03-يونيو-2024
الكباش العملاقة

أسعار الكباش العملاقة تتجاوز أحيانًا 100 مليون سنتيم (الصورة: فيسبوك)

في منطقة الدغمان، ببلدية بولهيلات، دائرة الشمرة، في ولاية باتنة، الواقعة شرقي الجزائر، زرائِب لتربية كباش عملاقة خارجة عن المألوف، ما فتئت تستقطب أنظار العامة والخاصة مع حلول عيد الأضحى، وفي سائر الأيام.

الكباش العملاقة التي تربيها عائلة صدوقي، بولاية باتنة، يصل وزنها إلى القنطارين وتتراوح أسعارها من 20 مليون إلى  100 مليون سنتيم

 تحرص عائلة صدوقي، المتكونة من ستة أشقاء، على الاعتناء بها، ومنذ عقود، في مرابع رعي لا تتعدى 10 هكتارات، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها شعبة الأغنام منذ 2014.

وقبل فترة تمكن هؤلاء الإخوة من لفت الأنظار بتقديم كباش عملاقة في هيئة جواميس ودِببة، فيقول سمير (42 سنة) مرحبًا بنا داخل خيمة من الشعر، لـ"الترا الجزائر": "يمكنك أن تسرّجها وتنطلق بها في الفيافي والقفار"، ويعقب رمزي (40 سنة)، مداعبا: "هذه سلالة خرفان عربية نقية مثل الخيول الأصيلة، وكما ترى لا مكان هنا لوزن الذبابة والريشة والفراشة، بل هزيم الرعد وغرندايزر".

سلالة نقية

تنتشر في زريبة صدوقي قطائع متنوعة من المواشي المختلفة بين خرفان ونعاج وعلاليش، وهي مقسمة بين الفحّالي والعيّادي، فالفحّالي هو الكبش الحر السليم الذي لا شية فيه، وهو لازم لضمان دورة التكاثر مع الإناث. فيما يخصص "العيّادي" للبيع في عيد الأضحى، جراء عدم نقاوته.

ويسري هذا التفصيل على الخروف الربعي، أي ذلك النوع المتراوح عمره بين ستة وثمانية أشهر، ففيها الفحَّالي والعيَّادي، لكن هذا الصِنف لا يُباع راهنا، بل يرجأ إلى العام القادم.

يتقاطر على المزرعة موالون من مختلف ولايات الوطن، خاصة من وادي سوف ووهران والعاصمة، لاقتناء الفحول ذات الكلفة الباهظة، لأسباب متعلقة بنوعية السلالة؛ وفي هذا الصدد يشير رمزي لـ"الترا جزائر" أنّه "نعمل على ألاّ تختلط هذه السلالة مع أخرى سواء كانت من الرنبي أو السردي أو الباكستاني، لذا فقطعان أغنامنا ذات جودة عالية سواء من حيث الشكل، بعلو القوائم، وقوة البَادرة، والصُوفة، والبادرة تعني هنا الصدر الذي ينبت فيه الصوف وهو دلالة على متانة وعرض الكتف، ومن حيث المضمون باللحم الجيد. ففي العام الماضي اشترى منا موال فحلا بـ 120 مليون سنتيم".

سلالة الكباش العملاقة

من 40 إلى 100 مليون

وشرحًا للأسباب التي تدفع الموالين إلى التقرب من مزرعة الدغمان يضيف رمزي، "طبعًا يفضل الموال أن يشتري فحلًا بثمن مرتفع، عوض أن يشتري عددًا من الخرفان الأخرى، والسبب واضح فالفحل من النوع الممتاز سيخلف له كباشًا ضخمة، قد تفوق من حيث الوزن ثلاثة كباش من النوع العادي، كما أن حيازة هذا النوع من الأغنام مفيد خلال رحلة "التعزيب"، بحثًا عن الكلأ، فمن الأفضل أن تحمل عشرة فحول في شاحنة بدل أربعين".

لا يفضّل الإخوان الخوض في أثمان الكباش، فـ"المَالْ" التسمية التي يطلقها الجزائريون على الماشية لا يقدر بمالٍ، خاصة إذا ما تعلقت بأضاحي يريد الناس التقرب بها إلى الله، فالله طيب لا يحب إلاّ طيبا، وبالتالي فإن رمزي يصر قائلا: "ثمة سبب روحي يدفعني للاعتناء بهذه النوعية الجيدة، فعيد الأضحى شعيرة مقدسة، وهناك أناس يفضلون الأجود دونما اعتبار للثمن".

