21-فبراير-2024
قمة الغاز في الجزائر

ستنعقد قمة الغاز في الجزائر نهاية الشهر (الصورة: فيسبوك)

تكتسي القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز "أوابيك" المرتقب انطلاق فعالياتها بالجزائر العاصمة بداية من 29 فيفري/ شباط الجاري،  أهمية كبرى، إذ ينعقد هذا اللقاء وسط تنافس أفريقي لتصدير الغاز، وبداية تلاشي "بروباجاندا" الأنبوب المغربي النيجيري، إضافة إلى الطموح الأوروبي نحو  التوجه إلى إنتاج طاقات بديلة عن الغاز، أي تراجع الطلب عن الغاز.

تسعى قمة الجزائر  إلى محاولة صياغة وثيقة عمل مكتوبة بهدف ضمان استقرار أسعار الطاقة بشكل عام والغاز بشكل خاص

وتأتي أهمية هذه القمة بالنظر إلى السياق الجيوسياسي والوضع الاقتصادي العالمي الذي تتزامن معه، وكذا ثقل الملفات التي سيتم طرحها على طاولة الدول المشاركة والمقدر عددها ب55 دولة، وهي بلدان منتجة ومصدرة للغاز، حيث سيناقش المجتمعون بالدرجة الأولى كيفية ضمان استقرار السوق من حيث الإنتاج والتموين.

وسبق وأن أكد وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب في تصريحات لوسائل الإعلام شهر جانفي / كانون الثاني 2024، أن احتضان الجزائر للقمة السابعة لرؤساء وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، من 29 فبراير/ شباط إلى 2 مارس/ آذار 2024، يعكس دورها الهام في المنتدى وعلى الساحة الطاقوية العالمية، في ظل سياق يتسم بالأهمية الجوهرية للغاز في الأمن الطاقوي، مشددا على أن تنظيم حدث بهذه الأهمية في الجزائر في ظرف خاص جدا، يعكس الدور الهام الذي تلعبه الجزائر ضمن منتدى الدول المصدرة للغاز كونها عضو مؤسس و على الساحة الطاقوية الدولية كممون موثوق للطاقة.

وفي ظل الأهمية الكبرى لقمة الغاز السابعة، نطرح التساؤل حول الأوراق التي تراهن على جنيها الجزائر من التئام أعضاء منتدى الغاز بعاصمتها، وكيف يمكن أن تستفيد  الجزائر من الوضع العالمي العام لاستقطاب صفقات جديدة وجني مكاسب إضافية وضمان استمرار تربع عرش المنتجين والمصدرين في منطقتها؟

تحديات تحيط بقمة الجزائر

وفي السياق يقول ملحم آصف خبير استراتيجي بالمعهد الروسي الاستراتيجي في إفادة لـ"الترا جزائر" أن قمة منتدى الدول المصدرة للغاز التي ستنعقد في الجزائر نهاية الشهر الجاري، تكتسي أهمية خاصة نظرا لمجموعة من العوامل أهمها الظروف الجيوسياسية والتوترات التي يشهدها العالم، يتقدمها الأزمة الروسية الأوكرانية المؤثرة بشكل كبير على سوق الغاز في أوروبا، والتوتر بمنطقة الشرق الأوسط وما رافقها من اختلالات في منطقة البحر الأحمر، مشددا: "هناك حالة من الصراعات التي أدت إلى اضطرابات كبيرة في سوق الطاقة عموما وسوق الغاز خصوصا، وهذا ما سيتم التطرق إليه في قمة الجزائر".

أما العامل الثاني الذي تتزامن معه قمة الجزائر، فهو أن جميع دول العالم تسعى لتقليص الملوثات، وهو ما يتناسب مع زيادة الاهتمام بالغاز في مرحلة التحول من الطاقات الأحفورية إلى المتجددة، حيث لابد من الاعتماد على مصدر أقل تلويثا للبيئة، وهو ما يجعل أنظار الجميع تتجه نحو الغاز اليوم. 

ويرى ملحم أن التحولات الدولية الكبيرة، خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، دفعت بالعديد من دول العالم إلى إعادة صياغة علاقاتها اللوجستكية، وتحولت من علاقات قائمة على التقارب شرق غرب إلى تقارب شمال جنوب، مشيرا إلى أن الجزائر تقع في قلب هذه التحولات لأنها حاليا أقرب إلى أوروبا والأكثر قدرة على تموينها بالغاز، كما أصبحت المصدر الأفريقي الأساسي للغاز وأحد أهم المصادر التي قد تعوض الغاز الروسي مستقبلا.

