقوقيّين والصّحافيّين الأفارقة مع السّلطات الجزائريّة؟

لقد كانت لتحالف الإعلاميّين والحقوقيّين الأفارقة مواقف داعمة للجزائر في خلافاتها مع فرنسا، بل إنّ القضيّة المركزيّة للتّحالف هي رفض الهيمنة الفرنسيّة على عدد معتبر من الدّول الأفريقيّة. إذ شارك التحالف في تعبئة التّظاهرات التّي عرفتها مالي وتشاد وأفريقيا الوسطى وغينيا كوناكري، مثلما يشارك دومًا ف قضايا الشّعوب الأفريقيّة سواء عبر منصّاته الإعلاميّة ومركزه الحقوقيّ ببانغي. 

والغريب أنّه يملك مكاتب في 26 دولة أفريقيّة، بينما ترفض الجزائر اعتماد مكاتب لمنظمات غير حكوميّة، رغم أنّ تقارير التّحالف يعتدُّ بها في أروقة الاتّحاد الأفريقيّ بعد مشاركته في حلحلة الأزمة السّياسيّة في غينيا الاستوائية عام 2018، باعتراف الاتّحاد الأفريقيّ نفسه، والمشاركة في التّعبئة لإنجاح الانتخابات الرّئاسيّة في أفريقيا الوسطى عام 2021. والتي عملت فرنسا على إفشالها. وغيرها من النّشاطات المشهودة بصوماليلاند والسّنغال والغابون.

  • ما موقف التّحالف ممّا يتعرّض له بعض الصّحافيّين والحقوقيّين في الجزائر؟

إنّ حالة الانغلاق والانكفاء على الذّات عززت سطوة التّضييق على الحرّيات في الجزائر التّي تواجه أسئلة حقيقيّة حول حالات الاعتقال في حق بعض الصّحفيين والمدوّنين والنّشطاء. وهو مؤشّر ينذر بمخاطر تصنيف الجزائر ضمن الدّول والكيانات التّي تضطهد حرّية التّعبير.

بكّي بن عامر: حان للماسكين بزمام الأمور في الجزائر أن يؤمنوا بجدوى الدّيبلوماسيّة الثّقافية

  • كيف تفسّر فتور الجزائر في الانخراط في صفوف التّنظيمات الثّقافيّة والفنّيّة والإعلاميّة الأفريقيّة، في مقابل قوّة انخراطها في التّنظيمات الاقتصاديّة والسّياسيّة؟

أرى أنّه حان للماسكين بزمام الأمور في الجزائر أن يؤمنوا بجدوى الدّيبلوماسيّة الثّقافية في تحصين الأمن القوميّ والمصلحة الوطنيّة، إلى جانب الحصانة الأمنيّة والعسكريّة. فقد بات العمل والحضور الثّقافيّ يشكّل قوّة ناعمةً تساعد الدّول على تسويق ثقافتها وتراثها وخطابها ومصالحها المختلفة. والغريب أنّ الجزائر ضعيفة الأداء في هذا الباب، بالمقارنة مع حلفائها، مثل روسيا التّي تملك وزارة للأمن القومي الثّقافي، وتركيا والصّين وإيران، وبالمقارنة مع منافسيها، مثل المغرب وفرنسا.