09-مارس-2020

الرئيس تبون تطرّق إلى استغلال الغاز الصخري للخروج من الأزمة (تصوير: فاروق باتيش/أ.ف.ب)

ولأنه كان ضامنًا لمنصب رئيس الجمهورية، فقد اختار عبد العزيز بوتفليقة أسلوبًا غريبًا لإدارة حملته الانتخابية الأولى عام 1999، تعتمد على انتقاد الجموع التي كانت تحضر تجمّعاته.

كان الجزائريون في نهاية تسعينيات القرن العشرين، يعيشون أوضاعًا اجتماعية مزرية

كان يتكلّم عن "البحبوحة" المالية التي كانت تتمتّع بها الجزائر في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما صعدت أسعار البترول إلى مستويات كبيرة، والتي ذابت مثل الثلج، وحمّل الشعب المسؤولية عندما قال: "كنتم تأكلون البرقوق، وتصفقون للسلطة التي كانت تبذّر الأموال"، في إشارة إلى حكم الراحل الشاذلي بن جديد، الذي أخرجه من الباب الضيّق وطارده بتهمة سرقة الأموال.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تسعى لجذب الاستثمارات.. هل آن الأوان للخروج من اقتصاد النفط؟

وكان معظم الجزائريين في نهاية تسعينيات القرن العشرين، يعيشون أوضاعًا اجتماعية مزرية، فأسعار البترول متدنّية، والمديونية الخارجية بلغت أرقامًا كبيرة، والمؤسّسات العمومية كانت تُغلق والآلاف من العمّال "السابقين" يواجهون البطالة، والحكومة تقتطع من أجور الموظفين من أجل ضمان أجور موظفين آخرين.

والحكاية بدأت مع انتهار أسعار البترول منتصف الثمانينيات، عندما كانت السلطة تبّذر الأموال يمينًا وشمالًا رافعة شعار "من أجل حياة أفضل"، وكان "الكبار" يستولون بطرق مختلفة على الملايير، مقابل "الفتات" الذي يناله بقية الشعب.

ولأن السلطة لم يكن لها أي مخطط اقتصادي، وتكتفي بصرف عائدات الريع البترول، فقد خرّج حينها وزير الطاقة بلقاسم نابي، بتصريح يقول فيها: "إن الجزائر استطاعت تجاوز الأزمة البترولية بطريقة تفوّقت بها حتى على الولايات المتحدة الأميركية"، وهو التصريح الذي تحوّل إلى مسخرة بعد أن أوشكت الدولة على الانهيار بعد ذلك، عندما اندلعت أحداث أكتوبر 1988، ودخول البلاد في "حرب أهلية" أكلت الأخضر واليابس في تسعينيات القرن العشرين.

وطيلة أيام "المحنة التسعينية" كان عموم الجزائريين، يتذكرون "نعمة" بداية الثمانينيات كحلم جميل، معتقدين أن أيّام "البحبوحة" لن تعود وأن "العام اللي يروح خير من العام اللي يجي".

واستلم بوتفليقة الحكم، وصعدت أسعار البترول مرّة أخرى إلى مستويات خيالية، وقيل إن الخزينة العمومية كسبت أكثر من ألف مليار دولار في مدة 15 سنة تقريبًا، لكن الغريب أن سلطة بوتفليقة أعادت سلوكيات سلطة الشاذلي بن جديد نفسها، بل بالغت في البذخ وذهبت معظم تلك الموال في شكل عمولات، وكثير منها نًهب في شكل مشاريع وهمية وقروض غير قابلة للسداد، ونال عموم الشعب "الفتات" مثلما حدث في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، وكأن التاريخ يعيد نفسه بطريقة أبشع.

وفي عزّ الفساد الذي عمّ البرّ والبحر، تمنى كثير من الجزائريين انهيار أسعار البترول، حتى يعود الناس إلى اكتشاف قيمة العمل، والاعتماد على موارد غير الريع البترولي، مثل الفلاحة والصناعة والسياحة، إذا يقال إن الجزائر بلد سياحي بامتياز لكنه يبقى بدون سيّاح.

وعندما بدأت "البروفة الأولى" لانهيار أسعار النفط عام 2014، أصبحت السلطة تتحدث عن التقشّف الذي طال المواطن البسيط قبل المسؤولين، الذين احتفظ كثير منهم بالملايير الذي نهبها في شكل "قروض" غير قابلة للسداد، وساهم تراجع الأسعار في انهيار سلطة بوتفليقة مثلما ساهمت قبلها في انهيار سلطة الشاذلي بن جديد.

ونحن نواجه هاجس الانهيار الأكبر لأسعار النفط، أصبحنا نخشى على الدولة نفسها من الانهيار

واليوم، ونحن نواجه هاجس الانهيار الأكبر لأسعار النفط، أصبحنا نخشى على الدولة نفسها من الانهيار. والخزينة العمومية التي كان الروائي الراحل الطاهر وطّار يسميها "بيت مال المسلمين"، كأنها ساعة رملية تملؤها عائدات النفط عند الارتفاع ليقوم الناهبون بأخذ ما فيها، وبين لحظة الامتلاء ولحظة الفراغ، يبقى المواطن البسيط يعاني الفقر والتهميش، وكأنّه غير معني بتلك اللعبة التي تضيع فيها آلاف الملايير دون أن يأخذ منها إلا "الفتات".

 

اقرأ/ي أيضًا:

دول "أوبك" تمدّد اتفاق خفض الإنتاج جرّاء "كورونا"

فيروس كورونا يجبر "أوبك" على خفضٍ جديدٍ للإنتاج