08-يونيو-2020

تكيّفت كثير من النشاطات الاجتماعية مع تقنيات التواصل في ظل الحجر الصحّي (الصورة: ليبيراسيون)

إذا راعينا الخدمات التّي قدّمتها الإنترنت للإنسان، بعد أن داهم فيروس كورونا الكوكب، وفرض عليه حجرًا منزليًّا شاملًا، بما جعل التّواصل المباشر خطرًا حقيقيًّا عليه، فإنّنا نجد أنفسنا أمام نخبة من الأسئلة التّي تفرض نفسها فرضًا، منها: هل بقي فرق بين الواقع والافتراضيّ، في حياة الإنسان المعاصر؟ 

ما أن بات خطر الفيروس المستجدّ مؤكّدًا، حتّى تمّ غلق الفضاءات العامّة، في مقدّمتها فضاءات الفنون والثّقافة والعبادة 

يقول النّاشط في مجال الطفولة، عبد الرّحيم لوصيف، إنّ الإجابة على هذا السّؤال قد ترتبك في أذهان الذّين عايشوا زمن ما قبل مواقع التّواصل الاجتماعيّ، "فهم يصرّون على الفصل بين الواقعيّ والافتراضيّ دفاعًا عن وجودهم الذّي لا يحسنون ممارسته إلّا في زمن ومكان ملموسين، أمّا الجيل الذّي فتح عينيه مباشرةً على التّعامل بالأزرار، فالإجابة محسومة لديه، الواقع الحقيقيّ هو الذّي أرسل فيه رسالة، فأتلقّى الرّدّ عليها فورًا".

اقرأ/ي أيضًا: "الدشرة" سلسلة فكاهية تكسر حجر القنوات التلفزيونية

في الجزائر، ما أن بات خطر الفيروس المستجدّ مؤكّدًا، حتّى تمّ غلق الفضاءات العامّة، في مقدّمتها فضاءات الفنون والثّقافة والعبادة وكثير من التّجارات، ثمّ منعت إقامة الأعراس والجنائز والتّجمعات العامّة، فتعطّلت كلّ النّشاطات المتعلّقة بها، بما فيها تلك التّي كانت مبرمجةً من قبل.

ولئن استطاع بعض القائمين على الفعاليات الثّقافيّة والفنّية نقلها إلى الأفق الافتراضيّ، حيث ظهرت مبادرات كثيرة في هذا الباب، فقد أجّلت أو ألغيت تلك المتعلّقة بالمناسبات العائليّة، مثل أعراس الزّواج، وبقيت مصالح الحالة المدنيّة على مستوى البلديّات والمحاكم في حالة بطالة مفتوحة

في ظلّ هذا الواقع، قرّر الشّابّ إبراهيم مكورة من ولاية عين الدّفلى، 150 كيلومترًا إلى الغرب من الجزائر العاصمة، أن يقيم عرس زواجه، عبر منصّة "زووم" العالميّة، بعد أن أعطته التّمديدات المتكرّرة للحجر المنزليّ انطباعًا بأنّها لن تنتهي قريبًا. هنا يقول مكورة: "لا شكّ في أنّ الحجر المنزليّ صعب وثقيل على كلّ الشّرائح، لكنّه أصعب على العازب، فهو تعوّد على أن يقضي معظم يومه وبعض ليله خارج البيت مع شلّته. فيأكل ويشرب ويتسلّى معها، وقد بات يجد حرجًا في ظلّ الحجر المنزليّ أن يستخدم أمّه أو أخته في القيام على شؤون داخل البيت".

من هنا، يقول محدّث "الترا جزائر"، يصبح وجود الزّوجة ضروريًّا في ظلّ الحجر. ولأنّ إقامة أعراس واقعيّة باتت ممنوعة بحكم القانون وبحكم المنطق الصّحيّ نفسه، إذ لا يُعقل أن يقام عرس لأجل الحياة، فيؤدّي إلى الوفاة، فقد قرّرت تجاوز هذا المانع بإقامة عرس افتراضيّ يحقّق جمع الأصدقاء والمعارف، والتّباعد الاجتماعيّ في الوقت ذاته.

ويقول "العريس الافتراضيّ"، إنّه وضع قائمة تضمّ الأصدقاء والزّملاء والأقارب. ثمّ حدّد الموعد المناسب، فأبلغهم به، حتّى يلتزموا به، "فاستجابوا بشكل عفويّ، رغم التّحفظ المبدئيّ الذّي سرعان مازال بمجرّد انطلاق الحفل الذّي حقّق جرعة من الفرح والتّفاعل لا تختلف عن تلك التّي يُحقِّقها عرس في الواقع". يضيف: "إذا كان فيروس كورونا قد فرض علينا الموت، فقد أردت أن يكون عرس زواجي في زمنه، حتّى أقول لأولادي إنني انتصرت للحياة، فيصبح ذلك ضمن قناعاتهم".

من جهته يقول النّاشط في مجال التّنمية البشريّة عبد الحميد نعمون، وهو ممّن حضروا الحفل الالكتروني، إنّه بدأ بقراءة قرآنيّة، ثمّ بكلمة ترحيبيّة للعريس، فأخرى لوالده، فمداخلات قصيرة لبعض معلّميه وأساتذته، فتهانٍ من طرف الضّيوف الذّين بلغ عددهم السّتّين، فوصلات إنشادية وموسيقيّة وشعريّة.

ويضيف محدّثنا: "إنّ ما تضمّنه الحفل من روح حميميّة وفقرات فنّية، لم يخدم العريس فقط بل خدمنا نحن أيضًا، في ظلّ حجر منزليّ دام شهورًا، حيث روّحنا عن أنفسنا وتناسينا متاعبنا، ولئن كنت أشكر العريس الذّي كان يدعوني إلى عرسه الواقعيّ مرّةً، فقد شكرت صاحب هذا العرس الافتراضيّ مرّتين".

يبدو أنّ الشّابّ الجزائريّ بات مبرمجًا فعلًا على الأفق الافتراضي إلى درجة إقامة حفلات زفاف في هذه الفضاءات

يبدو أنّ الشّابّ الجزائريّ بات مبرمجًا فعلًا على الأفق الافتراضي، إلى الدّرجة التّي بات يقبل فيها بإقامة عرس زواجه افتراضيًّا. فهل تعي الحكومة هذا المعطى، فتعمل على توفير الانتشار والتّدفّق اللّازمين من جهة، بما يحقّق مطلب الشّباب بإنترنيت سريعة ومتوفرة، ونقل بعض نشاطاتها على الأقل إلى المنصّات الزّرقاء، من جهة ثانية، تفاديًا لإكراهات الإدارات الكلاسيكيّة؟

 

 اقرأ/ي أيضًا:

ملتقى مغاربي افتراضي في القصيدة المحكيّة

إشكالية النشر والقراءة.. أزمة كورونا تشدّد الخناق على الكتاب