02-سبتمبر-2024
(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

(صورة أرشيفية/ الترا جزائر)

بالرغم من أن تقرير بنك الجزائر الخاص بسنة 2023 والصادر بتاريخ 7 أوت/آب الجاري، يُبرز مؤشراتِ إيجابية للاقتصاد الوطني في عام 2023، ويُشير إلى تحسن قيمة الدينار الجزائري أمام خمس عملات أجنبية رئيسية، وارتفاع السيولة النقدية في البنوك، وزيادة القروض الممنوحة للاقتصاد، إلا أن استمرار ارتفاع أسعار بعض المنتجات الأساسية والتهاب سعر العملة الوطنية بالسوق السوداء، يُثير تساؤلاتٍ حول سبب هذا الارتفاع وتداعياته وكيفية مواجهته.

 خبير مالي لـ "الترا جزائر" البنك المركزي يتدخل لمراجعة قيمة الدينار عند زيادة احتياطي العملة الصعبة وارتفاع قيمة الصادرات خارج المحروقات وتحسن معدلات التضخم

مؤشرات وأرقام مطمئنة

أصدر بنك الجزائر تقريره حول تطوّر الاقتصاد وسوق الصرف لعام 2023، والذي أشار إلى تحسّن ملحوظ في قيمة الدينار الجزائري مقارنة بخمس عملاتٍ أجنبية رئيسية، وهي الدولار الأميركي، الأورو، اليوان الصيني، الين الياباني والجنيه الإسترليني.

كما أوضح التقرير أن السيولة النقدية في البنوك شهدت انتعاشًا كبيرًا، حيث ارتفعت بنسبة 200 بالمائة في بعض البنوك، مع تأكيد خروج الجزائر من دائرة المخاطر المتعلقة بالديون الخارجية.

أما على صعيد القروض الممنوحة للاقتصاد، فقد سجّلت زيادة بنسبة 5.3 بالمائة في البنوك العامة و8.7 بالمائة في البنوك الخاصّة.

وقد استحوذت البنوك العامة على 78.4بالمائة من هذه الزيادة، في حين ارتفعت مساهمة البنوك الخاصة بشكل ملحوظ من  10.9بالمائة  إلى 21.6 بالمائة بين عامي 2022 و2023.

وصل إجمالي القروض الممنوحة للقطاع العام إلى 4458.2 مليار دينار خلال عام 2023، حيث قدمت البنوك العمومية 99.4 بالمائة من هذه القروض، بينما تراجعت القروض الممنوحة للقطاع العام من البنوك الخاصّة بنسبة 31.7 بالمائة.

في المقابل، ارتفعت القروض الممنوحة للقطاع الخاص بنسبة 8.2 بالمائة لتصل إلى 6236.3 مليار دينار بنهاية العام، متجاوزة بذلك نمو العام السابق.

التقرير كشف أيضًا عن أن احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي بلغت نحو 68.988 مليار دولار بنهاية عام 2023، مما يغطي احتياجات الاستيراد لمدة 16.1 شهرًا، وهو ما يفوق التوصيات الدولية ويعكس قوة وضع الاستثمار الخارجي للجزائر.

كما استقر إجمالي الدين الخارجي للبلاد عند حدود 3.186 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس تعرضًا محدودًا لمخاطر الديون الخارجية.

انتعاش الدينار يقابله استمرار ارتفاع الأسعار

وفي السياق، يرى الخبير المالي أبو بكر سلامي أن التحسن الأخير في قيمة الدينار الجزائري مقارنةً بالعملات الأجنبية، وهي الأورو والدولار واليوان الصيني والجنيه الإسترليني والين الياباني، يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، وارتفاع احتياطي العملة الصعبة، وزيادة قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات، بالإضافة إلى تراجع معدلات التضخم، وفقًا لما جاء في التقرير الأخير لبنك الجزائر لسنة 2023.

وأوضح سلامي في تصريح لـ"الترا جزائر" أن قيمة العملات الأجنبية على مستوى العالم تُحدد بناءً على قوة الاقتصاد الوطني وحجم الطلب العالمي على تلك العملة، أما في الجزائر، فإن البنك المركزي يتدخل لمراجعة قيمة الدينار عندما تتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، والتي ترتبط أساسًا بزيادة احتياطي العملة الصعبة وارتفاع قيمة الصادرات خارج المحروقات وتحسن معدلات التضخم.

