03-سبتمبر-2024
(تصوير: باتريك باز/أ.ف.ب)

(تصوير: باتريك باز/أ.ف.ب)

سألت ذات مرة الشاب البلعباسي المدعو "أنوش مافيا" عن سر شهرته، وعمّا يفعله، كي يبلغ عدد متابعيه نصف مليون معجب، فأجابني بصراحة: "لا شيء. أنا لا أقدم أي محتوى، ومع ذلك أحظى بربع مليون متابع في فيسبوك، وربع مليون معجب على تيك توك. أنا لا أدعي أني صانع محتوى، لكن الناس صنعوا الأنوش مافيا".

قبل أربع سنوات، كان عبد القادر بن قرينة، خطيبًا مفوهًا نافس الرئيس عبد المجيد تبون باحترام، حتى أن كثيرين توقعوا له أن يكون حصانًا أسود في السنوات القادمة

بالغ الشاب في صراحته وأضاف: "أحيانًا أستغل الظرف كي أصنع الحدث عبر تصرف بسيط، ففي شهر رمضان فتحت هاتفي النقال لأداء صلاة التراويح في المسجد عبر المباشر، فنشبت ضجّة، ساندني فيها كثيرون، وعارضني آخرون. لكن ذلك التفصيل لا يهمني البتة، بقدر ما كان يهمني أني صرت موضوع نقاش على مدار أيام".

 إن هذا هو ما كان يريد تحقيقه وبلوغه على وجه التحديد، في أن يكون محور أحاديث الناس، وهذه هي الشهرة، التي جناها من وراء تفاهة الناس، كما يقول.

خلال هذه الحملة الانتخابية لفت السيد بن قرينة، زعيم حركة البناء الوطني، إحدى الفروع المنبثقة عن حركة حماس التي أسسها الشيخ محفوظ نحناح، قبل أن تتشظى مثل قنبلة عنقودية، إلى عدة رؤوس متوزعة بين "حمس" و "البناء" و "التغيير".

نظر الجميع بخرجاته الغريبة، بأن صار نجم الكوميديا في حملة انتخابية يفترض أن تكون معركة سياسية ذات جدية، تقدّم المحتوى الاقتصادي والاجتماعي الذي يهم الناخبين الباحثين عن وصفات لمكافحة التضخم، ذلك الغول الذي التهم القدرة الشرائية ونهش مدخرات مواطنين خرجوا مطحونين من حرب الكبش الثانية، فغابوا عن الشواطئ هذا العام بشكلٍ غير مسبوق، أو تطرح مقاربات مهمة للحد من فحش أسعار اللحوم التي تناطح ثمن الكافيار، أو حلولًا لخفض سعر الدجاج المحلي الذي غزته الفراخ البرازيلية، أو تحجيم أثمان الفواكه التي ارتقت بثلث السعر مقارنة بالعام الفارط.

لا أظن أن عبد القادر بن قرينة، وهو واحد من أقطاب مساندة عبد المجيد تبون أقوى مرشّح لخلافة نفسه، لمعطيات موضوعية، يتحمّل لوحده هذه الصورة التي حشرته فيها "صحافة البوز" طلبًا للإثارة والاستثارة، ذلك أن بعض قاعات تحرير جندت له فرق إعلامية لتلاحقه مثل ظلّه أينما حل وارتحل وتكاد تنام معه في سريره، لا برغبة نقل ما يقوله في ملفات مهمة، بل بهدف رفع منسوب المشاهدة، كيفما وقع وكيفما اتفق، تمامًا كما صنع الولد "أنوش مافيا ملايين" المعجبين في مشوار بدأه بكلمات مثل "بر" و " قيو" قبل أن يستحلي زعامة افتراضية جنى منها شهرة فتحت له عالم الموضة وعرض الأزياء.

من المثير حقًا ألاّ تسأل تلك الصحافة السيد بن قرينة، عن رؤيته لحل أزمة السيارات التي صار ثمنها قريبًا من سعر الطائرات العمودية، ولا أن تطلب رأيه في مقاربة رفع الاستثمار الداخلي والخارجي لخلق سوق شغل تمتص آلاف الملفوظين سنويًا من الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين، ولا تستفتيه حول ما يؤرق الجزائريين يوميًا، من فوارق "فاحشة" بين سعر العملة الصعبة بين البنوك الرسمية وبين بنك السكوار غير الرسمي، ولا عن منحة السياحة الفقيرة التي تقل عن المائة أورو، لا تضمن حقّ قضاء ليلة في فندق وضيع بالرامبلة أو التراستيفيري.

قبل أربع سنوات، كان عبد القادر بن قرينة، خطيبًا مفوهًا نافس الرئيس عبد المجيد تبون باحترام، حتى أن كثيرين توقعوا له أن يكون حصانًا أسود في السنوات القادمة، ثم يتحوّل العام 2024 أمام كاميرات صحافة البوز و الترند، المتغافلة تمامًا عن نقل ما يطرحه من برامج و أفكار خلال التجمعات، إلى "حكواتي" على هوامش تلك التجمعات، بهدف واضح هو تقديم ما يضحك الجماهير وزنا على ما يطلبه المشاهدون.

والغريب أن قِسمًا كبيرًا من الاعلام يفعل ذلك، مقدمًا صورة كاريكاتورية عن انتخابات يدافع على نجاحها ورفع نسب المشاركة فيها، فيما يخطئ زعيم حركة البناء لمّا يعتقد أن ذلك يخدمه، بعدما قفز في خمس سنوات من فارس في مضمار الرئاسيات إلى نسخة مكررة لسلال.

ليس لائقًا لبعض الصحافة ولبن قرينة المرور جنب القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ليبرع الاثنان في كوميديا سوداء

ليس لائقًا لبعض الصحافة ولبن قرينة المرور جنب القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ليبرع الاثنان في كوميديا سوداء على طريقة " أنوش مافيا"، فيعوّض "البوز" الرقم الاقتصادي، ويطغى الجد على الهزل، ثم يتحول زعيم حركة البناء إلى بطل السوشل ميديا، وإلى رجل فريد في المسرح الضاحك، ثم يسدل الستار على حملة لم تكن غير موعد لم يعلق منها في الذهن الجماعي، سوى صورة وحيدة لزعيم حركة البناء وهو يمارس حركة اللعب المتزحلق في حديقة ألعاب الأطفال.