كباش عملاقة

يمهّد سمير، كلامه، مردفًا: "صحيح أننا نملك كباشًا عملاقة، هي الأضخم والأفضل في الجزائر، بلا منازع، لكن مزرعتنا تتوفر على كافة الأنواع الموجهة لمختلف الطبقات التي تستطيع أداء شعيرة التضحية، سواء للمنتمين للطبقة المتوسطة من عامة الشعب أو للإطارات العليا والمحسنين ورجال المال والأثرياء، وبما أن الناس درجات فرؤوس الماشية أيضا درجات".

ثم يكشف بأنّ الأسعار "تتراوح من 20 مليون إلى 40 مليون سنتيم، ومن 60 مليون سنتيم، حتى 100 مليون"، وفق المتحدّث.

وهنا يفتخر رمزي بحيازة سلالة الكباش الفحلة والعملاقة، وللتدليل على استحقاقها للأسعار المطلوبة، يشرع في إخراجها للساحة المسيجة، لكنه في حاجة لمعاونة شقيقه سمير، وابن عمه، لتحريك تلك الكتل الضخمة، وحقا لا يمكنك سوى أن تقف مشدوهًا أمام حجمها الهِرَقْلِي، الذي يقربها من سمات العجول الأرجنتينية.

وزنها 2.5 قنطار

كاد أحد هذه الكباش وكان ذا قرنين كبيرين ساقطين على الأذنين أن يدهس ابن عمه الواقف أمام البوابة، فيمسكها ثلاثتهم وسمير يشرح متحديًا: "بلا شك ما تشاهده الآن هو واحد من أكبر الكباش العلامقة في الجزائر ولا يوجد نظيره في 58 ولاية جزائرية، إنه بوزن يناهز 200 كلغ، أي القنطارين".

يطلق رمزي كبشًا آخر، وهو يصيح: "أنظر إلى هذا فهو ضخم للغاية، أكبر من سابقه، قوائمه أطول، ورقبته ملساء، إنه يزن 230 كلغ، أي قنطارين وثلاثين كيلوغراما وأنت كما ترى أنه في حال أسندت وجهه للأعلى يكاد يصير في مستوى طولي المحدد بـ 1.65 متر".

تظهر كباش عملاقة أخرى من الأوزان الثقيلة، التي يبذل ثلاثتهم جهدًا في السيطرة عليها، قبل أن يقرّروا تركها بحرية. إنها مجرد عينة فقط، ففي الواقع تزدحم الزريبة المسقفة بزهاء الأربعين كبشًا عملاقًا، يُنسيك أحدها في الآخر.

يلفت نظرك واحد منهم وقد وشّحه رمزي علمًا جزائريًا وميدالية، فيقول سمير مفاخرا: "هذا أضخم كبش لدينا فهو يزن زهاء 2.5 قنطار، ويمكنه أن يقفز بقدميه كما لو أنه كان حصانًا. زارنا مؤخرًا تاجرُ لحومٍ سعودي كان يتحدث عن جودة الأغنام في بلد عربي، فأخرجته له كي يرى السلعة الوطنية ليصيح بعدما رآه: الله أكبر. تحيا الجزائر".

ونحن نجول في المزرعة كان هاتف رمزي لا يكفُّ عن الرنين، فقد اتصل به موال ليقتني نعجة لكن الرجل رفض رفضًا قاطعًا بيع النعاج، وقد برّر لي ذلك برغبته بالحفاظ على تكاثر الخرفان تفاديًا لواحدة من المآسي التي خلفت على مدار سنوات، غلاءً فاحشًا في الأسعار يعاني الجميع منه اليوم.

كباش عملاقة

مسؤولون كبار

تصادف وجودنا باقتراب مواطنين جاءا من قسنطينة لاقتناء كبش فحل، بزهاء 40 مليون سنتيم، تفحّصاه وأثنيا على جودته، بمراقبة الأسنان والبادرة ومتوسط الظهر والعينين، ليقرّرا العودة لاحقًا للتفاوض في الثمن. كانت تلك سانحة للسؤال عن نوعية شراة الكباش العملاقة فرد سمير: "مسؤولون كبار في الدولة يقتنون من عندي. خلال عيد الأضحى الفارط اشترى مني مسؤول رفيع المستوى تسعة كباش عملاقة، الظاهر أنها مخصصة للعمال والموظفين والمدعوين من السفارات الأجنبية لحضور ولائم العيد التي تقيمها هذه المؤسسة الجمهورية على شرفهم".