ملحم آصف: هناك حالة من الصراعات التي أدت إلى اضطرابات كبيرة في سوق الطاقة عموما وسوق الغاز خصوصا، وهذا ما سيتم التطرق إليه في قمة الجزائر

وبخصوص توقعات أسواق الغاز خلال المرحلة المقبلة، يرى الخبير أنه "عند الحديث عن سوق الغاز هناك سوقين متمايزين بشكل مباشر، وهما سوق الغاز الطبيعي عبر الأنابيب والغاز المميع المنقول عبر السفن، والذي يحتاج إلى بنى تحتية للتمييع وإلى وسائل نقل عبر السفن، مع  إعادة تمييع لدى البلد المستهلك مما يجعل سعره أكثر ارتفاعا، لذلك فالسعر الأقل تكلفة هو تصدير الغاز عبر الأنابيب وهذا أفضل".

ورغم أن هذه الطريقة تتقاطع مع مشكل أنه لا يمكن مد أنابيب طويلة جدا، وهو ما أدى إلى خلق نوع من التكتلات المبينة على الغاز، على غرار تكتل الجزائر مع الدول الأوروبية وأيضا تكتل روسيا وإيران وأذربيجان، كما أن هناك نوع آخر من التكتل بين الشرق الأقصى وروسيا، وتكتل أيضا بين دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، مع العلم أن أسعار السوق الأسيوية مختلفة عن الشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك حسب مكان وجود المنتج والمستهلك، في حين أن سعر الغاز المسال يبقى الأغلى، في ظل استمرار  الاضطرابات السياسية التي تترك أثرا مؤقتا، إذ اعتادت البشرية التعامل مع الحروب والصراعات بإيجاد حلول للمشاكل التي تصطدم بها.

المخرجات المتوقعة

ويرى الخبير الاستراتيجي ملحم آصف مدي بخصوص توقعات مخرجات قمة الغاز في الجزائر، فستنحصر حول تعزيز الأمن الطاقوي الدولي من خلال ضمان توفر مختلف أنواع الطاقة على المدى الطويل وبأسعار معقولة وتقليص الآثار البيئية السلبية الناتجة عن استغلال الطاقات لأدنى مستوى.

وتتطرق القمة أيضا إلى الأمن الغازي الدولي، حيث يسعى المجتمعون لضمان أمن الإمدادات ، كما تبحث الدول المستوردة للغاز عن ضمان تدفق الغاز بأسعار معقولة وبشكل مستمر، في حين تحاول الدول المصدرة ضمان دخل مالي مستمر من تصدير الغاز، بأسعار مرتفعة لحد المعقول.

وتهدف دول العبور لحماية مصالحها أيضا عبر ضمان تقاضى أرباح معقولة عن النقل والتأمين على أراضيها ووسائلها.

وتسعى قمة الجزائر أيضا إلى محاولة صياغة وثيقة عمل مكتوبة بهدف ضمان استقرار أسعار الطاقة بشكل عام والغاز بشكل خاص، مع الخروج بمجموعة من التوصيات يعتمد بعضها وقد يؤجل بعضها، وتشكيل مجموعات عمل وظيفتها إعداد وثيقة هدفها إحداث آليات معينة لضمان استقرار أسعار الطاقة بشكل عام.

وهي الخطوة التي تكون مهمة، مضيفا: "إذا نجحت قمة الجزائر في صياغة توصيات تؤدي في النهاية استحداث منظمة للدول المنتجة والمصدرة للغاز، ذات صبغة دولية وقانونية ستكون قمة فارقة واستثنائية وغير مسبوقة، وسيساهم ذلك مساهمة فعالة في استقرار أسعار الغاز كما هو الحال بالنسبة للنفط في منظمة أوبك وأوبك بلوس".

مكاسب إضافية

من جهته يؤكد الأستاذ الباحث لدى المعهد الجزائري للبترول المسير من قبل مجمع سوناطراك محمد خوجة في إفادة لـ"الترا جزائر" أن الجزائر  قررت احتضان هذه القمة لتحقيق جملة من المكاسب والأهداف، منها تقريب الرؤى بين الدول المنتجة والمصدرة ولعب دور دبلوماسي لإيجاد الحلول لضمان استقرار سوق الغاز، أي إعادة إحياء الدبلوماسية الطاقوية التي كانت في أوجها سنوات السبعينات، كما تهدف الجزائر من خلال هذه القمة إلى توطيد العلاقات بين الدول المصدرة والمنتجة، وأن تحتل صدارة المشاريع الغازية في القارة الأفريقية.

 وتسعى الجزائر ضمنيا عبر قمة منتدى الدول المنتجة والمصدرة للغاز إلى رفع إنتاجها من الغاز بطريقة غير مباشرة وتدبر إمكانية إبرام صفقات جديدة وأيضا دراسة خطط لضمان حماية البيئة والمناخ، ضمن محاور هامة سيتم التطرّق إليها خلال هذه القمة.