02-مايو-2021

مسيرات الحراك الشعبي عادت للشارع رغم إجراءات الحجر الصحي (تصوير: مصعب رويبي/الأناضول)

 

يطرح إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 12 حزيران/ جوان المقبل، وقبلها الحملة الانتخابية التي ستبدأ في 17 أيّار/ماي المقبل، مأزقًا حقيقيًا في الوقت الحالي بالنسبة للسلطة الجزائرية، على خلفية العديد من المؤشرات التي تجعل من المنافسة الانتخابية ضرب من ضروب المغامرة السياسية، في ظلّ بعض الفواعل الاجتماعية والاقتصادية. 

تزايد مخاطر انتشار فيروس كورنا وتصاعد الغضب الاجتماعي من شأنه أن يؤثّر على الحملة الانتخابية

تزايد مخاطر انتشار فيروس كورنا وتعقيدات الوضع الصحي في البلاد، وتصاعد الغضب الاجتماعي نتيجة أزمات الزيت والطحين والسيولة النقدية، وكذا الاضرابات والاحتجاجات في عدّة قطاعات مهنية كالصحة والتعليم، من شأنه أن يؤثّر على الحملة الانتخابية بحسب متابعين للشأن السياسي، إذ تُبنَى الأخيرة على أساس اللقاءات المباشرة مع المواطنين وعرض البرامج في اللقاءات الجوارية والتجمعات في القاعات، علاوة على أن الوضع العام في البلاد يدفع بالجزائريين إلى العزوف عن الاستجابة للمترشحين أولًا وعن التصويت في هذه الانتخابات ثانيًا.

اقرأ/ي أيضًا: التشريعيات الجزائرية.. ماهي فرصة أحزاب بوتفليقة في دخول البرلمان؟

والمفارقة الكبرى أن تصريحات وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد الأخيرة تشير إلى وجود خطر موجة ثالثة لكورنا في الجزائر، وتعزّز الحملة الانتخابية المقبلة للانتخابات من مخاطر ذلك، بسبب التجمعات الشعبية الانتخابية التي ستنظّمها الأحزاب وقوائم المرشحين الأحرار في مختلف الولايات.

احتقان اجتماعي

إجرائيًا، استدعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، الثلاثاء الماضي اجتماعا حكوميًا عاجلًا مع اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة ورصد فيروس كورونا، بهدف عرض الوضعية الوبائية في البلاد، وقرر على إثر ذلك الابقاء على الحدود البرية والجوية والبحرية مغلقة لفترة أخرى، واتخاذ تدابير أخرى في وقت لاحق، بسبب بوادر موجة ثالثة للوباء تضرب البلاد في الأيام الأخيرة.

وكلف الرئيس اللجنة الصحية والحكومة "بضرورة تقديم الإحصائيات من كل ولاية بدقة، والأخذ بعين الاعتبار بؤر الإصابة حيّا بحيّ وقرية بقرية، لاتخاذ قرارات مبنية على دقة الأرقام، ومباشرة تحقيق وبائي فوري حول أشكال الفيروسات المتحوّرة في الجزائر". داعيًا إلى مضاعفة الحملات التحسيسية على أوسع نطاق وبتشديد تطبيق المخالفات، وتكثيف الرقابة لاحترام الإجراءات الاحترازية.

ليست الأزمة الوبائية فقط ما يقلق الكثير من الخبراء والمراقبين في الجزائر، في علاقة بالانتخابات المقبلة، إذ تحدث الأستاذ في علم الاجتماع السياسي عبد النور لعجال لـ "الترا جزائر" عن احتقان اجتماعي ظهرت بوادره منذ السنة الماضية، على خلفية مشاكل السيولة في البريد وندرة مواد أساسية، وتسجيل أرقام مرتفعة للمتضررين من جراء وباء كورونا وصل عددهم إلى 300 ألف عامل أحيلوا على البطالة. 

