15-أغسطس-2024

شارع زيغود يوسف وسط العاصمة (Getty)

يروي الأربعيني سليمان بوراس، وهو أب لطفلين، تفاصيل رحلته للبحث عن شقّة للإيجار في العاصمة الجزائرية، حيث تزداد حيرته يومًا بعد يوم، وهو يراقب أسعار الإيجار التي تظلّ مرتفعة رغم التحسن النسبي في السوق خلال الأسابيع الأخيرة.

 نور الدين مناصرة لـ "الترا جزائر": من المتوقّع أن تتراجع أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 15 % وذلك نتيجة عوامل متعددة تؤثر على العرض والطلب في السوق

ينتظر سليمان بفارغ الصبر استلام سكنه الجديد ضمن برنامج "عدل 2" الذي سجّل فيه سنة 2013، ولكنه في انتظار ذلك، يجد نفسه مضطرًا لمواجهة واقعٍ اقتصاديٍ صعب يتطلب منه التكيف حتى يحين موعد منحه مفتاح شقته المدعمة.

وفي حديثه إلى "الترا جزائر"، يطالب سليمان السلطات بإيجاد حلولٍ لضبط سوق العقارات ومنع استمرار ارتفاع الأسعار بشكلٍ غير مبرر، مبرزًا معاناة كثير من المواطنين الذين يُواجهون التحدّيات نفسها، في سبيل تحقيق حلم الاستقرار.

توقعات بتراجع الأسعاروغير بعيدٍ عن ذلك، تشهد السوق العقارية في الجزائر تطوراتٍ ملحوظةٍ قد تنعكس على أسعار العقارات بشكلٍ كبيرٍ في المستقبل القريب، وفقًا لتصريحات نور الدين مناصرة، رئيس الفيدرالية الوطنية للوكالات العقارية، إذ أنه من المتوقّع أن تتراجع أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 15 بالمائة، وذلك نتيجة عوامل متعددة تؤثر على العرض والطلب في السوق.

يأتي هذا التراجع المحتمل؛ بعد تسليم ربع مليون سكن جديد مؤخرًا، بالإضافة إلى إطلاق الصيغة الثالثة لبرنامج سكنات "عدل"، حيث تم تسجيل قرابة مليون ونصف مليون جزائري في هذه الصيغة وحصلوا على أرقام اكتتاب، كما أن هذا الارتفاع الكبير في عدد الوحدات السكنية المعروضة، يقول مناصرة لـ"الترا جزائر" قد يؤدي إلى زيادة العرض في السوق، مما سينعكس على تراجع الأسعار التي بقيت مرتفعة لأكثر من عشر سنوات.

ومعلوم،  أن أسعار العقارات في الجزائر قد بدأت في التراجع بالفعل بعد جائحة كورونا بنسبة تقدر بحوالي 10 بالمائة، وتعتبر التصريحات التطمينية للسلطات بأنها ستسهر على توفير سكن لكل جزائري بمثابة عامل آخر يسهم في التوجه نحو تراجع الأسعار، وهو ما يعد بشارة إيجابية للكثير من المواطنين الذين ينتظرون تحقيق حلمهم بامتلاك سكن.

وفيما يتعلق بأسعار الإيجار، أشار مناصرة إلى أن سعر كراء شقة من ثلاث غرف في العاصمة يعادل حاليًا حول 40 ألف دينار، مع إمكانية زيادة أو نقصان السعر حسب المنطقة وجودة السكن، وأضاف أن الوكالات العقارية تدعو إلى ضرورة تسقيف أسعار الإيجار في الجزائر من خلال اعتماد جدول رسمي للأسعار يأخذ بعين الاعتبار المنطقة، المساحة، عدد الغرف، والإطلالة، وذلك بهدف تحقيق استقرار أكبر في السوق وضمان تسجيل حقيقي للصفقات التجارية، والالتزام بسداد الضرائب والرسوم، ومنع عمليات تبييض الأموال.

في ظلّ هذه التطورات، من المتوقع أن تشهد السوق العقارية في الجزائر تحولًا كبيرًا خلال السنوات المقبلة، مع اتجاه الأسعار نحو الانخفاض، وهو ما قد يُشجّع المزيد من المواطنين على الدخول في سوق العقارات سواء لشراء أو استئجار الوحدات السكنية.

وكالة عمومية لضبط سوق العقار

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف؛ إن سوق العقار في الجزائر شهد مؤخّرًا تطورًا ملحوظًا بفعل المشاريع الكبرى التي دخلت حيز التنفيذ، حيث سعت الحكومة إلى تلبية الطلب المتزايد على السكن وتحسين الظروف المعيشية للجزائريين.

