توفي وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار يوم الجمعة عن عمر ناهز 86، وهو الذي ظلّ إلى غاية ساعاته الأخيرة صانعًا للحدث والجدل في الجزائر وخارجها، بالنظر إلى اختلاف الآراء حول تقييم ما قام به خلال مسيرته الطويلة في تاريخ الجزائر سواء قبل الاستقلال أو بعده.
ساهمت المناصب التي تقلدها خالد نزار بالتحاقه إلى دائرة رجالات صناعة القرار في البلاد بعد أن أعطى عام 1992 أوامر بوقف المسار الانتخابي
ومهما كانت نظرة أي شخص لسيرة من لقب لسنوات بـ"صانع الرؤساء"، فإن كثيرون يتفقون على أنه شخصية جالبة للاهتمام بالنظر إلى دفاعه المستميت عما قام به وعدم تراجعه عنه في أغلب الأوقات.
منذ الثورة
ولد خالد نزار في ديسمبر/كانون الأول 1937 بولاية باتنة، والتحق بثورة التحرير عام 1958 رغم أنه كان يحوز رتبة متقدمة في الجيش الفرنسي، فهو خريج المدرسة الحربية الفرنسية، الأمر الذي جعله يصنف هو ومجموعة من العسكريين الآخرين من خصومهم ضمن مجموعة "جنرالات فرنسا"، إلا أن هذه التهمة ينكرها الرجل ورفاقه ويؤكد في تصريحاته أنه ممن نذر حياته كلها للوطن الذي يؤمن به.
وبعد التحاقه بجيش التحرير الوطني عمل نزار تحت قيادة الرئيس السابق الراحل الشاذلي بن جديد، فكلف بالوجود في تونس ليدرب الثوار، باعتباره كان يملك الخبرة والمعارف العسكرية التي تحصل عليها من خلال انتسابه للجيش الفرنسي، واستمر في هذا العمل حتى استقلال الجزائر عام 1962.
وسمح له تكوينه العسكري الأكاديمي والتحاقه بالثور من أن يترقى من رتبة إلى أخرى بعد الاستقلال، وبالخصوص بعد أن استعان الرئيس الراحل هواري بومدين وسط السبعينيات بـالجناح المحسوب على نزار.
وبعد رحيل بومدين، وتولي السلطة من قبل الشاذلي بن جديد القائد السابق لنزار، حظي هذا الأخير بترقيات متسارعة، ففي عام 1982 تولى منصب قائد المنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة شرقي الجزائر، ليعين بعد خمس سنوات عام 1987 قائداً للقوات البرية، ونائباً لرئيس أركان الجيش قبل عام واحد من أحداث 5 اكتوبر 1988 التي يقول الجزائريون إنها ربيع البلاد الأول قبل أن تأتي "ثورات الربيع العربي" في 2011، ليتولى لاحقا منصب وزير الدفاع2
وحسب الراحل الدكتور عبد العزيز بوباكير كاتب مذكرات الشاذلي بن جديد، فإن الأخير اضطر لإعطاء بعض المسؤوليات لجنديه السابق، رغم عدم ثقته به.
وساهمت هذه المسؤوليات، في أن يصبح نزار من أهم رجالات صناعة القرار في البلاد بعد أن أعطى عام 1992 أوامر بوقف المسار الانتخابي الذي اعتبره البعض "انقلابًا على الديمقراطية"، بعد أن فاز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المتهم بـ"التشدد" بالانتخابات، ما أجبر الرئيس بن جديد على الاستقالة لرفضه هذا القرار.
وبعدها، أصبح نزار من أعضاء المجلس الأعلى للدولة الذي أتى بمحمد بوضياف رئيسًا للبلاد، لكنه استقال من منصب وزير الدفاع في 1993 بعد انتهاء عهدة المجلس، إلا أن الرجل وجهت له عديد الاتهامات ومنها إقامة معتقلات الصحراء التي نقل إليها كل من اشتبه في علاقته بالحزب المحل .
ورغم خروجه من سلم المسؤولية، إلا أن العسكري صاحب العكاز ظل من رجال السلطة النافذين، وبالخصوص في فترة التسعينات.
علاقته ببوتفليقة
يعد خالد نزار من القادة العسكريين الذين كانوا وراء أن يكون الراحل عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للبلاد، رغم عدم تحمسه له مثلما يقول البعض في البداية، إلا أن الظروف التي عاشتها البلاد في التسعينات حتمت عليه الاتصال في ندوة الوفاق الوطني عام 1994 لتولي رئاسة البلاد، غير أن الرجل الذي حكم البلاد لأربع عهدات رفض في ذلك الوقت هذا العرض الذي حلم به طيلة حياته.
