15-أكتوبر-2022
ارتفاع احتياطي الصرف في الجزائر مرتبط بأسعار المحروقات (الصورة: فلسطين اليوم)

الحكومة تسعى لرفع نسبة الصادرات (صورة أرشيفية/ فلسطين اليوم)

تغيرت خارطة الاستيراد والتصدير في الجزائر بشكل جذري وغير مسبوق في ظرف بضعة أشهر فقط في الجزائر، من سن إجراءات جديدة لتنظيم التجارة الخارجية، يشرف على تطبيقها وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق.

يتساءل متابعون عن تناقص عدد المستوردين إلى الثلث في ظرف قياسي وعن ومصير السجلات المتوقفة في هذه الفترة 

واختفى في آخر حصيلة للمركز الوطني للسجل تجاري 30 ألف مستورد، توقف هؤلاء عن النشاط في ظروف غامضة، ليتراجع عدد أصحاب سجلات الاستيراد من 43 ألف سجل يمارس النشاط إلى 13 ألف فقط، باعتراف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن خلال جلسات مناقشة بيان السياسة العامة.

ويأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع عدد المصدرين بـ 450 سجلًا من 850 مصدرًا إلى 1300 متعاملًا يوردون التمور والخضر والفواكه والإسمنت والحديد والزجاج والمشروبات ومنتجات أخرى خارج المحروقات لأسواق مختلفة بكافة أنحاء العالم، وهي أرقام متوفرة لدى الجمعية الوطنية للمصدرين.

ويتساءل البعض كيف تناقص رقم المستوردين إلى الثلث في ظرف قياسي، وما مصير السجلات الموقفة، وهل سيؤثر ذلك على تموين السوق الجزائرية ببعض المواد، هي الأجوبة التي ردت عليها السلطات بدءًا بالوزارة الأولى وصولا لوزارة التجارة بأن المختفين من نشاط الاستيراد هم أصحاب سجلات وهمية كانوا يستوردون الخردة والحجارة والحاويات الخاوية ويهربون "الدوفيز" أو العملة الصعبة إلى خارج الوطن، ويستغلون تغلغل الفساد خلال حقبة النظام السابق لجني الملايير من الدولارات على حساب الاقتصاد الوطني.

فثلث فاتورة الاستيراد كانت تذهب لحساب بارونات سيطروا فيما مضى على الموانئ، وهو ملف سبق وأن فجره وزير التجارة الأسبق المرحوم بختي بلعايب، لكن السلطات لم تغير وقتها ساكنًا، أما في الأشهر الأخيرة، فالملف وضع على الطاولة من جديد، وثورة كبرى شهدتها مفاصل تنظيم التجارة الخارجية، كما أن عدد المستوردين بات يتناقص يوما تلوى الآخر.

ورغم ذلك يدافع المستوردون عن نشاطهم، ويرون أن العراقيل المفروضة عليهم والتضييق في منح الرخص يخنق حتى المنتجين والمصنعين العاجزين عن الظفر بالمادة الأولية كبعض منتجي النسيج على سبيل المثال وقطاعات أخرى، ويعتبر هؤلاء أن الاستيراد ظاهرة اقتصادية صحية لا يمكن لأي دولة في العالم أن تستغني عنها، حتى ولو كانت الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يمكن توفير كل المنتجات من الصناعة أو الفلاحة الوطنية، ويظل الاستعانة بمنتجات مستوردة من الخارج أكثر من ضرورة لضمان أمن الأسواق واستقرار الأسعار عند حدود القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وذهب هؤلاء أبعد من ذلك رافضين فكرة "تجريم أو شيطنة المستورد".

الحل في الاستثمار

أما الخبراء فكان لهم رأي مختلف، حيث يجمع هؤلاء على أن الحل لتحقيق تراجع في نسبة نزيف العملة الصعبة نحو الخارج عبر غطاء الاستيراد، وتنظيم التجارة الخارجية مع الحفاظ على توازن السوق المحلية، دون أي ندرة في المواد الأساسية، هو اللجوء إلى الاستثمار وإنتاج هذه المواد محليا، لاسيما في ظل الامتيازات الكبرى التي يطرحها قانون الاستثمار الجديد، الذي أقرته السلطات الجزائرية شهر جويلية / تموز الماضي، والذي صدرت نصوصه التطبيقية شهر سبتمبر/ أيلول.

وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي احمد الحيدوسي أنه  من خلال الإجراءات الأخيرة المتخذة من طرف مسؤولي وزارة التجارة أسقط المركز الوطني للسجل التجاري 30 ألف ملف استيراد، وتم استحداث بطاقية وطنية تفصل في المواد المتاحة للاستقدام من الخارج، والتي منحت مسؤولية تسييرها وزارة التجارة للوكالة الوطنية لترقية الصادرات "ألجيكس"، من خلال دراسة عدة محاور، أهمها "هل هذا المنتوج الذي ترغب جهات معينة في استيراده ينتج في الجزائر أم لا"؟

ويقول الحيدوسي، أنه بهذه الطريقة القانونية تم حذف العديد من المستوردين وتقليص عددهم إلى 13 ألف متعامل،  وبالتالي خفض فاتورة الاستيراد التي كانت تكلف الخزينة أموالا طائلة نتيجة أيضا تضخيم الفواتير واستيراد كماليات الجزائر في غنى عنها .

