22-أكتوبر-2020

الحكواتي قادة بن شميسة (فيسبوك/الترا جزائر)

كثيرًا ما نقارن حاضر الأشخاص بماضيهم؛ فنقول إنّ فلانًا مختلف عمّا كان عليه قبل عشرين عامًا. وقلّما نجري تلك المقارنة بخصوص الفضاء الذّي يقيم فيه. فهو أيضًا كائن حيّ خاضع لمبدأ التّأثّر والتّأثير.

كان هدف العمّ قادة أن يصبح جمال الحومة والحفاظ عليه قناعة نابعة من دواخل السكان

وسوف نقف على حقيقة صارخة تتعلّق بالحيّ والشّارع والحومة في الجزائر، هي أنّ ماضيها أفضل من حاضرها، من حيث الأناقة والنّظافة والجمال؛ إلّا في مفاصل معيّنة منها بدايات الحراك الشّعبيّ والسّلميّ عام 2019، ممّا يدلّ على أنّ تراجع الاهتمام بالفضاء العامّ هو ثمرة للاستقالة المعنويّة التّي باتت تميّز المواطن الجزائريّ، في ظلّ إحساسه بلا جدوى المشاركة.

اقرأ/ي أيضًا: جائزة رئاسيّة للّغة الأمازيغيّة.. ما الهدف؟

هنا نسجّل تفاوت المدن والمناطق والأحياء، في باب العناية بأناقة ونظافة المحيط والتّكفّل اليوميّ به من طرف السّكّان لأسباب يأتي في طليعتها وجود أفراد مبادرين ومالكين لحسٍّ حضاريّ عالٍ؛ فيتحوّلون إلى نموذج يُحتذى.

يدرك القاطنون في حي بشير بوجرّة في مدينة سيدي بلعبّاس؛ (500 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة)، أو الذّين يتمكّنون من الوصول إلى صور الحيّ قبل عام 1999 وبعده، الاختلاف الواضح بين ماضيه، حيث كان مجرّد تجمّع إسمنتيّ يحمل رقمًا هو 612، وحاضره حيث بات يشبه جنّة صغيرة مخضرّة بالأشجار والأزهار ومزيّنة بالتّحف والأيقونات وملوّنة بالرّسومات والأشكال، حتّى أنّ الدّاخل إليه يظنّ أنّه يشاهد شريطًا وثائقيًّا عن فصل الرّبيع.

وليس هذا الواقع الجديد إلّا ثمرة لجهود بذلها الحكواتيّ وصانع الدّمى قادة بن شميسة وأولاده، منهم الممثّل المسرحيّ البارز حسين الذّي يقول إنّ التّجربة بدأت عام 1999، حين كنّا محتاجين إلى فضاء نتدرّب فيه، ولم نجد أمامنا، في ظلّ وضع أمنيّ صعب؛ إلا قبو العمارة التّي كنّا نقيم فيها.

"كان قبوًا موغلًا في الظّلام والأوساخ والإهمال. غير أنّ حاجتنا إليه وروح الجمال اللّتين كانتا تسكناننا جعلتانا نراه كما يجب أن يكون لا كما هو كائن؛ فشرعنا في تنقيته وتهيئته إلى أن أصبح لائقًا وأنيقًا عام 2003".

تعوّد الجزائريّون على النّظر إلى النّساء اللّواتي يصعدن إلى السّطوح والرّجال الذّين ينزلون إلى الأقبية نظرة مريبة؛ فكان على آل بن شميسة أن يصحّحوا هذه النّظرة الاجتماعيّة الجاهزة، فحوّلوا القبو إلى متحف للدّمى أو ما يُعرف في الثّقافة الشّعبيّة "بوغنجة". ولم تمضِ إلّا شهور حتّى بات المتحف يستقطب الكبار والصّغار من السّكّان الذّين بدؤوا يلمسون أدواره الثّقافيّة والفنّية والتّربويّة. إذ بات الطّفل الذّي كان يلعب بالتّراب والأدوات المؤذية في الحومة يجد في القبو/المتحف ورشةً للّعب والتّسلية والتّعلّم، خاصّة أنّه بات يستقطب وجوهًا معروفةً لدى السّكّان، من خلال وسائل الإعلام.

لقد أصبح متحف الدّمى مركز إشعاع وطنيّ ودوليّ؛ من خلال ما يستقبله من فنّانين وباحثين وسائحين، ومن خلال الدّعوات التّي بات يتلقّاها قادة بن شميسة وأولاده، من داخل الجزائر وخارجها، للقيام بالعروض الفنّيّة والاشراف على الورشات التّكوينيّة.

هنا قمنا باستغلال الثّقة المكتسبة؛ يقول قادة بن شميسة، وخرجنا من قبو العمارة إلى محيطها؛ فشرعنا في تشجيره وتزيينه بطريقة فنّية استفدنا فيها من خبرتنا السّينوغرافيّة التّي زوّدنا بها المسرح. وهو ما أثار إعجاب السّكّان، فانتقلوا من مقام الشّكر والتّشجيع اللّفظيّين إلى مقام المشاركة والمساهمة الميدانيّة.

كان هدف العمّ قادة أن يصبح جمال الحومة والحفاظ عليه قناعة نابعة من دواخل السّكّان؛ فهو يؤمن بأنّها الحارس الأفضل له؛ "فكان علينا أن نوظّف الفنون في مقدّمتها الحكاية في زرع ثقافة البيئة والاهتمام بالمحيط، وخلقنا من ساحة الحيّ منصّة فنّية مفتوحة أمست تستقطب حتّى سكّان الأحياء المجاورة".

يرفض قادة بن شميسة أن يُطلق صفة المثقّف أو الفنّان على الشّخص السّلبيّ والكسول والمكتفي بمعارضة الواقع خلف الشّاشات. يقول: "أنت تنفي عنك صفة الفنّان بمجرّد أن تلجأ إلى إضاءة سلّم العمارة باستعمال مصباح هاتفك عوضًا عن إصلاح مصباح العمارة، مع تربية أولادك على عدم رميه بالحجارة".

قادة بين شميسة: كيف نملك الحقّ في المطالبة بتغيير الحكومة ونحن لا نمارس التّغيير على مستوى الحومة

ويؤمن محدّث "الترا جزائر" بإمكانية التّغيير في الجزائر؛ "شريطة أن يبدأ المواطن بنفسه وأسرته ومحيطه الصّغير. ذلك أنّ الاكتفاء بالشّكوى من الواقع البشع لا يمكن أن يجلب له الجمال". يختم: "حومتنا هي صورة مصغّرة لحكومتنا. فكيف نملك الحقّ في المطالبة بتغيير الحكومة ونحن لا نمارس التّغيير على مستوى الحومة؟".