لا يعكس هذا العنوان الذي أنقله حرفيًا من فلتات لسان العديد من المهنيين في قطاع الإعلام في الجزائر، ما سنكتب في أقل من 700 كلمة في هذا الفضاء إلا في حدود تجربتنا الميدانية في مجال الصحافة.
قال أحد الطلبة لأستاذه: هناك صحافي عمره 24 سنة، يشتغل منذ 6 أشهر في موقع إلكتروني حديث النشأة، يمتلك بطاقة صحافي رسمية وأنت يا أستاذ مارست المهنة في كبريات الصحف لأكثر من ربع قرن ومازلت تردد أنك لا تملك بطاقة صحافي
يوجد في الجزائر أكثر من 200 موقع إلكتروني وجد أصحابها مساحة لممارسة مهنة نقل ونشر الأخبار، وإعادة إنتاج الأحداث اليومية في شتى صنوف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية والفنية.
يضاف إلى هذه التقارير عواجل مختزلة وبرقيات وأخبار واستطلاعات وحوارات، ضاربين عرض الحائط كل ما له صلة بـ" الصحافة المتأنية" من الاشتغال على الريبورتاج وإجراء تحقيقات مع ما يلزمها من تدقيق وتحرٍّ، والاستقصاء وصحافة البيانات وصحافة التجارب المعايشة وغيرها من طرق وزوايا نظر يمكن للإعلام أن يصدح بها على متن هذا الزخم الكبير من المؤسسات الإعلامية المنتشرة في الجزائر.
وما دام العنوان هو "عنوان النصوص" كما تعلّمنا ذلك من حرفيين في اللغة عمومًا والصحافة خصوصًا، فإن الشكوك التي حامت حول سؤال: ماهي مهنتي؟ تليق بأن يكون سردية تكتبها أنامل عشرات الصحافيين الذين وجدوا مداخل متعددة لبيت المهنة النبيلة في مقابل صعوبة استكشاف المخرج، أو بالأحرى وجدوا ذلك في صيغة يكررها البعض تحت قاعدة اسمها "مكره أخاك لا بطل".
إثبات وجود؟
في مرة من المرات وفي مأدبة أكاديمية بامتياز حضرتها عدة وجوه إعلامية تتراوح أسماءها بين جيل الثمانينيات والتسعينيات وجيل الألفية الثانية من جيل يعترف بالإعلام الرقمي ويؤمن بما تقدّمه له الجماهيرية الإلكترونية، ويقتفي أثر ما تفضحه الإنترنيت وخصوصًا متابعة منصات فيسبوك وتيك توك، وتويتر، وكان الجميع يتصيد السؤال الصحيح والجواب المقنع، فقال قائل: "من سيكون له الشرف العظيم بأن يحظى بجمهور واسع في هذه المأدبة؟" فيما طرح آخر: "من سنوجه له الدعوة للحرم الجامعي ليكون أحد المحاضرين في المؤتمر؟"، بينما عرجت أخرى بسؤال: "وهل يُرضي فلان وعلان الطلبة؟" ليتدخل آخر بالقول: "وجب إحضار وجه معروف وله جماهيرية واسعة".
عقب الأخذ والرد، تفطن أحد الدكاترة إلى ضرورة تأثيث المجلس العلمي بوجوه أكاديمية تشتغل في الحقل البحثي الأكاديمي ولها علاقة بالجامعة والطلبة، فهذا إجحاف في حق الجميع إن لم تفعل ذلك.
وجه.. حقيقة
المفاجأة الكبرى أن المحفل الجامعي استقطب الصحافي والأكاديمي والباحث والأستاذ والطالب كلهم جاؤوا للمشاركة إرضاء فقط لذواتهم أو أناتهم التي تحاول أن تهزم حقيقة الحقائق بل أم الحقائق؛ الجامعة بعيدة كل البعد عن واقعها، خاصة وإن سلمنا بأن تخصص الإعلام يحتاج إلى الوجوه الإعلامية المعروفة لتسحب الطالب من فراشه في صباح باكر أو تخرجه من المقهى المجاور للكلية غصبًا وتقطع عنه أحاديث هامشية كثيرًا ما يستمتع بها رفقة خلانه بل ويفضلها على حضور محاضرة علمية.
معايير
يتفق الجميع أن الوجوه المعروفة ساحبة جاذبة ومبهرة في الكثير من الأحيان، بينما الأطر الأكاديمية التي فرضها تواتر النظريات الثابتة في عالم يشهد سرعة حركة فائقة يبتعد يوميًا عن جدران الجامعات، بل وجه واحد يمكنه أن ينسف العديد من الأطر النظرية التي تعج بها الكتب واستنزفت من جهد الباحثين سنوات العمر.
قد تكون الأطروحات والأسئلة التي يتناولها الباحثون وأساتذة وطلاب كليات الإعلام في إطار صروح الجامعات الجزائرية، تتعلق في شكلها البارز حول "المظهر"، أو بالأحرى الصدى الذي شكلته جماهيرية نجوم الإعلام، ما يضع الجامعة عمومًا والأساتذة في "حرج" الإجابة عن تساؤلات كبرى للطلبة، أهمها: " من هو الصحفي؟" و"ماهي المعايير المطلوبة لتكون صحافيًا؟" وهل شهادة في تخصص من تخصصات علوم الإعلام والاتصال تفي بالغرض؟".
قد نلوم بعضنا البعض على تكسير حقيقة متحركة وهي أن الإعلام والصحافة مجال زئبقي، يتطور بتطور التكنولوجية ويبتسم لمن يدفع أكثر من جهده ومثابرته ومسايرته للتجدد والتطور، في المقابل قد نلوم المشرع الجزائري في مجال السلطة الرابعة والخامسة (الصحافة بكل صنوفها والثورة التكنولوجية لما لها من تأثير كبير على الجماهير)، أنه لم يضع معايير أخلاقية لممارسة المهنة وتخصيص بطاقة الصحافي لمن يتوفر فيه بعض المقاييس التي كثيرًا ما تتعارض مع الواقع.
هذا الأمر جعل أحد الطلبة في "جامعة الجزائر 3 " يسأل محاضريه "هناك صحافي عمره 24 سنة، يشتغل منذ ستة أشهر في موقع إلكتروني حديث النشأة، يمتلك بطاقة صحافي رسمية وأنت يا أستاذ مارست المهنة في كبريات الصحف لأكثر من ربع قرن ما زلت تردد أنك لا تملك بطاقة صحافي.. فهل تجيبني عن السؤال: من هو الصحافي في الجزائر؟".
قد نلوم بعضنا البعض على تكسير حقيقة متحركة وهي أن الإعلام والصحافة مجال زئبقي، يتطور بتطور التكنولوجية ويبتسم لمن يدفع أكثر من جهده ومثابرته
سؤال بحجم مغامرة غير محسوبة العواقب، أثار سخط كثيرين، وجوابه يتطلب الكثير من الحكمة والنظر إلى مرآة الحقيقة، يمكن أن تكشف من وراءها بعض زوايا نظر، حول ما يعرفه هذا التخصص من تشرذم وابتعاد المسافة بين ما يلقّن في الجامعات في حجرات الأقسام وبين واقع الممارسة المتحركة المحكومة بأدوات السوشيل ميديا.