08-أغسطس-2024

(صورة أرشيفية/ فيسبوك)

في الجزائر قصصُ نجاحٍ لأفرادٍ كثيرين، لكنها لا تُروى، وصورةٌ عامّة لمجتمع فاشل يتبارى الجميع في صناعتها وبيعها للعالم في أحسن حلّة.

يتربى الصحفي في قاعات التحرير على "النظرية الكلبية" للإعلام، تلك التي تقول " إذا عضّ كلب إنسانًا فهذا ليس خبرًا"

ذات مرة كنت جالسًا مع مدير قناة جزائرية خاصّة، فاتصل به مدير قناة أردنية، ليطمئن على حالة البلاد، وما من سبب دفعه لذلك، في وقت كانت فيه السماء صافية والعصافير تزقزق، سوى أنه قرأ شرائط أخبار القنوات الخاصة التي تسوق عواجل حجز المهلوسات حتى لو تعلق الأمر بحبتين، وأنباءٍ عن جرائم متتالية، وسرقات متعددة، كما لو أن الصحافة صارت جنسًا واحدًا هو أخبار الحوادث.

فلا أحداث على ما يبدو في الجزائر غير الحوادث، أو كما لو أن هذا البلد القارة غابة وحوش آدمية أو "سلخانة" يتربع فيها مروجو "القرقوبي" و"الصاروخ" وحملة السيوف على المشهد الإعلامي، بطريقة مبالغ فيها، تؤثر على المزاج النفسي الداخلي، وتنقل صورة تعيسة عن بلد عاصمته "البهجة".

يتربى الصحفي في قاعات التحرير على "النظرية الكلبية" للإعلام، تلك التي تقول " إذا عضّ كلب إنسانًا فهذا ليس خبرًا"، أما "إذا عض الإنسان كلبًا فهذا خبر"، حتى صار خبزه اليومي هو البحث عن البشر الذين يعضون الكلاب، دونما حفر عن قصص نجاح مواطنين يعافرون أوضاعهم الاجتماعية الصعبة، بأدوات بدائية.

أذكر هنا، أن قصة كنّاس مغن في ولاية داخلية، حققت أكثر من أربع ملايين مشاهدة، فيما حققت قصّة فتاة تمارس رياضة رفع الأثقال في قاعة ذكور، في ولاية ظلّ، أكثر من ثمانية ملايين مشاهدة، وتلك القصتان اللتان نقلهما موقع أمريكي – على سبيل المثال لا الحصر- أكدتا أن المتلقي لم يعد في حاجة لقصّة الإنسان الذي يعض الكلب، بل لنماذج أخرى لبشر يحققون أحلامهم العادية ويعضون الفقر والفاقة واليأس، بعيدًا عن الأضواء، و بلا رغبة في الإثارة أو الاستثارة، مثلما وقع للمتفوق البدوي الملهم ابن الخيمة بوحفص فضلاوي.

عدوى البحث عن الإنسان الذي يعض الكلب، انتقلت في السنوات الأخيرة، لخلايا إعلام بعض الأجهزة الرسمية التي تمطر بريد الصحفيين بما معدله خمس قضايا حجز مهلوسات يوميًا

وعدوى البحث عن الإنسان الذي يعض الكلب، انتقلت في السنوات الأخيرة، لخلايا إعلام بعض الأجهزة الرسمية التي تمطر بريد الصحفيين بما معدله خمس قضايا حجز مهلوسات يوميًا، والنتيجة عواجل "المسطولين" التي تملأ شرائط القنوات التلفزيونية والقنوات الإلكترونية، حتى لو تعلق الأمر بحجز تافه لا يتعدى خمس حبات بريغابالين، لكنك ستعتقد أن البلاد تحولت برمتها إلى مركز إدمان يقطنه بشر مصابون بحمى الهلوسة.