إلى ذلك يضيف: "ولاة ووزراء أيضًا يُقبِلون على هذه الأضاحي العملاقة، طبعًا يتم ذلك بواسطة إيفاد مسؤولي البروتوكول، وأغلبهم يقتني ما بين ثلاثة إلى أربعة لعوائلهم الكبيرة."

وكما لو أنه يتذكر أمرًا يشير إلى مسجد غير بعيد قائلا: "ذلك المسجد بناه رجل ثري ومحسن، وقد كان يقتني مني قرابة 60 كبشًا من الحجم العادي ليهبها للفقراء والمساكين، في العام الفائت اشترى عشرة كباش عملاقة لأهله". وبشيء من الدعابة يضيف: "يقتني منّا أيضًا بعض المتملقين والمتقربين من السلطات فقد اشترى منّا أحدهم كبشًا عملاقًا بـ 47 مليون سنتيم هدية لأحد ولاة الجمهورية". 

سعوديون وليبيون

في الوقت الذي بلغت فيه شهرة مزرعة صدوقي العالمية، بدليل أنها باتت تستقبل موالين من المملكة العربية السعودية وليبيا، وبما أن عالم المواشي يشهد حرب سلالات بين البلدان أجبرت الحكومات المحلية على فرض تدابير حمائية، تفاديا لفقدان "الثروة الوطنية".

وفي هذا يصارحني، سمير، كاشفًا لـ"الترا جزائر" أنّه "طلب مني سعوديين وليبيين زاروا قبل أيام مزرعتي بيعهم فحولًا من سلالة الكباش العملاقة، لكني رفضت ذلك رفضًا قاطعًا، إذ لا يمكنني تبديد تراث الأجداد، ولأن القانون يمنع ذلك منعًا باتًا. لقد قلت لذلك التاجر السعودي المالك لاستثمارات كبيرة في تجارة اللحوم، لن يسمح لك الجمارك الجزائريون بتمرير فحل واحد".

وهو ما يجعلك تشعر بأن هذين الأخوين يملكان غيرة على العلامة الجزائرية للكباش الفحلة والعملاقة، رغم أنهم يعانون ومنذ وقت طويل من عوائق وقفت حائلًا في سبيل ترقية هذا النوع على نطاق واسع؛ وهنا يصارحني الإثنان في شبه حسرة وخيبة: "كل ما نطلبه من السلطات العليا والمحلية دعمنا، فنحن لا نعمل سوى في مساحة ضئيلة من عشرة هكتارات. من المفروض أن يتم توسيعها لنا في حدود 100 هكتار، فالخرفان، كما أمة البشر، يحتاجون لمساحات واسعة للشعور بالراحة والنمو بلا ضغوط أو إزعاج."

مربي الكباش العملاقة سمير لـ"الترا جزائر": سعوديون وليبيون زاروا مزرعتي وطلبوا منّي بيعهم فحولًا من السلالة التي نُربّيها لكني رفضت ذلك رفضًا قاطعًا، إذ لا يمكنني تبديد تراث أجدادي

ليكملا: "صدقني لا نحتاج من الدولة لا كلأ ولا هم يحزنون، كل ما نريده قطعة أرض كبرى للرعي بما أن كل الأراضي المجاورة لنا، رعوية ملاّحة لا تصلح للزراعة لوقوعها قرب سباخ الملح، كما نريد أن نتزود بالكهرباء وبحيازة بئر يساعدنا على سقاية القطعان الكبيرة".

أسأله عمّا إذا كانت مشتلته الحيوانية حظيت بزيارة مسؤولين فيرد رمزي ضاحكا "بعضهم يتذكروننا خلال العيد، فيأتون للشراء ثم ينسوننا في اليوم التالي. قبل أسبوع استقبلنا والي ولاية باتنة محمد بن مالك ووعدنا بزيارة للنظر في انشغالاتنا الملحة، لذا فنحن ننتظر مع المنتظرين".

والي باتنة
والي باتنة استقبل الشقيقين رمزي وسمير بمقر مكتبه واستمع لانشغالاتهما