19-يونيو-2023
عبد المجيد تبون، بيدرو سانشيز (الترا جزائر)

عبد المجيد تبون، بيدرو سانشيز (الترا جزائر)

دخل قرار تعليق الجزائر العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا الموقعة في 2002 عامه الثاني، لتستمر بذلك حالة التشنج التي تطبع العلاقات بين البلدين، والتي تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة لمدريد، وفق ما تنقله الصحافة المحلية دوريا،رغم بروز بوادر بإمكانية عودتها في حال ما أطاحت الانتخابات البرلمانية المقبلة برئيس الحكومة الحالي بيدرو سانشيز، وعادت الحكومة المرتقبة إلى موقفها التقليدي من قضية الصحراء الغربية.

خبير اقتصادي لـ "الترا جزائر": ضمان وصول إمدادات الجزائر الطاقوية لإسبانيا مرّده حرصها على تسويق صورتها كممون طاقوي موثوق

وشكّل هذا الموضوع اهتمام الصحافة الاسبانية التي لا تزال تطرح تساؤلات بشأن الفوائد التي حقّقتها البلاد من القرار الذي اتخذه سانشيز، وتسبب في مرور العلاقات مع أكبر ممون للبلاد بالغاز بأصعب فتراتها.

من جانب واحد

 في الثامن من شهر حزيران/جوان 2022، أعلنت الجزائر تعليق "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون" التي أبرمت في الثامن من شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر تشرين الأول 2002 مع إسبانيا، على خلفية موقفها الجديد من ملف الصحراء الغربية الداعم لمقترح وحيد لحل المستعمرة السابقة لأسبانيا، وهو مقترحٌ الحكم الذاتي الذي تنادي به المغرب، لتتجاهل بذلك المقترح الأممي الذي ينصّ على تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية، والمتضمن الاختيار بين ثلاثة اقتراحات الأول يتعلق بالحكم الذاتي تحت سلطة المغرب، والثاني ينص على الانضمام إلى المغرب كلية، والثالث يمنح الاستقلال الكلي  للصحراء الغربية عن المغرب.

وقال بيان  للرئاسة الجزائرية وقتها "إن موقف الحكومة الإسبانية يعتبر منافيًا للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، ويُساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وبالمنطقة قاطبة"

وأوضحت الرئاسة الجزائرية أن بلادها قررت "المضي قدمًا في التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها في الـ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2002 مع إسبانيا والتي حددت تطوير العلاقات بين البلدين".

وأتبعت الجزائر هذا القرار بتجميد عمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا اعتبارا من 09 حزيران/جوان 2022.

وتسبب هذا القرار في خسائر اقتصادية ظاهرة لإسبانيا، وبالخصوص المصدرين نحو الجزائر، تقدرها تقارير إعلامية إسبانية بأكثر من مليار يورو منذ انطلاق الازمة بين البلدين في شهر آذار/مارس 2022.

في أبريل/نيسان الماضي، ذكرت أسبوعبية "لوبوان" الفرنسية  إن حوالي ثلاثين شركة اقتصادية إسبانية طالبت حكومة سانشيز  بتعويضها عن خسائرها التي نجمت عن تعليق الجزائر لاتفاق الصداقة وحسن الجوار، فقد تكبدت هذا المؤسسات خسائر بلغت 300 مليون يورو في عام واحد.

وتشير بيانات شركة أسبانيا للتصدير والاستثمار الحكومية "ICEX" إلى أن ما لا يقل عن 129475 شركة إسبانية توقفت عن إبرام اتفاقيات تجارية مع الجزائر منذ 2022،  إضافة إلى تراجع عدد المصدرين إلى الجزائر من 222603 إلى 189573 مصدرًا.

إلى هنا، قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف  لـ"الترا جزائر"، إن كل الأرقام من مختلف المصادر تُظهر أن إسبانيا الخاسر الأكبر من تعليق اتفاقية الصداقة، بالنظر إلى أن الجزائر استطاعت بفضل تنويع الشركاء الأوروبيين أن تجد بديلًا للسلع الإسبانية، بشراكات مع إيطاليا والبرتغال وغيرهما.

وأضاف أن أكثر القطاعات الأسبانية المتضررة من تعليق العمل باتفاقية الصداقة هي البناء والسيراميك والميكانيك وبعض المنتجات الصيدلانية.

واعتبر محدّث "الترا جزائر"، أن الجزائر استطاعت أن تخرج منتصرة من هذا الخلاف السياسي، كونها أظهرت أنها قادرة على فرض مواقفها وقراراتها سيادية، إذ أن أثر هذا الخلاف لا يتعلق بالاقتصاد فقط إنما له أثر جيوسياسي أيضًا، وبالخصوص في الظروف الاستثنائية الحالية التي يعيشها العالم التي ستفضي إلى تحولات كبرى قد تحدث خلال في موازين القوى الدولية.

