28-سبتمبر-2024
فرانز فانون بجاية

عرض فيلم فرانز فانون في الطبعة الـ 19 من لقاءات بجاية السينمائية (صورة: فيسبوك)

احتفت عاصمة الحماديين بجاية، بـصديق الثورة الجزائرية، (1925-1961) الطبيب النفساني، "فرانز فانون" من خلال فليم للمخرج عبد النور زحزاح تمّ عرضه في إطار الطبعة الـ 19 للقاءات السينمائية بالولاية.

 

بين الضحية والجلاد، غرق فانون في فهم الوضع في الجزائر  وانحاز لنبذ العنصرية والاستعمار

سلّط المخرج الضّوء على حياة فانون في الفترة ما بين: (1953 و1956)، وهي عملية اختزالية لنضال شخصية ضد المستعمر الفرنسي على أرض الجزائر في تلك الفترة.

وعلى عكس ذلك، جاء عنوان الفيلم طويلا:" وقائع حقيقية حدثت في القرن الماضي بمستشفى الطب النفسي بالبليدة -جوانفيل-  في الوقت الذي كان فيه الدكتور فرانز فانون رئيسا للقسم الخامس بين عامي 1953 و1956".

 

تناولت حيثيات الفيلم أولى بدايات تجربة فانون خارج فرنسا، حيث التحق بمستشفى البليدة تحديداً، وكان ذلك في سنة 1953، أي عام قبل اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954.

لقد تمّ تصوير مشاهد الفيلم السينمائي في سنة 2022، ويحكي مسيرة الطبيب فانون، انطلاقاً من مرحلة التحاقه بمستشفى الأمراض العقلية بالبليدة الذي يحمل اسمه حالياً، ثم فترة انضمامه بالثورة التحريرية في العام 1956.

مذاق العنصرية 

من خلال مجريات هذه القطعة الفنية، أدّى دور فانون الممثّل الفرنسي الجنسية، ألكسندر دوزان، الذي استطاع تجسيد قصة طبيب ذاق من العنصرية ضدّ السود، قبل وصوله إلى بلد محتلّ، حاملا معه تجربة الاستعمار، خاصة في فترة تجنيده التي سبقت وصوله الجزائر، هو الأمر الذي جعله يتجاوز الطب النفسي في تشريح الاستعمار كظاهرة اجتماعية.

 

فيلم فرانز فانون ( صورة فيسبوك)

مشاهد الفيلم الذي تم عرضه، في إطار اليوم الثالث من اللقاءات السينمائية لمدينة بجاية، لخّصت ثلاث سنوات من عمله كطبيب نفسي واتصاله المباشر بالمرضى، بيّن فيها كيف اكتسب فانون، حسب مناعة قوية ضدّ عدوى العُنصرية التي طالت الجزائريين، خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، وهي المناعة ذاتها التي جعلته يتابع ضحايا المستعمر ممن وقعوا تحت طائلة التعذيب والتنكيل بأيادي المجرم.

بين الضحية والجلاد، غرق فانون في فهم الوضع في الجزائر، بل، اتخذ طرق علاج أخرى وإلغاء " سترة المجانين"، فهو في يؤكد لأي مشاهد تلك العبارة التي تقال عند دخول أي مصحة نفسية وعقليةو التي تقول:" كل مريض أو مجنون، هو ضحية لمجانين في خارج أسوار المستشفى".

حسب السيناريو الذي كتبه المخرج أيضا، اقترب كثيرا في تلك الفترة، من ثوار جبهة التحرير الوطني، واستقال من مهنة الطب ليلتحق بالثورة تاركا في رسالته بأنّه بالرغم من أنّ علم النفس وسيلة مهمة في تقليص حجم الألم على الفرد وتخليصه من شعور الغربة في بلده، إلا أنّ الاستعمار يحاول أن يقتلع الجزائريين من شخصيتهم وهويتهم.

في المقابل لخّصت الأحداث الكثير في مرحلة عمرية لافتة من حياة فانون، إذ استخدم ثقافة الألعاب والغناء والقص والحكي لعلاج المرضى من المعذّبين في الأرض.

 

فرانس فانون (صورة: فيسبوك)

في المقابل، انتصرت الصورة الإنسانية في هذا العمل، ومعاداته للعنصرية والاستعمار، إذ جعل من الطبيب يواجه قدره في مشتفى أشبه بمقر احتجاز، وبذلك تفوّق الإنسان على الطبيب، بالتزامه بعلاج مرضاه، وتسخير كل جهده لـ" أنسنة" العلاقة بين الطبيب والمريض في مقابل ممارسات عنصرية و تدميرية للمستعمر آنذاك.

فالقوة الاستعمارية تقوم بـ"عزلهم عن الخارج" والتخلص من مشاكلهم النفسية التي يزعمها الاحتلال الفرنسي بعد التنكيل بهم وتعذيبهم أشدّ العذاب.

صاحب كتاب "المعذّبون في الأرض" حمل فكرة ضد العنصرية وضدّ الاستعمار الذي لا يفكر ولا يشعر، بل هو على حد تعبيره:" العنف في حالته الطبيعية، ولا يرضخ إلا لقوة أكبر منه".

أسهم فانون في إرفاق العلاج النفسي لمرضاه لتخليصهم شيئا فشيئا من الألم النّفسي ونسيان ما مضى، وذلك بتفعيل نشاطات ترفيهية واجتماعية، وتخصيص احتفالات للمرضى تتزامن مع احتفالات الجزائريين التقليدية، وهي ممارسات يمكن تخليصهم من عذاباتهم السابقة.

 

فرانز فانون (صورة: فيسبوك)

لم يقدّم الفيلم صورة عن ماضي الطبيب فانون، طفولته وشبابه، وكيف تشبث بالفكر الثّوري الذي متعه بمختلف المعاني التي يحتاجها الإنسان، خصوصا مع تفجر الأحداث في وقتنا الحاضر في عدة مناطق وما زال الاحتلال يعيد إثبات عنفه وجبروته تاركا في الشعوب يحملون معهم ذاكرتهم الجريحة.

يعدّ هذا المنجز الخاص بالمناضل فانون، الثّاني من حيث الشخصية، إذ سبق لزحزاح إخراج فيلم وثائقي عن هذه الشخصية في العام 2002، تحت عنوان "فرانز فانون: ذاكرة منفى"، وفيلم روائي قصير وُسِم بعنوان "قراقوز" (2010)، والفيلم الوثائقي الطويل "الواد الواد" في عام 2013.