وفي رئاسيات 1999، عاد نزار للاتصال مجددا ببوتفليقة مفضلا إياه على كثيرين من رجالات السلطة مثل وزير الخارجية السابق أحمد الإبراهيمي ورئيس الحكومة مولود حمروش، كونه كان يمثل بنظر البعض في هذا الوقت "الرئيس الأقل سوءًا على مستقبل الجزائر".
وكانت علاقة بوتفليقة بنزار تتزاوج بين الود والخصام حسب الظروف، إلا أن الجنرال المثير للجدل حافظ خلال تلك الفترة على مصالحه من خلال استثمارات في مجال الانترانت، وفق ما تقول بعض التقارير، إضافة إلى أن نظام بوتفليقة ساهم في إنقاذ خالد نزار من الملاحقة القضائية عن اتهامات تتعلق بـ"ممارسة التعذيب أو التغطية عليه" خلال فترة توليه حقيبة وزارة الدفاع بين 1991 إلى 1993، ففي 2001 و2002 سعى القضاء الفرنسي إلى توقيفه، غير أنه استطاع مغادرة باريس قبل القبض عليه.
لكن هذا الحظ لم يساعف نزار من جديد في 2011، فقد استجوب لساعات بسويسرا بتهمة ارتكاب "جرائم "، لكن تم إطلاق سراحه لاحقا.
اتهامات جديدة
وبعد اندلاع حراك 22 شباط فبراير 2019 الذي أصبح مدسترا بعد تولي الرئيس تبون الحكم، اتُهم نزار من قبل رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الراحل الفريق أحمد قايد صالح بـالتعاون مع شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة لإجهاض الحراك، وهي التهمة التي لم يثبتها القضاء عليه.
وقال نزار في بيان بشأن اتهامات قايد صالح إن السعيد بوتفليقة استشاره بشأن إقالة قايد صالح وإعلان حالة الطوارئ في مواجهة الحراك الشعبي، مضيفًا "تمسك السعيد، بالسلطة، وهذا كان واضحًا من قيامه بمحاولات التفاف ومناورات ومخططات للحفاظ على وضع يده على شؤون البلاد".
وظهر للعيان الخلاف بين نزار وقايد صالح من خلال مقالات كانت تكتب ضدّ رئيس أركان الجيش السابق على موقع إلكتروني فرنسي يقال إنه مملوك لنزار، وهو الخلاف الذي دفع نزار للسفر إلى إسبانيا، ليعلن في تغريدة في 26 تموز/حزيران 2019 تراجعه عن الدخول إلى الجزائر، بسبب وجود "مخطط لاعتقاله من طرف السلطات"، لتصدر في 5 من أغسطس/آب 2020 مذكرة توقيف دولية ضده بتهمة التآمر والمساس بالنظام العام، وهي تهم تعاقب عليها المادتان 77 و78 من قانون العقوبات والمادة 284 من قانون القضاء العسكري، وهي المواد التي تتضمن إدانات تتراوح بين 5 سنوات سجنًا نافذًا إلى الإعدام.
وبعدها، دعا نزار عناصر الجيش إلى التمرد على قايد صالح دون أن يسميه بالاسم، قائلا "اليوم أقحمتم رغمًا عنكم رفاقي الأعزاء في الصعيد السياسي والعسكري ولا يجب أن يتمخض تاريخيًا عن ألم وإذا كان هذا سيحدث فسيكون ألمًا زائدًا، وإذا استمر الانسداد الحاليّ وبلغ مداه فسيفرض علينا ذلك لا محالة، إنني أناشدكم لننقذ بلدنا طالما أنه لا يزال هناك وقت، ولنضع الرجل المناسب في المكان المناسب".
لكن إسقاط القضاء التهم الموجهة لخالد نزار من قبل قايد صالح جعلته يعود بعد ذلك للبلاد في ديسمبر 2020 بعد نحو عام بعد رحيل خصمه اللدود.
وبعدها التزم نزار التواري عن الأنظار بسبب وضعه الصحي رغم تكريمه في آب/أوت 2022 باعتباره عضوًا في جيش التحرير الوطني، لكن إعادة فتح ملف القضائي من قبل القضاء السويسري الخريف الماضي جعلته يعود إلى واجهة الأحداث، وذلك قبل أن يغادر الحياة في 29 كانون الأول/ديسمبر 2023.
التزم نزار التواري عن الأنظار بسبب وضعه الصحي رغم تكريمه في آب/أوت 2022 باعتباره عضوًا في جيش التحرير الوطني
وإن كانت سيرة خالد نزار ومواقفه يمكن الإطلاع عليه من خلال الكتب التي نشرها، ومنها مذكراته، فإنه يظل شخصية سياسية وعسكرية من الواجب التعرف عليها لمعرفة جانبا مهما من تاريخ الجزائر السياسي بما أن الرجل وصف من قبل البعض بأنه "صانع الرؤساء".