التزام

لم يمنع تعليق العمل باتفاقية الصداقة الجزائر من الالتزام بتعهداتها الاقتصادية تجاه إسبانيا، حيث واصلت ضخّ إمداداتها الطاقوية نحو مدريد عبر خط "ميد غاز" الرابط بين البلدين عبر البحر الأبيض المتوسط.

واعتبر الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف أن ضمان الجزائر لوصول إمداداتها الطاقوية لإسبانيا مرّده حرصها على تسويق صورتها كممون طاقوي موثوق، إضافة إلى أن اتفاقات قطاع الطاقة تكون في الغالب طويلة المدى.

وحاولت إسبانيا خلال هذا الخلاف التقليل من وارداتها الغازية من الجزائر بالاستعانة بالولايات المتحدة، والاستيراد من روسيا رغم قرار الاتحاد الأوروبي بخفض الإمدادات الطاقوية من موسكو جراء الحرب في أوكرانيا، إلا أن مدريد اضطرت في الأخير للعودة للاعتماد في تأمين حاجاتها الطاقوية من الغاز الجزائري، حيث أظهرت الأرقام الأخيرة أن 40 بالمائة من واردتها الغازية تأتي من الجزائر.

ويظهر أن إسبانيا استدركت الأمر بعدما فقدت صفقات في هذا الإطار لصالح إيطاليا، إضافة إلى تخوّفات من أن تكون البرتغال المعوض لها، حيث طرحت هذه المخاوف بقوة في الصحافة الإسبانية، وبالخصوص بعد الزيارة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى لشبونة، والتي طرح فيها موضوع إمكانية أن تكون الجارة الأيبيرية شريكًا استراتيجيًا جديدًا للجزائر لتعويض مدريد.

تراجع

بعثت نتائج الانتخابات المحلية الإسبانية الأخيرة، أملًا في إمكانية عودة العلاقات بين الجزائر ومدريد إلى سابق عهدها، بعد الانتكاسة السياسية التي مُني به رئيس الحكومة بيدرو سانشيز وحزبه، والتي دفعته إلى حل البرلمان وإعلان انتخابات مسبقة تجري شهر تموز/جويلية المقبل، ما يعني إمكانية مغادرته منصبه في حال ما جاءت الانتخابات التشريعية بالنتائج نفسها.

وحصد حزب الشعب المحافظ الذي يمثّل المعارضة الرئيسية، العدد الأكبر من الأصوات في الانتخابات المحلية، مقابل انتكاسة للاشتراكيين في العديد من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، لا سيما فالنسيا، حيث تعرّض المعسكر الاشتراكي الذي يقوده سانشيز لخسارة كبيرة، بسبب خلافه مع شريكه في الائتلاف الحاكم حزب بوديموس اليساري المتطرف.

إلى هنا، قال زعيم المعارضة، ألبرتو نونيث فيخو زعيم الحزب الشعبي، بعد الفوز الذي حققته تشكيلته السياسية، إن إسبانيا دخلت حقبة سياسية جديدة، مضيفًا في هذا الإطار أن "إسبانيا بدأت دورة سياسية جديدة.. إنه انتصار لطريقة مغايرة في السياسة".

وما يرجّح إمكانية عودة العلاقات بين البلدين، هو أن فيخو  سيكون أكبر المرشحين لتولي رئاسة الحكومة الإسبانية، والذي سبق أن أكد أنه في حال وصوله إلى سدّة الحكم ، فإن "ملف الصحراء سيعالَج بإجماع الطبقة السياسية في البلاد، وفق المقررات الأممية".

وسبق لفيخو أن وعد في مقابلة تلفزيونية أُجريت العام الماضي بـ"إعادة العلاقات مع الجزائر، وقال وقتئذٍ إنه "إرث تركه لنا جميع رؤساء الحكومة السابقين. كان لديهم جميعًا علاقات جيدة مع الجزائر. لقد كانت دولة لدينا معها معاهدة صداقة"، متسائلًا في الوقت ذاته أنه كيف لحكومة سانشيز أن تخسر "شريكًا استراتيجيًّا مثل الجزائر في مجال الغاز".

تظل الجزائر متمسّكة بموقفها نحو علاقتها بإسبانيا وتُحمّل المسؤولية في خطابات رسمية مسؤولية هذه "القطيعة" إلى الحكومة الإسبانية

وفي انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات العامة المقررة في 23 تموز /جويلية المقبل، تظل الجزائر متمسّكة بموقفها نحو علاقتها بإسبانيا، وتُحمّل المسؤولية في خطابات رسمية مسؤولية هذه "القطيعة" إلى الحكومة الإسبانية التي غيرت موقفها التقليدي.