لم يكن عبد الحليم قابة، دكتور الشريعة الإسلامية الذي عرفه الجزائريون على التلفزيون ودرّس 10 سنوات بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، ينتظر أن يلقى ذلك المصير على يد لجنة توظيف جامعية لما عاد به الترحال إلى بلاده، لتشعل قضيته غضبا واسعا لدى الرأي العام وتفتح من حيث لم يكن الدكتور يدري، جراح التوظيف في الجامعة.
الدكتور قابة: بعد عودتي من السعودية، أنتظر دون عمل مدة 16 شهر تقريبا، وليس لديّ تقاعد، فتقدمت لإعادة إدماجي في منصبي بالجامعة
لقد صنعت قضية قابة الجدل أكثر من غيرها في اليومين الأخيرين، لما هبّ جمع من أساتذة الجامعة للدفاع عنه نشر معلومات تفيد بأنه تعرض للظلم على يد لجنة توظيف في جامعة الأغواط بعد أن منح فقط علامة 0.25 في المقابلة الشفهية، وهو ما لم يدخل عقل أحد، أن يكون خطيب مفوّه ومتبحر في علوم الدين، بهذا التقييم من قبل أساتذة آخرين قد يصغرونه شأنا.
وفي تعليق غاضب، وصف الأستاذ حسين دوحاجي ما وقعت فيه لجنة توظيف الأساتذة بجامعة عمار ثليجي بالأغواط، بالانتكاسة الأخلاقية، بما قال إنه "تصرفها الغريب المتمثل في حرمان طلابها من شرف انضمام أحد العلماء العاملين والأكاديميين المرموقين إلى هيئة التدريس بها، ويخص الأمر هنا الدكتور عبد الحليم قابة، وذلك عقب منحه علامة ربع نقطة ( 0.25 ) من الأربعة نقاط (4) المخصصة للمقابلة الشفهية في توظيف الأساتذة الجامعيين".
وأضاف: "لقد حرموا بذلك الجامعة من شرف انتساب الدكتور عبد الحليم قابة لها، وهو الذي تعرفه منابر الدعوة في كل ربوع الدنيا، وتعرفه منابر الإعلام وقنوات التلفزيون في مجالات الإفتاء والإرشاد الديني لسنوات، وتعرفه مدرجات جامعات الشرق والوسط في الجزائر محاضرا ومدرسا قبل أن يستقيل قبل سنوات ويلتحق بالجامعات السعودية ومنابر الحرمين الشريفين مدرسا ومحاضرا وواعظا. وقد شاء القدر أن يعود إلى أرض الوطن قبل سنتين أو ثلاثة ليجد نفسه أمام مهازل هي أقرب إلى الجنون من أي شيء آخر".
وتابع يقول: "إن تصرفا أخرق كهذا إساءة وإهانة للعلم وللعلماء وللجامعة الجزائرية، قبل أن يكون إهانة لشخص الدكتور عبد الحليم قابة، وقد كان من الممكن أن يرفض الملف من البداية تحت مبرر التخصص أو مبررات أخرى- كما جرت عليه العادة- بدل الوقوع في هذه الانتكاسة الفضيحة التي مرغت سمعة الجامعة والبلد كله في وحل قلة المروءة و انعدام النخوة ..الأكيد بالنسبة لي أن أعضاء اللجنة الممتحنة للدكتور عبد الحليم ليسوا أهلا من الأساس لامتحانه".
وتحدث الدكتور الربعي عمير بنفس الحرارة مدافعا عن عبد الحليم قابة، الذي قال إنه طينة الكبار الذين "حازوا احترام وتقدير جميع العلماء الذين عرفوه عن قرب في الجزائر وخارجها، وعلى رأسهم الشيخ عبد الرحمان شيبان رحمه الله".
وسرد الكاتب نبذة عن قابة قائلا "بعد رحلته إلى أرض الشام التي دامت حوالي 13 سنة، يخوض تجربة تدريس جامعي رسمي مدة 24 سنة منها 14 سنة في الجامعة الجزائرية وهي وحدها كافية للوصول إلى أعلى الرتب في الأستاذية، أتيحت له بعدها فرصة التدريس بواحدة من أعرق الجامعات الإسلامية وهي جامعة أم القرى بمكة المكرمة، فلم يتحايل كما يتحايل ذووا النفوذ بل اختار تقديم استقالته من منصبه بشرف من الجامعة الجزائرية، وبعد 10 سنوات تدريس بجامعة أم القرى يعود إلى بلاده بعد انتهاء العقد، وقد تجاوز عتبة الستين، ليكمل ما بقي من عمره في خدمة دينه وبلاده مع أنه كان حاضرا طيلة سنوات إقامته بالحجاز بنصائحه وتوجيهاته للعامة والخاصة وفي أحلك الظروف التي مرت بها البلاد في زمان اختار غيره في الداخل والخارج الصمت".
وأردف: "يعود إلى بلاده فيبحث عن عمل شريف يسد حاجته ويحفظ كرامته فينتظر أكثر من عام كامل ليشارك في مسابقة التوظيف لمنصب أستاذ مساعد بجامعة جزائرية وفي قسم العلوم الشرعية وهو المنصب الذي يتنافس عليه تلاميذ تلاميذه، ومع هذا اختار أن يطرق باب العدل في الحصول على الوظيفة ليجد نفسه أمام لجنة تتعمد الإساءة لنفسها قبل الإساءة لأحد شموس العلم الشرعي في الجزائر فتمنحه دون خجل ولا حياء علامة 0.25 من 4 نقاط المخصصة للمقابلة،أي عيب وأي عار هذا!؟".