لكن الغضب الاجتماعي نتيجة إخفاق في توفير السلع الضرورية واستمرار أزمات الندرة وخاصة أزمة الزيت الحليب والسيولة النقدية منذ أسابيع، والارتفاع الفاحش للأسعار الخضروات والمواد الاساسية كشفت عن عجز الحكومة عن حل المشكلات المطروحة، كما أضاف الأستاذ لعجال، موضحا أن هناك أزمات متجددة تتعلق بمطالب السكن والشغل وهي "إرث متنقل منذ فترات المنظومة السياسية السابقة". 

هذه العوامل الواضحة للعيان، وغيرها من الأزمات التي ارتبطت بشكل دوري مع المواطن، هي عوامل قد تلعب دورًا كبيرًا في عدم تفاعل الجزائريين اللاهثين وراء مشاكلهم ومشاغلهم والبحث عن كيس حليب أو قنينة زيت، مع الأحزاب والمرشحين خلال الحملة الانتخابية والعزوف عن الذهاب الى مكاتب التصويت في 12 حزيران/ جوانيونيو المقبل.

هنا، يُمكن الإشارة إلى الاضرابات المتتالية التي شهدتها الجزائر في الفترة الأخيرة، خاصّة في قطاعات الصحة والبريد والتعليم، وهي إضرابات تضع الحكومة في مواجهة مفتوحة مع النّقابات، مثلما قال الناشط السياسي عبد الحميد توبري من ولاية باتنة ، مشيرًا إلى التصريحات المتشنّجة للوزير الأول عبد العزيز جراد ردّا على نقابات التربية، واتهامها بالتشويش على الانتخابات والسعي لتعكير المناخ السياسي.

هذا العامل حسب المتحدّث لـ "الترا جزائر"، يجعل من الانتخابات استحقاقًا مشحونًا وفي ظرف غير مناسب، على حسب تعبيره.

احتمال قائم  

بالرغم من أن السيناريو القائم حاليًا، هو المضي نحو إجراء الانتخابات التشريعية، وهذا ما صرح به الرئيس تبون خلال لقاءات إعلامية، فهذه الانتخابات ستخلق ديناميكية في المجتمع السياسي، بتوازنات جديدة، وأحزاب جديدة ومكوّنات سياسية في المؤسسة التشريعية.

 وإضافة إلى كون الانتخابات هي استحقاق تشريعي نيابي فهي أيضًا استحقاق سياسي للسّلطة، باعتباره خطوة سياسية نحو تنفيذ التمشي المخطط له من طرف الرئيس الجزائري منذ توليه الحكم قبل أكثر من سنة، لتمرّ بعدها لمرحلة التحضير للانتخابات المحلية. 

وتعلو مختلف مبررات هذا السيناريو، عملية استكمال مسار الإصلاحات السياسية التي بدأته المنظومة السياسية الجديدة منذ انتخابات الرئاسة في نهاية العام 2019، ثم انتخابات الدستور في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. 

لكن تشير بعض المصادر لـ "الترا جزائر" إلى أن سيناريو آخر مُحتمل؛ يتعلّق بمشروعية الإقدام على اتخاذ قرار تأجيل الانتخابات خاصّة وأن الرئيس تبون يملِك دستورية صلاحيات تأجيل الانتخابات لثلاثة أشهر أخرى، بعد تهيئة الأوضاع والتدابير اللازمة وتوفير فضاء سياسي أكثر هدوءًا، ومناخ صحي مناسب للمسار الانتخابي برمته.

 الرئيس تبون يملِك دستورية صلاحيات تأجيل الانتخابات لثلاثة أشهر أخرى بعد تهيئة الأوضاع وتوفير فضاء سياسي أكثر هدوءًا

ويطرح هذا المقترح نظرًا للمعطيات الصحية والاجتماعية التي تعدّ بارومتر تقيس به السلطة مدى إمكانية استقطاب الناخبين وانخراطهم في العملية الانتخابية، كجزءٍ من تنفيذ البرنامج السياسي للرئيس تبون. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

إسقاط العتبة والتساهل في مسألة المناصفة خلال التشريعيات المقبلة

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخاب