22-نوفمبر-2019

يتبع كثير من الأئمة الجزائريون مذهب التيار السلفي (مصطفى حسونة/الأناضول)

لقد استقرّ في الأذهان والوجدان، على مدار تسعة قرون على الأقلّ، أنّ النّسيج الاجتماعيّ الجزائريّ يظل هامدًا حتّى إذا حلّ المولد النّبويّ انتعش ودَبّ وغرق في طقوس تتعلّق بمأكله ومشربه وملبسه وعلاقاته الاجتماعية وعباداته، بما دفع منظمة "اليونيسكو" إلى تصنيف تظاهرة "الأسبوع" في الجزائر تراثًا إنسانيًّا.

لقد تجرّأ الشّيخ محمّد علي فركوس قبل شهور، على إصدار فتوى أخرج فيها المتصوّفة من الملّة المحمّدية

و"الأسبوع" هو تظاهرة في الجنوب الجزائريّ يلتقي فيها النّاس من كلّ الجهات للاحتفال بمولد الرّسول الكريم، فيأكلون ويشربون ويبيتون على حساب السّكّان. ويشهدون طقوسًا ونشاطاتٍ فنّية ودينيّة وثقافيّة واقتصاديّة واجتماعيّة تجعل من المكان على مدار سبعة أيّام عرسًا وسوقًا كبيرين ومفتوحين.

اقرأ/ي أيضًا: "أسلمة" التطرف

بالموازاة مع احتفاء أكبر منظمة راعية للثقافة والفنون والعلوم في العالم بهذه التّظاهرة التي باتت من صميم الهوّية الثقافية للجزائريين، انطلقت الآلة السّلفية السّعودية، من خلال أتباعها في الشّارع الجزائري، في اعتبار الاحتفال بالمولد النّبويّ بدعة خارجة عن الدّين، وسخّرت جهودًا كبيرة في إقناع الجزائريين بذلك، بما خلق اختراقًا للهوّية الوطنية بمنطق التّشويش لا النّقاش.

كان الأمر سيكون مقبولًا لو أنّ السّلفيين الذين يستقون أفكارهم ورؤاهم وأحكامهم من المخبر السّعودي تناولوا القضية بروح النّقاش والحوار والمناظرة، ذلك أنّنا في زمن مفتوح على مختلف الوسائط، أمّا أن يتناولوها بروح الفرض والإجبار، ويعملوا على إطلاق أحكام جاهزة ومعلّبة على شعب مرتبط بها منذ قرون بتزكية من علمائه وصلحائه ومشايخه، وكأنّ العلم والصّلاح والمشيخة حكرٌ على آل الشّيخ ومن لفّ لفّهم في السّعودية، فإنّ الأمر لا يمكن أن يُفهم خارج كونه تعسّفًا، حتّى لا نقول إنّه اختراقٌ سعودي للأمن الاجتماعي والفقهي الجزائري.

هنا، تنبغي الإشارة إلى أنّ النظام السّياسيّ في الجزائر، في السّنوات الأخيرة التي طغى فيه إحساسه بعدم شرعيته في الأوساط الشّعبية، منح للسّلفيين الذين يُحرّمون الخروج على الحاكم وتناوله بمجرّد النّقد، من المنابر والإمكانيات وغضّ البصر، ما نقلهم من مقام كانوا فيه شركاء في الفضاء والتّواجد، وهذا من حقّهم، فهم في النّهاية شطر من الاجتماع العام، وينبغي أن تمنعنا روحنا الدّيمقراطية من العمل على استئصالهم، إلى مقام التغوّل وإلغاء المذاهب والرّؤى الأخرى، بما فيها تلك المتأصّلة في الإنسان والمكان الجزائريين.

لقد تجرّأ عميد القوم في الجزائر الشّيخ محمّد علي فركوس، قبل شهور، على إصدار فتوى أخرج فيها المتصوّفة من الملّة المحمّدية. ولم يجد من النّظام القائم من يقول له إنّ هذا لا ينبغي لك، إن لم يكن من باب أنّ ذلك يخلق فتنة شعبية قد تؤدّي إلى تفكيك المجتمع، بحكم أن غالبية الجزائريين ينتمون إلى طرق صوفية، فمن باب أنّ رئيس الجمهورية نفسه كان صوفيًّا ومشجّعًا للطرق الصّوفية، لكنّ حاجة هذا الأخير إلى فتوى تحريم الشيخ للخروج عن الحاكم وللإضرابات الاحتجاجية، تغلّبت على مسؤوليته في الحفاظ على الأمن الاجتماعيّ العام.

كانت المرحلة البوتفليقيّة ثريّة بالمواقف والقرارات الفاسدة، لكن السّكوت على تغوّل السلفيين ذوي الامتداد السّعودي يأتي في طليعة تلك المواقف البوتفليقية الفاسدة. فقد أدّى موقفه اللّيّن منهم، مقابل أن يحموه بالفتاوى التّي تصبّ في تحريم الخروج عليه، إلى محو كثير من ملامح الشّخصيّة الدّينيّة والاجتماعيّة الجزائريّة.  

ألا يرجع السلفية في الجزائر في أحكامهم إلى مرجعياتهم في السّعودية؟

هنا، نطرح هذا السّؤال احترامًا للعقل: ألا يرجع السلفية في الجزائر في أحكامهم إلى مرجعياتهم في السّعودية؟ فما معنى أن يأخذوا موقفًا من الجزائريين المتصوّفة والإباضية، في الوقت الذي لا يقول فيه مشايخهم السّعوديون شيئًا عن متصوّفة وإباضية الخليج؟ أليست سلطنة عمان الحاضنة العالمية للمذهب الإباضي عضوًا في مجلس التعاون الخليجي؟ فما معنى أن تحافظ على أمنك القومي في السعودية من خلال احتضان من يخالفونك فقهيًّا، وتهدّد أمني القومي في الجزائر بتبديع وتكفير من يشبههم عندي؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الجزائريون والتدين.. عودة الاعتدال؟

الطرق الصوفية محل استغلال سياسي جزائريًا