وقال: "إن العملات الأجنبية الكبرى لا يتحكم فيها البنك المركزي، بل يتحكم فيها مستوى النمو الاقتصادي وحجم المبادلات التجارية والطلب المتزايد على تلك العملة".

وأضاف سلامي أن الدينار الجزائري غير مطلوب عالميًا، ولذلك فإن البنك المركزي هو الذي يمنحه قيمة إضافية، مشيرًا  إلى أن الانتعاش الأخير في قيمة الدينار، وفقًا لتقرير بنك الجزائر، يعود إلى العوامل المذكورة سالفًا، والتي ترتبط أساسًا بتحسين مؤشرات الاقتصاد والنمو.

وفيما يتعلق بتراجع القدرة الشرائية واستمرار ارتفاع أسعار بعض المنتجات رغم انتعاش مؤشرات، أوضح سلامي أن هذا الأمر غير مرتبط مباشرةً بقيمة العملة، حتى وإن ارتفعت قيمتها بشكل طفيف مؤخرًا، مؤكدًا أن ارتفاع الأسعار والتضخم يصعب السيطرة عليهما إلا في حالات نادرة، لأن الأمر مرتبط بارتفاع الأسعار عالميًا.

وأضاف في هذا السياق :" هناك تضخم مستورد ناتج عن استيراد المواد الأولية التي لا تُنتج محليًا، وبالتالي فإن أي ارتفاع في أسعار هذه المواد في السوق الدولية ينعكس مباشرة على الأسعار في الجزائر".

كما تحدث سلامي عن التضخم الداخلي الناتج عن تراجع في حجم الإنتاج وزيادة الطلب، مشيرًا إلى أن استمرار ارتفاع الأسعار أمر طبيعي حتى مع الانتعاش الذي شهدته قيمة الدينار الجزائري.

لماذا يستمر ارتفاع سعر العملة الصعبة في السوق السوداء؟

من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي أن المؤشرات الواردة في تقرير بنك الجزائر لعام 2023 إيجابية، وتعكس عودة النمو المسجل في الاقتصاد الوطني بعد عامين من تداعيات جائحة كورونا.

وأوضح الحيدوسي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن الوضع العام في البلاد يبدو إيجابيًا ويؤكد على عودة الانتعاش الاقتصادي وارتفاع معدلات النمو، وذلك بفضل انخفاض معدلات التضخم وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، بالإضافة إلى التطور الكبير في الاعتمادات الممنوحة من البنوك، مما يدل على دعم الجهاز المصرفي للفاعلين الاقتصاديين.

ومن بين المؤشرات الإيجابية التي سجلها تقرير بنك الجزائر لعام 2023، تحسن قيمة الدينار الجزائري مقارنةً بالعملات الأجنبية، إلا  أن ذلك لم يمنع حسبه من بقاء سعر صرف الدينار في السوق الموازية مرتفعًا لعدة أسباب، أبرزها أن هذه السوق غير مرتبطة بتطور الاقتصاد الوطني، وإنما تتحكم فيها عوامل أخرى مثل الطلب على العملة الصعبة للسياحة، أداء مناسك العمرة، شراء السيارات الأقل من ثلاث سنوات، أو السفر للعلاج في الخارج. هذه العمليات تسهم في امتصاص العملة الصعبة، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق .

أحمد الحيدوسي لـ "الترا جزائر": المؤشرات الواردة في تقرير بنك الجزائر لعام 2023 إيجابية، وتعكس عودة النمو المسجل في الاقتصاد الوطني بعد عامين من تداعيات جائحة كورونا

كما يرى محدثنا أن تحسين قيمة الدينار الجزائري لا يرتبط فقط بالتدخلات التقنية من قبل البنك المركزي، بل يتطلب استراتيجية شاملة تتضمن تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات قائلًا: "رفع قيمة العملة يجب أن يستند إلى نمو اقتصادي حقيقي ومستدام، مما يعزز الثقة في الدينار على الصعيدين المحلي والدولي".