وقد ساهمت هذه الإجراءات، يقول الخبير لـ"الترا الجزائر" في تقليص قائمة المستوردين حيث أضحى الاستيراد نشاط مهني يخضع إلى شروط مالية وتقنية ولوجستكية معقدة.

وكخطة بديلة، تقرر تحويل هؤلاء المستوردين إلى مصنعيين، بحكم أنهم يتمتعون بخبرة واسعة قي السوق وإمكانيات مالية تؤهلهم لاقتحام الميدان، ناهيك عن قانون الاستثمار الجديد الذي يمنحهم تسهيلات في الاستفادة من العقار، وبالتالي فهذه الإجراءات تعد فرصة ذهبية لتحويلهم إلى صناعيين في وقت قياسي، ناهيك عن تمكينهم من الظفر بقروض بنكية تصل نسبة تغطيتها للاستثمار 90 بالمائة خاصة للنشاطات التحويلية.

ويعارضه غي الرأي عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني هشام صفر الذي يرى في إفادة لـ"الترا الجزائر" أن بعض المواد الممنوعة من الاستيراد اليوم يجب أن تخرج من القائمة، لاسيما تلك الموجهة للنشاطات الصناعية، وإلا فتتسبب مثل هذه القرارات في غلق المصانع والإضرار بالاقتصاد بدل نفعه.

تجار خائفون

ووسط هلع كبير في أوساط التجار الذين يحذرون من ندرة بعض المواد نتيجة سياسة المنع العشوائي للاستيراد، يعلق البعض الآخر على أن قرار التضييق على الحاويات القادمة من الخارج، كان يحتاج إلى شجاعة لمواجهة البارونات وضبط التجارة الخارجية بطريقة صارمة هذه المرة، تنهي الممارسات التي غلفت الاقتصاد في الماضي.

ويقول الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي لـ"الترا جزائر" أن الإجراءات المتعلقة بمراقبة التجارة الخارجية ومنع الكثير من المواد المنتجة محليا من الاستيراد، بالإضافة إلى وضع قوائم للمواد الممنوعة، وفرض رسوم للحفاظ على العملة الصعبة وتشجيع الإنتاج المحلى في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وتآكل احتياطي العملة الصعبة في الداخل، كلها إجراءات تصب في خدمة الاقتصاد الوطني .

ويؤكد الخبير أن مثل هكذا قرارات أدت إلى اختفاء الكثير من المستوردين خاصة أولئك الذين يبحثون عن الربح السهل وتضخيم الفواتير ولم يتبق في السوق إلا المتعاملين الحقيقيين، الذين يستوردون المواد الضرورية للاقتصاد الوطني.

تحدي التصدير يلمع

وكنتيجة للإجراءات المتخذة، شهد نشاط التصدير خطوات كبرى إلى الأمام خلال سنة 2022 ترجمتها الأرقام المعلن عنها مؤخرا من طرف مصالح الحكومة، نتيجة ارتفاع عدد المصدرين ونوعية المواد المصدرة وقيمة عائدات التصدير.

ويكشف الرئيس السابق لجمعية المصدرين الجزائريين والفاعل في مجال التجارة الخارجية علي باي ناصري في تصريح لـ"الترا الجزائر" عن ارتفاع غير مسبوق في نسبة الصادرات خارج المحروقات هذه السنة التي عادلت نهاية شهر آب/ أوت الماضي 4.5 مليار دولار، ويرتقب أن تصل نهاية السنة سبعة ملايير دولار، وأن تضخ السنة المقبلة 10 ملايير دولار كرقم قياسي وغير مسبوق، وهو التحدي الذي يخوض غماره المصدرون اليوم، بالموازاة مع تراجع نشاط الاستيراد.

ويقول المتحدث أن عدد المصدرين ارتفع بـ 450 متعاملًا إضافيًا خلال السنة الجارية، في حين أن قائمة المواد المصدرة خارج المحروقات باتت تضم الخضر والفواكه والتمور "دڨلة نور" والسيراميك والفوسفات والأسمدة والإسمنت والزجاج والكلينكر والحديد والمشروبات وبعض أصناف الأجهزة الكهرومنزلية كالغسالات وأجهزة التلفاز بالدرجة الأولى، في حين يتم دراسة تصدير منتجات أخرى، وجديدة ستدخل القائمة مستقبلا كبعض أصناف المواد الغذائية.

الرئيس السابق لجمعية المصدرين: يرتقب أن تصل قيمة الصادرات قبل نهاية السنة إلى سبعة ملايير دولار

في النهاية، يظل الاستيراد رغم مخاطره ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن أولويات الحكومة حاليًا هي التوجه نحو التصنيع والإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، في مقابل التوجّه نحو التصدير إلى الخارج لضخ المزيد من العملة الصعبة في خزينة الدولة، بعيدًا عن المحروقات.