وختم في إحالة على قضية المغني "ميستر أبي" الأخيرة، قائلا: "في الجزائر مغني الراب يمنح منصب ممثل للجزائر إعلاميا في أكبر مطارات الجزائر.. وعالم من خيرة علماء بلدنا يتعرض لهذا الظلم في سبيل منصب هو أولى به من غيره فيقصى بطريقة مهينة للتعليم الجامعي في الجزائر كله".
وبدا أن هذه القضية فتحت الشهية، لسرد وقائع شبيهة عن الظلم الذي يتعرض المترشحون للمسابقات الجامعية، وهو ما دفع بالكثيرين للدعوة لإنشاء لجنة تحقيق في الموضوع.
وروى كمال خلاف قصة حدثت بجامعة الأغواط سنة 2006 للمشاركة في امتحان التوظيف، حيث كان منصبان الأول في أصول الفقه والثاني في أصول الدين، ولكل منصب أزيد من ثلاثين 30 مترشحا.
وقال: :كنا على درجة كبيرة من الاستغراب والمفاجأة لما تواترت المعلومات بأن الأسئلة كانت حول اللغتين الفرنسية والانجليزية لا غير، ولا شيئ عن أصول الفقه أو الدين، وكأن المترشحين دكاترة وماجستير في اللغتين الأجنبيتين وليس في العلوم الإسلامية!!!".
فجأة يقول: "خرج أعضاء من اللجنة فقالوا لنا بعبارات صريحة: لا تؤاخذونا نحن مأمورون والأسئلة معدة مسبقا، والمسابقة محسومة مسبقا، فالمنصبان لفلان وعلان مشاركان لم نتعرف عليهما بين المشاركين، فما كان من البقية إلا الاعتراض والانسحاب والاتفاق على كتابة احتجاج وإرساله للصحافة".
وفي نفس المنحى، كتب قاتري أحمد، عن الإشكالات المرتبطة بالمسابقات الجامعية، قائلا: "يبدو أن أعضاء لجان المقابلة في بعض الجامعات ومسؤوليها من عمداء كليات وجامعات ومن يتحكمون في المسابقات، بالغوا إلى حد التطرف في استغلال صلاحية تقييم بعض المترشحين لمسابقات التوظيف في رتبة أستاذ مساعد قسم ب وعدم إمكانية الطعن في تلك العلامة وبالتالي أساؤوا لأنفسهم و زملائهم الأساتذة و مسؤولي القطاع".
ونشر المدون ما قال إنها "فضيحة أخرى لا تقل عما حدث في الأغواط، حيث تم منح مترشح علامة 0.1 من 4 حتى يحرم من النجاح ومن سبقه تفوق عليه ببضع أجزاء". وأضاف: "هذا الأمر حدث في جامعات أخرى، مما تسبب في حرمان أصحاب الكفاءة والخبرة وترجيح كفة أصحاب الملفات الضعيفة، في سقطة أخلاقية تسيء إلى قطاع التعليم العالي والبحث العلمي".
وبالفعل، تداول كثيرون صورة علامات المسابقة التي جرت بجامعة قسنطينة، حيث يظهر أحد المترشحين متفوقا في كل المواد إلا في المقابلة الشفهية التي منح فيها علامة أقل تكاد تساوي الصفر، ما حرمه من النجاح، وطرح أسئلة كثيرة عن مصداقية هذه النقطة التي حصل عليها.
رد الدكتور قابة
وبعد التفاعل الهائل مع قضيته، خرج عبد الحليم قابة عن صمته، شاكرا من دعمه وراجيا أن "لا يشغلنا هذا الحدث الجزئي عن قضايا الأمة الكبرى، ومنها مأساة إخواننا في فلسطين،وغيرها مَحليّا ودوليّا"، وفق ما قال.
وفي توضيحه بعدما روى ظروف انتهاء عقده في السعودية، قال "لما انتهى عقدي هناك عدتُ إلى بلدي العزيز، وأنا الآن أنتظر دون عمل مدة 16 شهر تقريبا، وليس لديّ تقاعد، فتقدمت لإعادة إدماجي في منصبي (محاضر أ) فلم تنعقد اللجنة إلى الآن، ولكنهم وعدونا خيرا، جزاهم الله خيرا، فتقدمت -احتياطا- للمسابقة مع سائر الناس للتوظيف من جديد (مساعد ب) خوف البقاء في البطالة، لأن إعادة الإدماج غير مضمون، ولستُ راغبا -يعلم الله- في منافسة أبنائي، ولا في حرمان أحد، ولا في الخروج من العاصمة، ولا في الإضرار بالجامعة، ولكن لكل أجل كتاب، ثم حصل ما حصل، والحمد لله على كل حال. والله يحسن العاقبة للجميع".
ووجه قابة اعتذاره "لكل من لحقه شيء من الأذى بسبب هذا الحدث وتفاعلاته، خصوصا شريحة الأساتذة النبلاء، وشريحة أصحاب الشهادات الأجراء، والقائمين على الجامعة والوزارة من الأفاضل والشرفاء، وكذا الناشرين المتابعين والمتفاعلين"، قائلا: "اتركوا من المنشورات ما كدر، وخذوا منها ما صفا، فإن الحياة كلها موازنة وانتقاء. واجتهدوا في التوبة وإصلاح الأخطاء، واستمروا في الصواب من الأعمال والآراء".
والتمس الدكتور ممن ساندوه "أن يستغلوا مثل هذه الأحداث للإصلاح، وأن يبادروا إلى اقتراحات ومشاريع تسهم في معالجة الأخطاء، وفي تطوير بلدنا بلد الشهداء، وفي حسن الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة، في بروز الأفكار المطمورة، وظهور الكفاءات المغمورة، واستفادة الجزائر من أبنائها وبناتها ومؤسساتنا. دون تَعَدٍّ، ولا تجريح، ولا أذى".