وقد تجلى هذا التطور من خلال إطلاق دفعة جديدة من سكنات "عدل 3" وتوزيع أزيد من 200 ألف وحدة سكنية، مما يعكس التزام الدولة بتوفير حلول سكنية فعّالة ومستدامة.

كما يرى  هادف أن المشاريع الكبرى التي أطلقت في مجال السكن ستنعكس إيجابًا على سوق العقار مستقبلًا، لا سيما من حيث الأسعار التي يتوقع أن تنخفض بنسبة معتبرة نظرًا لزيادة العرض وقلة الطلب، مشددا على ضرورة ضبط هذه السوق وإقرار سلم أسعار ثابت من خلال إنشاء وكالة عمومية لتنظيم سوق العقار.

واعتبر محدث " الترا جزائر " أن السوق العقارية في العالم تشكل عصبًا حيويًا في اقتصاديات الدول الكبرى التي تستفيد من عائدات العقارات في تحقيق التنمية المستدامة  قائلًا: "سوق العقار من بين أهم الأسواق التي تساهم في تنشيط السوق المالية"، لذلك "وجب إنشاء هيئات تضبط هذه السوق وتسمح بشفافية أكبر في التعاملات المالية".

كما يقترح هادف تعزيز الشفافية في السوق العقارية من خلال إدخال تقنيات رقمية لتسجيل المعاملات العقارية، مما سيؤدي إلى تقليل المعاملات المشبوهة وتبسيط الإجراءات للمستثمرين والمواطنين على حد سواءً.

ويؤكد -محدثنا- على أهمية وضع سياسات تحفيزية لتشجيع الاستثمار في العقارات التي تراعي المعايير البيئية على وجه الخصوص خاصة في مناطق الهضاب العليا التي تشهد حركية اقتصادية ، وهو ما يمكن أن يشكّل قيمة مضافة لسوق العقار في الجزائر.

زلزال عقاري

ولا يختلف رأي النائب البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني، أحمد ربحي، عن وجهات نظر الخبراء إذ يؤكد في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن سياسة السكن التي اعتمدتها السلطات في البلاد خلال السنوات الماضية قد أثمرت وظهرت نتائجها على أرض الواقع ،خاصةً مع توزيع مئات آلاف الوحدات السكنية على المواطنين.

وأشار ربحي إلى أن هذا التوزيع الكبير للوحدات السكنية بمختلف الصيغ، بالإضافة إلى إطلاق برامج جديدة مؤخراً، قد أحدث "زلزال عقاري"، حيث أدى إلى تغيير ملحوظ في سوق العقارات خاصة مع انتقال العديد من المستأجرين إلى منازلهم الجديدة، فيما يستعد آخرون لاستلام مفاتيحهم قريبًا قائلًا : "هذه المعادلة أدت إلى زيادة العرض مقابل تراجع الطلب وهي عوامل أسهمت في انخفاض الأسعار بنسبة تجاوزت 15 بالمائة".

في المقابل، أوضح ربحي أن الطلب على السكن في المدن الكبرى، خاصة في العاصمة، لا يزال مرتفعًا، مما ساهم في استمرار ارتفاع الأسعار، خاصة بالنسبة للسكنات والعقارات ذات المساحات الكبيرة مثل الفيلات والشقق بطابقين، وهذه العقارات حسبه غالبًا ما تكون موجهة للمؤسسات أو للأشخاص والتجار ميسوري الحال، حيث تقع معظمها في الأحياء الراقية أو تلك ذات النشاط التجاري المكثف.

ويستدرك محدث "الترا جزائر"، أن سوق العقار في المناطق الريفية أو الضواحي هي أقلّ ارتفاعًا فيما يخص الأسعار، نظرًا لتراجع الطلب عليها مقارنةً بالمناطق الحضرية.

النائب أحمد ربحي لـ "الترا جزائر": سياسة السكن التي اعتمدتها السلطات في البلاد خلال السنوات الماضية قد أثمرت وظهرت نتائجها على أرض الواقع

كثيرًا ما يثار نقاش حول ارتفاع أسعار سوق العقار في الجزائر، وتطرح عدة أسئلة حول استمرار ارتفاع أسعارها، وعدم تدخّل السلطات لتسقيف أسعار الإيجار، ووضع قانون يحدد مدة الإيجار بشهر واحد بدل سنة أو سنتين.