09-سبتمبر-2024
1

لم يسبِق للجزائر أن عاشت مثل هذه الضبابية والارتباك بخصوص نتائج الانتخابات الرئاسية

لم يسبِق للجزائر أن عاشت مثل هذه الضبابية والارتباك في الأرقام المؤقتة بخصوص نتائج الانتخابات الرئاسية، إذ تحوم الشكوك حيال النسب والأرقام التي أعلن عنها رئيس السلطة الوطنية للانتخابات، محمد شرفي. هذه الشكوك المعبّر عنها من كل مديريات حملات المرشحين الثلاثة لاستحقاقات الـ7 سبتمبر، تطرح عدة تساؤلات حول مصداقية الهيئة الرسمية في تقديم المعطيات المتحصل عليها على طبق المحكمة الدستورية وتترك مساحة للنزاهة في مرمى القضاة للفصل في أصوات الناخبين بناء على محاضر نهائية رسمية.

أستاذ العلوم السياسية السعيد مفلاح: لأول مرة نشهد فيها في انتخابات رفض المرشحين جميعا للأرقام بالرغم من فوز المرشح تبون بفارق كبير عن منافسيه. 

شكوك وأسئلة 

لم تُرض النتائج المؤقتة المترشحين للانتخابات الرئاسية كسابع استحقاق نظمته الجزائر في مرحلة التعددية الحزبية والانفتاح السياسي أي منذ إقرار دستور 1989، إذ أصدرت مديريات حملتهم بياناً مشتركاً يُدين سلطة الانتخابات، داعية إلى تسليط الضوء على "ضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام التي تم تسجيلها مع إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية من طرف رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات".

لكن في المقابل، فإن الإدانة التي تلقتها السلطة المعنية بالإشراف على العملية الانتخابية، لم تمرّ مرورا سلسا، فمحمد شرفي في "عين الإعصار" خصوصا وأن الأرقام " المشكوك فيها" تضعه أمام المساءلة القانونية.

وحول تظلّم مديريات الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة؛ أجابت بقولها إنّ" عملية استكمال استقبال المحاضر الولائية الأصلية لتركيز النتائج جارية حاليا"، مؤكدة على أنّها "ستبلغ المحكمة الدستورية بالنتائج المسجلة في هذه المحاضر الأصلية فور استكمال استقبالها".

السؤال المطروح في هذا الإطار: لماذا أفرجت السلطة الأرقام المؤقتة في حين أنّ المحاضر لم تكن كاملة والقانون يمنحه مهلة الـ72 ساعة كآجال الإعلان؟ ولماذا لم يعلن شرفي عن نسبة المشاركة المؤقتة؟

فوضى الأرقام؟

البداية كانت من " معدل نسبة التصويت"، في غياب نسبة المشاركة، فالأول يعني أن النسبة المعلن عنها المقدر بحسب المصدر نفسه، بـ 48.03 في المائة، إذ تمثل في قسمة نسبة المشاركة في كل ولاية من الولايات على العدد الإجمالي لـ 58 ولاية. 

حسابيا لما هو متوفر من سلطة الانتخابات، هو جمع كل من نسبة 94.65 بالمائة التي تحصل عليها المرشح الحر، عبد المجيد تبون بالإضافة إلى نسبة 3.17 بالمئة التي تحصل عليها مرشح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، زائد نسبة 2.16 بالمئة التي تحصل عليها مرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش والتي تساوي مجموع 99.98 بالمائة. 

وهذا المعدل أبرز "نسبة محترمة"، جعلت من الكثيرين يتساءلون عن مجموع كل نسبة تحصل عليها كل مرشح وهو أقلّ حسابيا من 100 بالمائة. 
لقراءة المعطيات الانتخابية، فلا يمكن التعويل على معدل نسبة المشاركة وذلك لدواعي عدم الإعلان عن عدد المصوتين، الذي يمكن في حال ذلك، تقسيمه على عدد الناخبين (أكثر من 24 مليون ناخب) لاستخراج نسبة المشاركة، كما لم يتمّ الإعلان عن عدد الأوراق الملغاة، فهي أيضا تدخل في المعطيات والإقرار بالنتائج فضلا عن كونها حقائق يمكن البناء عليها في تحليل النتائج وقراءاتها قراءة أفقية تتعلق بالمقارنات بين النسب، فضلا عن قراءة عمودية يمكن بفضلها تحسس مدى الإقبال والمشاركة التي ظلت خلال 20 يوما من الحملة الانتخابية هاجس المترشحين.

كما أن نسبة المشاركة تبقى أهمّ مُعطى في أي استحقاقات رئاسية أو تشريعية أو محلية، رغم أنّ الأولى هي بوصلة الـ 5 سنوات القادمة.

بالنّسبة للمترشحين الثلاثة؛ ورفضهم النتائج من باب أنها غير معقولة وتناقض الأرقامالمعلنة لنسبة المشاركة، وهو ما يعني أنّهم وضعوا سلطة الانتخابات في حرج، بل هو في نظر المتابعين "ضرب لمصداقيتها"، بالرغم من أنّ بيانها الأخير يُفصِح عن "الاستمرار في جمع المحاضر النهائية"، والتي ستسلمها للمحكمة الدستورية لتنظر فيها.

المعطيات والسياسة

في قراءة سياسية لهذه الخطوة، فإن المرشحين حساني وأوشيش يطالبان بتثبيت الأرقام والنسب الحقيقية بناءً على ما ورد إلى المديريات الولائية لكل مترشح من محاضر النتائج.

في هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية السعيد مفلاح بأنّ المحكمة الدستورية هي الفيصل، حتى وإن كانت عديد القراءات تطرح هنا وهناك، إلا أنّ الأهم من كل هذا هو قرار المحكمة الدستورية وإعطاء كل ذي حق حقه.

ولفت في تصريح لـ" الترا جزائر" بأن العملية الديمقراطية، تبنى من خلال استقلالية المؤسسات، وهي أول مرة نشهد فيها في انتخابات رفض المرشحين جميعا للأرقام بالرغم من فوز المرشح تبون بفارق كبير عن منافسيه. 

مسؤولية

تضارب الأرقام المعلنة، أربك المرشحين، وحتى بالنسبة لمديرية حملة الرئيس الفائز، وهو ما يفسر أنّ الغموض مرده إلى عدم انتظار المحاضر النهائية للفرز وتثبيت الأصوات المعبر عنها لكل مرشح، فهل استعجل شرفي الإعلان عن تلك النتائج ولو لفترة مؤقتة؟

حول ذلك يعلّق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زهير بوعمامة، بقوله إنّ رفض المرشحين للنتائج؛ "رسالة ايجابية في أبعاد متعدّدة، تؤشر على روح مسؤولية عالية لدى المرشحين الثلاثة وتؤكد تعاليهم على حسابات المكسب الانتخابي الظرفي الضيقة وحرصهم على تحصين تجربتنا الديمقراطية واستجماع ما يثبت أركانها وعوامل استقرارها واستدامتها".

وأضاف في إفادته حول الموضوع أنّ "الرئيس المترشح الذي حاز مجددا على ثقة أغلبية واسعة لدى النّاخبين لم يقبل بأن يبدأ عهدته الثانية إلا بما حصل عليه من أصوات حلال"، موضّحا بأنّه في "ظل الشفافية التي ميزت هذا الاستحقاق الانتخابي الهام ومن دون التغطية على معضلة العزوف التي تضع الجميع سلطة ومعارضة ومجتمعا أمام ضرورة فتح نقاش جاد لإيجاد المعالجات الجماعية المناسبة لهذه الظاهرة التي ترتبط بعوامل عميقة ولا تتحكم فيها فقط أسباب ظرفية عابرة".

كما قال بوعمامة بأنّ "هذه الظاهرة تغزو معظم البلدان التي تمتلك تجارب عريقة في الممارسة الديمقراطية"، مشيرا في الأخير إلى أنّه بـ"الرغم من كلّ النقائص في البلاد إلا أنّ ما حصل يؤسّس لتجربة ديمقراطية ناشئة لا تسمح باستمرار الممارسات البالية السابقة".